د. كاظم المقدادي
تُستخدم القنابل الغازية السامة والقاتلة المسماة "المسيلة للدموع" لتفريق التظاهرات والحشود والتجمعات الجماهيرية، المطالبة بحقوقها المشروعة. ويعرف ُ مستخدموها جيداً ما تسببه من أضرار لمستنشقي غازاتها أثناء إنفجارها، والتي تتراوح بين إلتهاب العينين، والأنف، والحنجرة، والعمى المؤقت، وتهيج البشرة، والسعال، الى صعوبة التنفس، والإختناق، والتهاب الرئتين، وخفقان القلب، وإرتفاع ضغط الدم، والسكتة الدماغية، والموت.إضافة لما تسببه من حروق شديدة، وتقود في حالات إلى تقيؤ متواصل يفضي إلى الموت. ويكون تأثيرها أشد على الأطفال، والنساء الحوامل، وكبار السن، ومرضى الربو، وضغط الدم العالي، وعجز القلب، وغيرهم.
لذا تعتبرها المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية أداة قمعية بيد الحكومات المتسلطة على رقاب شعوبها، والحكومات المحسوبة " ديمقراطية" وهي تصادر الحقوق وتخنق الحريات العامة، تمسكاً بكرسي الحكم.
لليوم،لا تتوفر شفافية كافية في صناعة إنتاج هذه الأداة القمعية. ولا يُطلبُ من الشركات المصنعة لها الإفصاح عن مكوناتها.ولذا لا يُعرفُ إلا القليل عن المزيج الدقيق الموجود داخل كل ماركة من عبوات القنابل. ويختلف تركيز مركبات الغازات المستخدمة فيها اختلافاً ملموساً بين المنتجات..
بيد أنه رغم التعتيم يعرف الخبراء المختصون ان العبوة تحتوي مركبات كيميائية، تتكون من جزيئات صلبة، متناهية الصغر، تتحول عند إطلاق القنبلة في الجو إلى غازات سامة وقاتلة. وغالباً يُستخدم أكثر من مادة ومركب كيماوي سام في العبوة. وتكون المكونات عادة صلبة عند حرارة الغرفة، وعندما تُسخّن أثناء إطلاقها تُنتج العامل الفعال الحارق والمهيج والمدمر، على هيئة غاز ضبابي، يتكون أساسًا من مجموعة من مركبات صناعية، كيمياوية عضوية، تحتوي على كبريتات الألمنيوم أو نترات البوتاسيوم (الملح الصخري) أو الكلور أو البروم. وكذلك السليكون، وكاربونات المغنيسيوم، والسكروز، والنيترو سيليلوز، ولفحم.
المركب الأكثر شيوعاً في الأدبيات العربية هو المكون من رذاذ الفلفل الأسود ومواد كيميائية يرمز لها بالحروف: (CS)- إختصار لسيانو كربون، و (CN)- اختصار لكلورو أسيتوفينون، و((CR- اختصار لدايبنزوكسازبين، و(Bava)- اختصار لـ بلارغونيك أسيد فانيليلامايد (نونيفامايد)،ومركب (KNO) الذي يحتوي على كلورات البوتاسيوم والأوكسجين والبوتاسيوم والكلورين. ولكل واحد منها مفعوله الضار.
عموماً، تصنع هذه القنابل، في الغالب، من جسم خارجي من الألمنيوم، على شكل عبوة، توجد بأعلاها خمسة ثقوب، وأسفلها ثقب واحد، مغطاة بطبقة من الشمع اللاصق، تذوب عند إطلاق القنبلة، وينبعث منها مركب الغاز، مكوناً سحابة غازية ضبابية، عند إستنشاقها تحصل الأضرار السالفة.
تقول منظمة العفو الدولية:"جعلونا نعتقد أن استخدام الغاز المسيل للدموع يعد أسلوبًا آمنًا لتفريق المشاركين في الاحتجاجات"، بينما إتضح بأنها الأسلحة الكيمياوية. وعلى الرغم من توقيع معظم دول العالم على معاهدة عدم استخدام هذه الأسلحة، الا أن الكثير من الحكومات تستخدمها بشكل مفرط.
