بغداد/ تميم الحسن
ظهر محمد السوداني رئيس الحكومة وفائق زيدان رئيس القضاء وهما يبتسمان في الصورة التي نشرها مكتب رئيس الوزراء في أحدث لقاء جرى بين الطرفين مساء الاحد، لإعلان نهاية "الازمة المفتعلة"، بحسب وصف الحكومة، بين السلطتين التنفيذية والقضائية.
ويقول نائب قريب من السوداني بان اللقاء "أحد عوامل التهدئة" على خلفية تصاعد الاتهامات ضد الحكومة بالتورط فيما عرف بـ"شبكة جوحي"، او قضية "اساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي"، بحسب توصيفات مختلفة بين المعارضين والحكومة.
وتزامن اللقاء الاول بين "الرئيسين" بعد ازمة "جوحي"، مع بث خطاب تلفزيوني نادر للسوداني اشتكى فيه من محاولات "تشويش" و"تعمية" ضد حكومته بشأن قضايا الفساد، وذكر فيه رئيس الوزراء بان الحكومة مدعومة من "ائتلاف إدارة الدولة"، فيما لم يذكر دعم الإطار التنسيقي.
الحديث عن صفقة
ويتداول في الأوساط السياسية وجود "صفقة" أبرمت داخل الإطار التنسيقي لإيقاف "مسلسل الاتهامات المتبادلة" بين أطراف التحالف الشيعي، والتي انسحبت الى مساحات اخرى بعدما دخل رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون على خط الأزمة.
ولم يسرب حتى الان، اي معلومات على بنود الصفقة، لكن هناك ترجيحات بان الاتفاق قد يكون ليس في صالح رئيس الحكومة، الذي ربما قد اضطر الى تقديم تنازلات.
ولا يمكن الجزم بتلك المعلومات، خصوصا وان هناك خطاب "انتخابي" يسمع من وراء تلك الاحداث، بحسب ما يقوله نوري المالكي، زعيم دولة القانون، والذي كان ضمن أحد ضحايا "التنصت" كما نقلت بعض التقارير الصحفية.
وضمن الترجيحات المتداولة، فان السوداني قد "يمنع لاحقا من الترشح للانتخابات" كما جرى في الانتخابات المحلية الأخيرة، او "يفرض عليه الدخول في تحالف مع الإطار" وليس ان ينفرد بالانتخابات المقبلة.
وكان ضمن ما تم تداوله بالأزمة، بان أطراف في "الإطار" اقترحت سحب الثقة من الحكومة، أو إجراء انتخابات مبكرة.
ويُعتقد ان جزء اساسي من تحريك الازمة الحالية هي المعلومات عن تحالف جديد يعد له السوداني لخوض انتخابات 2025. وكان احمد الاسدي وزير العمل، أول من بشر بهذا التحالف. وقال في اذار الماضي بانه "اول المنضمين اليه".
واضاف الاسدي، في مقابلة تلفزيونية، إنه "سيشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة ضمن قائمة يتزعمها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني".
وأكد الأسدي وقتها: "السوداني لم يعلن بعد عن مشروعه السياسي، ومن المتوقع أن يسرع الكثيرون للانضمام إلى قائمته حال إعلانها ليضمنوا فوزاً سهلاً نظراً لما بات يتمتع به الرجل من مقبولية في الشارع العراقي".
ويقدر التحالف الشيعي، حصول السوداني بالانتخابات المقبلة، فيما لو بقى قانون الانتخابات الحالي دون تعديل، على نحو 50 مقعداً، وهي أرقام تحاول "بعض اطراف الاطار الحصول على جزء منها"، بحسب مقرب من زعيم شيعي بارز.
جهود التهدئة
ويشير النائب حسين عرب، والذي يحسب على فريق السوداني في اتصال مع (المدى) إلى أن "خطاب السوداني ولقائه مع رئيس مجلس القضاء يعطي رسائل اطمئنان الى الشارع بعد تداول معلومات غير مؤكدة عن (شبكة جوحي).
