بغداد / تبارك المجيد
مع تزايد استخدام البلاستيك في العراق، تتزايد المخاوف من الآثار البيئية والصحية المترتبة على التلوث البلاستيكي. خبراء البيئة يحذرون من خطورة تراكم النفايات البلاستيكية، مشيرين إلى تأثيرها على مصادر المياه والحياة البرية، بالإضافة إلى الأضرار الصحية التي قد تصيب الإنسان والحيوانات.
وأصبحت أكياس النايلون وقوارير المياه البلاستيكية مشهدًا مألوفًا في العديد من الأماكن في العراق، تكدس هذه النفايات في الزوايا المنسية وتنساب عبر مجاري المياه، مما يؤدي إلى خنق الحياة البيئية وتفاقم أزمة التلوث. يرى كشبين إدريس علي، رئيس منظمة هسار للبيئة، أن التلوث بالبلاستيك هو أحد أخطر التحديات البيئية في العراق، ويؤكد أن “الاستخدام الواسع للبلاستيك غير القابل للتحلل يؤدي إلى تراكم النفايات في المكبات والأنهار والمحيطات، مما يساهم بشكل كبير في تدهور البيئة”.
وفي حديثه لـ(المدى)، أشار علي إلى أن “النفايات البلاستيكية في العراق تسبب تلوثًا كبيرًا لمصادر المياه، وتلحق أضرارًا جسيمة بالحياة البرية، مما يؤدي إلى تدهور النظم البيئية”. وأوضح أن هذه النفايات تزيد من مخاطر الفيضانات خلال موسم الأمطار نتيجة انسداد أنظمة الصرف.
وحذر علي من أن “تحلل هذه النفايات يطلق مواد سامة في التربة والمياه، مما يزيد من تدهور البيئة ويبرز الحاجة الملحة لوضع ستراتيجيات فعالة لإدارة النفايات بهدف حماية البيئة والصحة العامة في العراق”.
جهود منظمة هسار للبيئة
وأوضح علي أن “منظمة هسار للبيئة أدركت منذ البداية أهمية اتباع نهج ستراتيجي لتحقيق تأثير ملموس في تقليل النفايات البلاستيكية”، وأضاف أن “الجهود السابقة غالبًا ما فشلت بسبب عدم اكتمال التخطيط، لكن المنظمة اتخذت مسارًا مختلفًا بإطلاق حملة داخلية ركزت على تقليل استخدام البلاستيك داخل فريق العمل”. وأشار إلى أن الفريق كان يعتمد بنسبة 80% على البلاستيك، لكن من خلال تقديم بدائل عملية مثل زجاجات المياه القابلة لإعادة الاستخدام والتعبئة المستدامة، تم تقليل هذه النسبة إلى 15%.
وأكد علي أن “جهود المنظمة لم تقتصر على الفريق الداخلي فقط، بل امتدت إلى المتطوعين أيضًا، حيث تم تزويدهم بأدوات قابلة لإعادة الاستخدام خلال الأنشطة الميدانية، لضمان تبنيهم لهذه الممارسات بسهولة”. وأوضح أن المنظمة تركز في المستقبل على “تنفيذ مشاريع توفر بدائل لاستخدام البلاستيك، بالإضافة إلى إنشاء أنظمة لإعادة تدوير وإعادة استخدام النفايات البلاستيكية، لضمان إدارة الاستخدام البلاستيكي بشكل مستدام حتى وإن كان استخدامه محدودًا”.
المخاطر البيئية:
من جانبه، حذر الخبير البيئي أحمد صالح من المخاطر البيئية الكبيرة التي يشكلها البلاستيك في العراق، معبرًا عن قلقه من نقص الوعي الثقافي العام حول أهمية النظافة البيئية، وخاصة فيما يتعلق بالتعامل مع المخلفات البلاستيكية. ويشير إلى أن “حرق طن متري واحد من البلاستيك في المحارق ينتج عنه كمية كبيرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ما يقرب من طن واحد، حتى مع الاستفادة من الطاقة الناتجة عن عملية الحرق”. وأضاف أن “تحلل زجاجة بلاستيكية واحدة قد يستغرق حوالي 450 عامًا”.
وخلال حديثه مع «المدى»، أوضح صالح أن “البلاستيك يستغرق فترات طويلة جدًا للتحلل، تتراوح بين عشرات إلى مئات السنين، مما يؤدي إلى تشويه المناظر الطبيعية وانبعاث الغازات الضارة عند تحلله بشكل جزئي”. وأضاف أن “تراكم المخلفات البلاستيكية في مجاري الأنهار يشكل عائقًا أمام جريان المياه ويشوّه المنظر العام”. محذرًا من أن “حرق هذه المخلفات يعد خطأ بيئيًا جسيمًا، لأنه يؤدي إلى إطلاق كميات أكبر من الغازات الضارة مقارنة بتركها على حالها أو دفنها”.
الحلول المقترحة:
وفيما يتعلق بالحلول، يرى صالح أن “إعادة تدوير البلاستيك وتحويله إلى حبيبات يمكن استخدامها في تصنيع منتجات جديدة هو الحل الأمثل، حتى وإن كانت هذه المنتجات أقل قيمة من الأصلية”. واختتم صالح حديثه بالدعوة إلى “تعزيز الإجراءات الحكومية لمكافحة التلوث البلاستيكي، مشيرًا إلى أن استخدام أكياس الورق أو الكرتون في تغليف الخبز والصمون يمكن أن يكون بديلاً مناسبًا للبلاستيك، نظرًا لقدرة هذه المواد على التحلل بسرعة دون التسبب بأضرار بيئية كبيرة”.