وتوصف بأنها أقل فتكاً، ولكنها ليست غير فتاكة، إذ تظل هناك إمكانية لإحداث تأثير مميت برغم أنها ليست مصممة للقتل. وغازاتها سامة، وتختلف مستويات سميتها باختلاف مواصفات المنتج، والكمية المستخدمة، والبيئة التي تُستخدم فيها القنابل.
علماً بان قانون الأسلحة النارية والمتفجرات وقانون التجارة الخارجية الدولية تُصنف:" الغاز المسيل للدموع" ضمن "المتفجرات" و"المواد الستراتيجية".وتُلزِمُ بالحصول على إذن لتصديره من وكالات الشرطة الإقليمية وإدارة برنامج المشتريات الدفاعية.كما وتُلزِمُ قوانين الأنظمة الموصوفة بالديمقراطية قوات الشرطة بالتدرب جيدا على استخدام هذه القنابل، وعدم إطلاقها مباشرة على التجمعات البشرية، وإنما في الهواء فقط.ولا تستخدمها إلا في حالة الضرورة، مع مراعاة المعايير القانونية المحددة لهذا الغرض. ونظراً لخطورتها لا يجوز بتاتاً إطلاق القنابل او المقذوفات أو عبوات الغاز المسيل للدموع، مباشرة على الأشخاص. ففي هذه الحالة يُعدُ إطلاقها كمقذوفات خطرة.ويمكن لارتطامها المباشر بأجساد الأشخاص أن يؤدي إلى إختراقها وحرقها،إضافة للعمى، لاسيما عند إطلاقها من مسافة قريبة أو استهداف أجزاء محددة من الجسد.
المعايير المذكورة لا يتم الإلتزام بها، ولا الالتفات إليها من قبل الدول التي تستخدمها أجهزتها الأمنية. وتثير إساءة استخدام هذه القنابل على نطاق واسع أسئلة حول غياب الأنظمة واللوائح المتعلقة بالاستخدام الصحيح، أو تحديد تركيباتها السامة، وكذلك وجوب تدريب أفراد الشرطة على إستخدامها الآمن.وعلى الرغمن من بواعث القلق الخطير ذات العلاقة بحقوق الإنسان، وبالإرشادات التي أصدرتها الأمم المتحدة في هذا الشأن، يستمر سوء التنظيم مرافقاً لصناعة الغاز المسيل للدموع وتجارته.
وقد وثَّقَت منظمة العفو الدولية إساءة استخدام الشرطة للقنابل الغازية السامة بعدة طرق، تضمنت إطلاقها على التظاهرات السلمية، ومباشرة على المتظاهرين، بما فيهم أشخاص أقل قدورة على الهرب، أو أكثر عُرضةً للتضرُر من آثارها، كالأطفال والمُسنين والأشخاص ذوي الإعاقة.
وشهد العالم إساءة استخدام قوات الأمن للقنابل الغازية السامة على نحو مُروِّع في إطار حملاتها القمعية الوحشية ضد المتظاهرين في فاسطين المحتلة، وإيران، والعراق، وبيرو، وسري لانكا، وبنغلاديش.
الى هذا، جغت ماريا ريستيتش، مديرة فريق التدقيق الرقمي في منظمة العفو الدولية الى: " وجوب إحترام السلطات في جميع أرجاء العالم الحق في التظاهر السلمي، ومساءلة أي شخص يستخدم القنابل الغازية السامة ضد الأشخاص الذين يُمارسون حقوقهم الإنسانية الأساسية "!.
