ستار كاووش
ما الذي يجعل الانسان متميزاً في مجتمعه ويحصل على ما يستحقه من مكانة وتقدير نتيجة ما يقوم به من إنجازات وما يتركه من تأثير؟ تبدو الإجابة سهلة ومنطقية، وهي أن نُعطي كل ذي حق حقه، أن نتحلى بروح العدل والعرفان بتقييمِ أصحاب العقول المشرقة والإشارة اليهم. علينا أن نُجيل النظر جيداً في ثقافتنا العراقية ونرى بوضوح، مبدعينا الذين ساهموا بإنجازات فردية مهمة وتركوا بصماتهم المضيئة. ومن بين هؤلاء المبدعين أردتُ أن أُحَيِّي هنا امرأة عراقية حاضرة ومؤثرة، إنها مبدعتنا الدكتورة عواطف نعيم، التي رغم ظروف وتقلبات البلد وكثرة الصعوبات ومشقة الدرب الذي اختارته، لكنها لم تتذمر وتركل حجارة الطريق، بل جمعت هذه الحجارة وبنت بها عالمها الشخصي ومسرحها الأثير الى قلبها. وهي إضافة لما قدمته للمسرح الذي كتبتْ وأخرجت له أعمالاً مهمة ومؤثرة في مسيرة الفن العراقي، فقد تركتْ حضوراً كبيراً ومؤثراً في التلفزيون والاذاعة وكتابة البحوث والدراسات والأعمال الدرامية، وكان حصيلة كل ذلك هو إسمها المؤثر والبارز في الأوساط الفنية العربية.
عواطف نعيم امرأة حاضرة ومتحضرة، أثيرة لقلوب الكثيرين ومؤثرة في ما تقدمه، وهي تستحق أن نحتفي بها دائماً. ومن جانبنا كعراقيين علينا أن نقول كلمتنا بحق مبدعينا ونشير الى ما منحوه لنا من جمال وإنجازات وصاروا وجهاً لبلدنا، وجهاً نُحبه ونفاخر به. لكن هل تكفي تحية من بعيد لإبنة بلدي الكبيرة؟ هل يكفي أن أشير لها بكلمات أردتُها أن تكون عفوية وصادقة؟ أم أدفع بكلماتي أبعد قليلاً وأتمنى أن يُقام مهرجان مسرحي بإسم هذه المبدعة، أن تُقَدَّم لها الإحتفاءات والجوائز اللائقة في بلدها بعد أن حصلت على الكثير من الجوائز في بلدان عديدة، منها وسام الفنون والآداب برتبة فارس من فرنسا، بلد سارة برنار العظيمة.
نعم، حري بنا أن نحتفي بهذه الشمعة التي توهجتْ بين جنبات مسرحنا، ونُشير اليها كفانوس أضاء أماكن عروضنا المدهشة. فلا يمكن أن نكون حقيقيين دون أن نعطي الآخرين حقهم. ولا يحق لنا المطالبة بالجمال دون أن ننظرَ الى جمال بلدنا وناسنا. وقبلَ إنتظار التصفيق من أحد، علينا أن نصفق نحن أولاً لعواطف نعيم، هذه المبدعة التي تقف في الصف الأول من تجاربنا الناجحة.
المسرح هو الحياة الثانية لعواطف نعيم، إنه الرئة الأخرى التي تتنفس من خلالها هواء الابداع والخلق والابتكار، وعلى خشبات هذا المسرح حققتْ ذاتها ووجودها وحقيقة روحها المتفوقة، وقدمت أعمالاً مهمة طرحت من خلالها الكثير من الأسئلة التي تتعلق بالانسان وقضايا الوطن والنضال من أجل المرأة ومصيرها وتأثيرها. وهي دائماً ما تنتقي أعمالها بدقة كي تترك أثراً في ذهن المشاهد، حيث بَثَّتْ في أغلب هذه الأعمال، الكثير من الرمزية التي تحتاج من المتلقي أن ينظر اليها بقلب مفتوح وذهن صافٍ وانسجام مع مفردات النص وحركات الممثل. وهذا ما جعلها واحدة من إيقونات مسرحنا العراقي والعربي.
وهكذا لا يسعنا المرور على المسرح العراقى دون التوقف أمام قامة حاضرة وكبيرة مثل قامة عواطف نعيم. يا لهذه المرأة القوية الطيعة التي تملك جمال الكلمات وقوة التجسيد، الحضور البهي المؤثر ممزوجاً بموهبة فريدة من نوعها. هي مثال للشخصية العراقية عبر التاريخ، حيث تجمع شدة البأس مع الذكاء الناعم، قوة الحضور مع الفطنة الممزوجة بالهيبة، الابداع مع الابتكار، هذه هي عواطف نعيم التي لا تتوقف عند منتصف الطريق، بل تمضي به الى النهاية، وحتى حين تصل تبدأ من جديد مع نص مسرحي مختلف أو مشروع جمالي متفرد. ومثلما إن مبدعتنا عواطف نعيم تشبه شجرة مثمرة وسط بستان إبداعنا العراقي، فهي أيضاً زهرة رازقي شذية وسط مرج عائلتها، حيث تلتأم صحبة زوجها المسرحي الكبير عزيز خيون، وشقيتها المبدعة القديرة اقبال نعيم وحتى الجيل الجديد من العائلة ذاتها، ليشكلوا في النهاية نهراً يتدفق بثقة وسط ثقافتنا العراقية.
مبدعة عظيمة مثل الدكتورة عواطف نعيم، ليست بحاجة لكلماتي وشهادتي أنا الرسام المنشغل بالمتاحف والمعارض الفنية. لكنها كلمة حق أردتُ قولها أزاءَ إبنة بلدي التي أفخر وأعتز بها كثيراً، مثلما أفخر بكل من يفتح نافذة للمحبة والأمل والجمال، الجمال الذي يشبه الحقيقة. تحية للكبيرة عواطف نعيم وسلام لابداعها وحضورها وجمال شخصيتها وما تقدمه من إبتكار يليق بها وبإسم العراق.