وكان السوداني وزيدان قد ناقشا قضايا تتعلق بالاستقرار السياسي والامني، و"مكافحة الفساد"، بحسب بيان الحكومة الذي صدر عقب لقاء الطرفين.
وتداول في الإعلام معلومات عن استهداف "شبكة جوحي" لرئيس القضاء، لكن عرب يقول انه "لا يمكن بناء تحليلات في الجوانب القضائية. يمكن ذلك بالسياسة لكن التخمين بالقضاء أمر غير صحيح".
ورفض القضاء في وقت سابق المعلومات المتعلقة التجسس على رئيس المجلس، فيما قال مستشار للحكومة بان القضية "هي إساءة موظفين في مكتب الحكومة لوسائل التواصل الاجتماعي وليست شبكة تنصت".
ويرى عرب ان اجتماع الاخير الإطار التنسيقي، والذي قرر فيه عدم الخوض في قضية التنصت وتركها للقضاء، بانه قد "خفف التوتر ومنع الصيد بالماء العكر"، داعيا إلى ان يترك الامر لـ"حكم القضاء".
وفي خطاب السوداني المتلفز الذي تزامن بثه مع موعد لقاءه مع زيدان، قال "لقد واجهنا وما زلنا عمليات التشويش والتعمية ونشر المغالطات ومحاولات خلط الحقائق بالأكاذيب واتهام الحكومة بالتغاضي عن بعض جوانب الفساد".
كما شدد السوداني في الكلمة التي لم يعلن عن مناسبة بثها في هذا التوقيت، أن "الحكومة تتقدم كل السلطات الدستورية في التصدي ومحاسبة أي انتهاز للموقع الوظيفي يسعى الى الابتزاز، أو مخالفة القانون على أي مستوى كان، ولن يكون أي أحد بعيدا عن يد القانون".
واكد السوداني في الخطاب الذي في العادة لا يلجأ الى بثه فيديويا إلا في حالات نادرة منذ توليه السلطة قبل نحو عامين، بان حكومته استندت إلى "دعم سياسي من ائتلاف إدارة الدولة وعموم القوى الوطنية السياسية"، فيما أثار الاستغراب من عدم ذكر الإطار التنسيقي، بحسب مراقبين.
حل مؤقت
وبهذا الخصوص يرى محمد نعناع، الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي أن "الازمة لم تنته وقد تنفجر باي وقت".
ويكشف نعناع في اتصال مع (المدى) عن "جهود قام بها نوري المالكي وفائق زيدان لتحديد مسار المشكلة، لكنها لم تنته بالتأكيد".
هذه التهدئة المؤقتة لن تستمر طويلا، حسبما يقول نعناع، لأن "الحكومة فشلت في ادارة قضية نور زهير، وقضايا اخرى ومنحت فرصة للمعارضة باستثمارها في الاجتماعات السياسية وفي الاعلام".
وأمس، اعلن نواب عن توقيف 7 كفلاء على خلفية قضية "سرقة القرن" لعدم حضور المتهمين، وتحديد جلسة جديدة في 21 تشرين الثاني المقبل.
ويشير الباحث في الشأن السياسي الى أن هناك جهات لن تسكت على تلك الملفات، وستشكل قلقا كبيرا للتهدئة المؤقتة وسوف تطرح نفسها حامي للشعب والدولة ضد الحكومة وضد رئيس الوزراء.
وتابع: "هناك نواب لن يسكتوا وهم مدفوعون من جهات اخرى وزعماء لا يريدون التهدئة ويسعون إلى الاستثمار في هذه المشاكل".
وأوضح نعناع انه فعلا كان هناك جهد للتهدئة تتوج بخطاب رئيس الوزراء ولكن هذه "ليست النهاية"، "ما زالت هناك قضايا منظورة أمام القضاء وتنتظر الحسم".