لكن هذه الدعوة وغيرها لم تتحقق، وبتواصل إنتاج الملايين من القنابل الغازية السامة والقاتلة، حيث كشفت وسائل الإعلام، قبل أسبوعين، ان كوريا الجنوبية هي أكبر مصنع وبائع لها، مع ان قانونها يمنع قواتها الأمنية من إستخدامها ضد المتظاهرين. ووفقا للبيانات التي قدمتها (وكالة الشرطة الوطنية) إلى النائبة (يونغ هيه إن)،عضوة لجنة الإدارة العامة والأمن البرلمانية، صدرت كوريا الجنوبية 4 ملايين و730 ألف قنبلة غازية خلال الفترة 2019 إلى حزيران 2024.
والطامة الكبرى ان العراق"الديمقراطي" جاءعلى رأس القائمة، مستحوذاً على أكثر من ربع صادرات كوريا الجنوبية من هذه القنابل،مستورداً خلال الـ 18 شهراً الأخيرة مليوناً و 210 اًلاف قنبلة، منها 732 ألف قنبلة في العام 2023، و 478 ألف قنبلة إضافية في النصف الأول من العام الجاري..
جرى هذا والعراقيون لم ينسوا بعد مشاهد قتل المتضاهرين إيام انتفاضة تشرين، في عام 2019 عبر الاستخدام الكثيف للآلاف من "أجود" انواع القنابل الغازية السامة والقاتلة التي وجهتها القوات القمعية للسلطة، ومليشياتها المسلحة وبلطجيتها، عشوائياً، الى أجساد المتظاهرين المطالبين بحقوقهم المشروعة التي كفلها الدستور النافذ (الرأس والوجه والصدر والبطن)، فإنفجرت فيها وأحرقتها ومزقتها،إضافة الى الرصاص الحي، فإستشهد أكثر من ألف، وأصيب أكثر من 30 ألف شاب وشابة، منهم نحو 7 اَلاف معوق جسدياً بعاهات مستديمة. وجرى ذلك أمام أنظار " نواب الشعب"، الذين كانوا يتفرجون ولا يحركون ساكناً، وكأن الأمر لا يعنيهم.
وفيما تواصل عوائل الشهداء إنتظار معرفة قتلة ابنائها وبناتها، ويتم الافراج عن المتهمين بقتلهم، تقوم حكومة السوداني بإستيراد المزيد من القنابل الغازية السامة والقاتلة..ومع أنها صدعت رؤوس المواطنين بالوعو، خاصة بشأن الخدمات وفرص العمل، والتي لم تنفذها، مبررة التقصير بـ" ضعف الموارد"، بينما هي تنفق عشرات ملايين الدولارات على الوسائل القمعية.فرغم غياب الشفافية، والتستر على التعاقدات، والقومسيونات،تشير مصادر الكترونية إلى أن سعر القنبلة الواحدة يتراوح بين 15 و50 دولارًا. وبناء عليه، فإن الالدولة تكون قد استوردت قنابل بقيمة تقارب 20 مليون دولار، في حال كانت من النوع الاسوأ. اما اذا كانت قد استوردت أفضل الأنواع، فإن ما انفقته عليها يصل الى 60 مليون دولار، وهذ هو المرجح طبعًا، من اجل ضمان التأثير الفعال لتلك القنابل في اسالة دموع المواطنين، وذلك كاجراء احترازي لتوفير الامن لهم! "طريق الشعب" ليوم 20/8/2024.
وهنا، لابد من التساؤل: يدعي المتنفذون في السلطة ان نظامهم " ديمقراطي"، وهم يمثلون الغالبية، فلماذا إذا هم مرعوبون من التظاهرات السلمية، ويستوردون بملايين الدولارات أداة لقمع أبناء وبنات شعبهم؟!!. . وبأي حق، ووفق يا قانون " ديمقراطي" تسترونها؟!
أليس الأحق بهذه المبالغ اَلاف الأُسر العراقية، التي جعلتها منظومة المحاصصة والفساد، تبحث في المزابل لسد رمق جوع أطفالها؟ أو لدفع رواتب اَلاف الموظفين،الذين لم يستلموا رواتبهم منذ عدة أشهر؟!!