المدى – تبارك المجيد
في قلب بغداد القديمة، تجسد منطقة الكفاح رمزًا لروح النضال والتغيير، وتحمل تراث المدينة وروحها الأصيلة. أزقة الشارع تعد شرايين حيوية تربط بين مناطق الصدرية والشورجة، وتختصر الطريق نحو النهضة والسباع، مما يجعلها ممرًا أساسيًا لأصحاب المحلات في الشورجة، المركز التجاري النابض للعراق. ورغم هذا الغنى التاريخي والثقافي، يعاني سكان الكفاح من إهمال طويل الأمد وسوء في الخدمات الأساسية.
داخل منطقة الكفاح، حيث تتشابك الأصالة مع الحداثة في العاصمة، يقف المختار رائد علوان كحارس لذاكرة المنطقة وتفاصيلها العميقة. على مدى عشرين عامًا من الإهمال والركود، شهدت المنطقة تحولات كثيرة، لكن مع تبدل القيادات المحلية، يتراءى لعلوان بارقة أمل جديدة. مختار الكفاح، الذي ورث هذا المنصب كإرث عائلي، يدير مكتبة صغيرة في شارع الكفاح، حيث يتحدث لـ(المدى)، عن التحديات التي واجهتها المنطقة. ويصف كيف أن الإهمال المزمن جعل من الكفاح "منطقة منكوبة"، حيث تدهورت الخدمات الأساسية وازدادت معاناة السكان اليومية.
يتحدث سلمان المحسن، صاحب متجر لبيع مستلزمات التجميل بالجملة، عن طابع الكفاح التجاري، موضحًا أن "المنطقة لا تزال تحتفظ بطابعها التجاري، حيث تحتوي على أسواق جملة توفر المواد بأسعار أرخص من باقي مناطق بغداد." أما بخصوص النظافة، فيشير إلى أن جهود البلدية لتنظيف الشوارع غير كافية، بسبب عدم التزام بعض أصحاب المحال بتنظيف أماكنهم. كما يلفت إلى أن الكهرباء تشكل أحد أكبر التحديات، مع انقطاع متكرر للتيار الكهربائي.
في حديث تاريخي، استعرض الباحث ومقدم البرامج التاريخية ياسر العبيدي قصة شارع شارع الكفاح. وأوضح لـ(المدى) أن بغداد في الحقبة العباسية كانت محاطة بسور بناه العباسيون، حيث اقتصر وجود المدينة على المنطقة الواقعة داخل هذا السور، الذي تضمن أبوابًا شهيرة مثل باب المعظم والباب الشرقي. حينها كانت الشوارع ضيقة وغير معبدة، وتحيط بها البساتين التي كانت تغلف المدينة.
ومع دخول العراق حقبة الحكم الملكي، شهدت بغداد تغييرات عمرانية، كان من أبرزها افتتاح شارع الملك غازي في عام 1934. امتد هذا الشارع من منطقة الفضل قرب كراج نقل الركاب، مرورًا بساحة زبيدة، وصولًا إلى ساحة الفردوس، وانتهاءً عند الباب الشرقي بالقرب من سينما غرناطة القديمة. ولكن عملية إنشاء الشارع لم تكن سهلة، حيث واجهت الحكومة تحديات في استملاك الأراضي والمباني من المواطنين، مما أدى إلى ظهور شارع غير مستقيم في بعض المناطق. وبعد ثورة 14 تموز 1958، شهد الشارع تغييرات جذرية، حيث تم تغيير اسمه من "شارع الملك غازي" إلى "شارع الكفاح"، كما تغير اسم "ساحة الوصي" إلى "ساحة النهضة".