د. نادية هناوي
كثيرة هي المسميات التي فيها توضع مفردة المرأة – وليس ذات المرأة وكيانها وهويتها- في أولويات عمل من يهتم بالمرأة ويبذل ما يستطيع من إعلام وتوجيه كي يثبت أنّ اهتمامه كاف وفعله ناجع لا لبس فيه ولا غبار عليه. وإذا كانت مفردة المرأة شعارا أثيرا ومنهاج عمل واستراتيجية، فإن أية مشكلة تطرح سواء في ندوة أو مؤتمر أو ورشة ستتحول إلى نجاح مؤكد وانجاز محقق وحسن ختام، فيه تتحقق الأهداف دفعة واحدة.
هذا ما لمسته وأنا أحضر ورشة العمل الموسومة(المرأة العراقية ودورها في حركة الإصلاح الاجتماعي بعد عام 2003) التي أقامها مكتب مستشار رئيس الوزراء لشؤون التربية والتعليم بالتعاون مع مكتب مستشارة رئيس مجلس الوزراء لشؤون المرأة يوم 1 أيلول 2024 في قصر الزقورة ببغداد. وجاء في الدعوة التي وجهت إلى الكليات والجامعات كافة قبل يوم واحد فقط من عقد الورشة، أن الهدف هو(إعداد تقرير شامل عن إستراتيجية وطنية لتنمية المرأة العراقية على وفق المنهج الإسلامي والثوابت الوطنية والاجتماعية) وجاء في الدعوة أيضا أن هذه الورشة تأتي ضمن سلسلة الورش التخصصية لشؤون المرأة في الجامعات.
وبغض النظر عن العلاقة بين الإصلاح من جهة والمرأة والجامعة من جهة أخرى، وبغض النظر عما هو مقصود بالمنهج والثوابت ومضمون السلسلة الورشية، فإن الذي جال في خاطري كان تصورا إيجابيا وطموحا لما يمكن أن تؤدي إليه مثل هذه الورشة من أغراض لاسيما حين تحضرها أكاديميات من مختلف التخصصات لمناقشة واقع حال المرأة داخل الجامعة، وطرح الأفكار والتحدث في ما يمكن أن يكون تطلعات لمستقبل جديد يتناسب وطبيعة المهمة التي وجهت هذه الورشة إلى انجازها.
وأول ما لفت نظري في إثناء المناقشات أن قسما من الحاضرات هن أما نائبات أو نائبات سابقات أو موظفات في الجهاز الحكومي المتقدم. وقد يقال إن وجود هؤلاء النسوة ضروري كي يضعن أمام الأكاديميات الحاضرات الصورة التي فيها لب الإشكال المراد ايجاد الحلول له. والمتمثل بالإصلاح الاجتماعي والمرأة والجامعة. غير أن المتحصل هو أن هؤلاء النسوة كن قد أعددن إستراتيجية، يعرفنها هن وحدهن، ولوحت إحداهن بمجموعة أوراق قائلة: أحب هذه الإستراتيجية. وقالت الأخرى: إن كل شيء معد فيها، وكل الذي نحتاجه هو تطبيقها. والسؤال لماذا الورشة إذن والإستراتيجية معدة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم تبادر الجهة التي أعدت الدعوة بأن تطلع عليها ذوات الشأن أو من يهمهم الأمر؟
وليست الإستراتيجية وحدها هي المعدة، بل هناك تقرير قيل إنه" بحث" قامت بإعداده إحدى الأكاديميات ليكون هو المنطلق للتناقش والحوار في الإصلاح الاجتماعي لواقع المرأة في الجامعة. والمفارقة أن البحث لم يكن سوى كلام تقريري وبإنشائية مستهلكة لا يليق معها حتى وصفه بالتقرير، لأن الدهر أكل على جمله وشرب. وبالطبع لا تدري أكثر الحاضرات هل أُقيمت الورشة على نية فتح النقاشات لما ينبغي البحث فيه أم هو مناقشة ما كتب سابقا والدوران حوله؟
والادهى من ذلك أن النقاش ما أن فُتح حتى كانت الحصة الأكبر للنسوة من السلك الحكومي المتقدم وقد أتيح لهن وقت مفتوح حتى أخذن الجزء الأكبر من زمن الورشة ولم يبق للأكاديميات سوى نزر يسير. الأمر الذي جعل الاختزال سيد الموقف، ومن ثم غدت المرأة الجامعية ذاتا هامشية والمرأة المفردة لفظة مركزية.