تُشير آية علي، عضو نقابة الجيولوجيين والناشطة في منظمة بيئية، إلى خطورة التلوث الكيميائي الناتج عن المواد المضافة إلى البلاستيك. وأوضحت أن “تأثير هذا التلوث لا يقتصر على الإنسان بشكل مباشر فقط، بل يمتد أيضًا إلى لحوم الحيوانات التي يتناولها الإنسان”. وأوضحت أن “الأبقار والأغنام التي قد تستهلك الأكياس البلاستيكية تتحلل هذه المواد داخل معدتها، وتتراكم في لحومها وعظامها وحتى في حليبها. عند استهلاك هذه المنتجات، تنتقل المواد السامة إلى جسم الإنسان، مما يشكل خطرًا كبيرًا على صحته”.
وأعربت علي عن قلقها بشأن انتشار حرق النفايات البلاستيكية كوسيلة للتخلص منها، واصفة هذا التصرف بأنه “خطير للغاية”. وأكدت أن “عملية الحرق تطلق غازات سامة مثل الفينولات والكلور، مما يؤدي إلى تلوث الهواء”. وأشارت إلى خطورة الفينولات بقولها: “غرام واحد من الفينول قد يكون قاتلًا للإنسان”. وأضافت أن هذه المواد الكيميائية تؤثر بشكل كبير على صحة الإنسان، حيث تتسبب في “أمراض تصيب الجهازين التنفسي والهضمي، وتؤثر على الغدة الدرقية”. والأخطر من ذلك، أن “هذه المواد تُعتبر مسرطنة وقد تتسبب في تشوهات خلقية لدى الأجنة”. وعبرت عن أسفها “لعدم اهتمام العراق بهذا الملف الحيوي”، مشيرة إلى أن “التلوث الكيميائي البيئي يمتد ليشمل أيضًا منتجات العناية الشخصية ومنتجات التنظيف”.
وأكدت علي أن “الخطر الكيميائي الناتج من المواد البلاستيكية قد لا يكون واضحًا حاليًا، لكن بكل تأكيد ستكون له نتائج وخيمة في المستقبل”. وأشارت إلى أن هذا الخطر يُضاف إلى الأزمات البيئية الأخرى مثل التلوث والجفاف والتصحر وتدهور الزراعة ونفوق الحيوانات وتدهور التنوع البيولوجي. وأوضحت أن “الخطر لا يأتي فقط من البلاستيك نفسه، بل من المواد الكيميائية التي تضاف إليه”.
أكد مدير عام دائرة التوعية والإعلام في وزارة البيئة، ثابت خليل، أن قضية النفايات البلاستيكية تعدّ من القضايا البيئية القديمة والخطيرة، حيث تؤثر بشكل مباشر على البيئة منذ اختراع البلاستيك. وأوضح خليل أن “البلاستيك هو مصطلح تجاري يشير إلى مكونات أساسية تُشكل هذه المادة”، مشيرًا إلى أن العراق لم ينضم بعد إلى الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى الحد من إنتاج واستخدام البلاستيك بطرق تقليدية.
وأضاف خليل لـ(المدى)، أن “وزارة البيئة، من خلال مديرية البيئة الحضرية وقسم الكيمياء، تواصل مناقشة هذا الموضوع على طاولة الاجتماعات”. كما تعمل على “إيقاف المواقع الملوثة التي تتأثر بهذه المواد بشكل كبير”. وأكد خليل أن “الوزارة تسعى لاتخاذ خطوات عملية في المستقبل القريب للحد من استخدام المواد البلاستيكية والتخلص من آثارها الضارة”.
وأشار إلى أن “النفايات البلاستيكية، سواء تم التخلص منها بشكل تقليدي أو من خلال الحرق، تشكل خطرًا بيئيًا كبيرًا. حيث ينتج عن حرق البلاستيك مركبات كيميائية يمكن أن تسبب تلوثًا بيئيًا خطيرًا، وتُعدّ من العوامل المسببة للأمراض السرطانية”.
وأكد خليل أن الوزارة تعمل جاهدة على إيجاد حلول مستدامة للحد من استخدام البلاستيك والبحث عن وسائل للتخلص منه بطرق آمنة وصديقة للبيئة.
وتزايدت نسبة استخدام البلاستيك بمعدل 22.8% سنوياً وفقاً لتحقيق صحفي. وأشار التقرير الى ان في عام 2009، كان متوسط استهلاك الفرد 0.5 كيلوغرام من البلاستيك، ولكن بحلول عام 2022 ارتفع هذا الرقم إلى 7.2 كيلوغرام، ومن المتوقع أن يصل إلى 9 كيلوغرام بحلول عام 2026. بحسب بيانات من إحدى شركات توصيل الطعام في إقليم كردستان وبغداد، هناك حوالي 37 ألف طلبية يومياً في المتوسط، معظمها يحتاج إلى تعبئة. إذا كانت كل طلبية تنتج ما بين 0.5 إلى 1 كيلوغرام من الفضلات والنفايات، فإن ذلك يعني وجود ما لا يقل عن 18.5 طن كحد أدنى و37 طن كحد أقصى من الفضلات البلاستيكية يومياً. هذا يترجم إلى ما بين 6715 طن كحد أدنى و13,505 طن كحد أقصى من الفضلات البلاستيكية والنايلون والكرتون سنوياً.