إن مثل هذه المفارقة ليست بالجديدة، وبسببها قاطعتُ ندوات وملتقيات كثيرة، إذ ليس فيها أية جدوى عملية أو نظرية ولأنها تتخذ من المرأة مفردة لا غير، فلا مركزة للواقع النسوي، ولا دراسات علمية تخرج بنتائج حقيقية وعملية فيها احترام لذات المرأة واهتمام بكينونتها وانجازاتها، بل كل الذي يُراد منها هو أن تقبل بمن ينوب عنها في حضورها! !. ومن ثم لا يكون هناك متضرر غيرها بسبب التعكز على واقعها لابتداع سلسلة فعاليات صورية وإجراءات روتينية تتنوع أوصافها بين المنهاج والإستراتيجية وأوراق العمل.
إن ما تفتقر إليه مثل هذه الورش والفعاليات هو وجود أساس نظري مفاهيمي، عليه تبنى الاستقراءات ومنه تنطلق الآليات باتجاه وضع إستراتيجية عملية وليس العكس أي إعداد الاستراتيجية أولا والعمل ثانيا على جعلها أداة بها تحل المعضلات وتفك الإشكاليات وتزال المعوقات. ومن ثم تظل أية حلول خارج هذا الإطار مجرد كلام فارغ وطق حنك ولقلقة لسان، كي يبقى الحال على ما هو عليه.
ويبدو أن هذه هي الإستراتيجية التي غيبت سطورها وعرضت أوراقها في ورشة قصر الزقورة، فكانت الإشادة بإنجازات الحكومة في مجال المرأة تترى على قدم وساق على لسان المسؤولات والمسؤولين الحكوميين مثلما تترى على لسان الباحثات عن عضوية اللجان من اللائي يبحثن عن المنافع الشخصية. ولا فرق في وصف انجاز مثل هذه الورش بأنه هوائي أو فضائي كما لا فرق إن سُمي تمكين المرأة أو شؤون المرأة، لأن المسمى واحد، هو مفردة المرأة وليس ذاتها التي فيها تتأكد العدالة الاجتماعية ومن خلالها تطبق الديمقراطية ومن بين يديها يتحصل المتحصل الذي فيه علو الشأن وجودة الإنتاج.
إن المرأة ذاتا وكينونة وهوية هي التي يتم تغييبها عن الفعاليات والندوات وهي التي تفتقر إليها جداول أعمال ورش وندوات السلك الحكومي النسوي المتقدم من برلمانيات ووزيرات ووكيلات وزراء ومديرات عامات. وما دام هناك من ينوب عن المرأة ويتحدث باسمها، فلن تكون سوى هامش يحضر على جدول الأعمال كمفردة، وباسم هذه المفردة توضع المناهج والحلول، فطوبى لمفردة المرأة وتعسًا لذات المرأة التي لم تلق من مسماها خيرا مثل الذي يلقاه من يرفع المفردة شعارًا.
جميع التعليقات 1
نعيمة مجيد
منذ 2 شهور
المرأة الحاضرة منهن إلى المؤتمر من النائبات البرلمانيات أو اللواتي لهن مكاسب في الحكومة الحالية الان سوف يدقن مسمار في نعش عروشهن في الحكومات التي تأتي لاحقا لأنهن يتٱمرن على أنفسهن أو كيان اسمه المرأة اللواتي ينتمين إليه والذي هومكسب تحقق من قبل المرأة