إيمان محسن جاسمالصدمة كبيرة على مصر، ولا يمكن ألاّ تترك آثارها على منسوب العلاقات ما بين المصريين أنفسهم على المدى القريب والبعيد .وعلى الرغم من إن الحكومة المصرية تصرفت بشيء من الحكمة عبر السماح لعدد كبير من التظاهرات أن تمر من شوارع الإسكندرية والقاهرة ومحافظات أخرى ، وهذه التظاهرات حطمت بعض سيارات الشرطة وجرحت بعض عناصرها إلا إنها كانت متنفساً سمحت به الحكومة المصرية ، بائع الصحف الذي أقتني منه صباح كل يوم ما أريده من الصحف ، ما أن رآني حتى سلمني صحفي وقال "الناس نسيت قصة مجلس الشعب دلوقتي".
كلام خطير ، يبدو إن الرجل حين قاله أمامي أنه مطمئن لي أوربما لا يعي ما يقوله ، لأنني فهمت من كلامه أشياء كثيرة ، أخطرها طبعا أن يكون الحادث مدبرا من قبل الحكومة "لا سمح الله" لإنهاء ملف انتخابات مجلس الشعب ، خاصة وإن الإعلامين المحلي (المصري) والعربي غلقا ملف مجلس الشعب الباطل كما يقولون واتجه صوب الكنيسة وانفجارها ، عندما فكرت بالموضوع مليا وجدت إن الرجل ربما يقصد هذا لكنني استبعدت هذا الاحتمال الخطير، وقلت ربما الرجل يقصد بأن تفجير الإسكندرية خدم قضية انتخابات مجلس الشعب وأبعدها عن النقاش وربما غلق ملفها للأبد، وربما هذا أقرب لما كان يهدف له العم محمود بائع الصحف على اعتبار إنه يبيع ويقرأ الصحف منذ 40 سنة كما قال لي ذات مرة وهو بالتالي يعتبر مهنيا خبيراً بالرأي العام واتجاهاته.وحقيقة وجدت بأن مبيعات الصحف كبيرة وكثيرة جدا بعد الحادث ، عكس العراق الذي تقل فيه مبيعات الصحف في الأيام التالية لأي انفجار بسبب زيادة عدد الطرق المسدودة وصعوبة وصول الصحف بل صعوبة حتى أن تفتح أكشاك الصحف صباحا ،والشيء الآخر إن تعدد الانفجارات في العراق يجعل منها شيئاً روتينياً وطبيعياً ولا يستحق أن يتصدر الصفحات الأولى يوميا لأنها حدث يومي ثابت في السنوات الماضية .لهذا ما أن جلست في الكافتريا قلت لزميلتي ما الأخبار؟ قالت كل الأخبار عندك في الصحف فهذا التفجير بشع ومؤلم . قلت لها نعم أعرف هذا ولكن كنت أسأل عن أخبار مجلس الشعب والتزوير وماذا ستفعل المعارضة ؟ نظرت لي وقالت " إحنا في إيه وإلا إيه " . إذن ها هي توقعات العم محمود تثبت صحتها ، فالشارع المصري مشغول جدا بتداعيات الانفجار الذي لا نتمنى أن يكون الشرارة التي تحرق ما تبقى من التسامح الفكري والديني .هذا ما يخشاه البعض ، وعبروا عن هذا صراحة في أكثر من حديث ومقابلة ، وهذه الخشية نابعة من أسباب يعرفها الجميع في مقدمتها تنامي موجات العداء والفكر التكفيري ليس في مصر وحدها بل في عموم البلدان العربية بشكل رئيسي بسبب النظم السياسية ذاتها التي أسست لنظم تعليمية أعلت القومية على حساب المواطنة وألغت مفهوم الأمة لحساب الحزب الحاكم ، ورسخت جذور التطرف بوعي أو دون وعي ، وهذا بالتالي يجعل من الكثير من الأقليات هدفا بمتناول الجماعات المتطرفة ، هذه الجماعات التي يتم التعامل معها بمكيالين إن صح التعبير هنا ، فهي مجاهدة تنفذ تعاليم الإسلام وتعلو رايته إذا ما استهدفت بعملياتها دول أوروبا وباكستان والعراق ، وتكون فتنة ومارقة إذا ما استهدفت دولا بعينها معروفة للجميع . ونحن هنا لا نحرض على استهدافهم ولكن نؤكد حقيقة واضحة بات يدركها المواطن العربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص وتتمثل بازدواجية التعامل مع هذه التنظيمات والنظر إليها من عدة زوايا تتلاقى أحيانا مع وجهات نظر مخابرات هذه الدول وتتناغم مع أجندتها بشكل أو بآخر وهي بالتالي تجد الدعم بأشكال متعددة لتنفذ عملياتها في بلدان عدة أهمها بالتأكيد العراق الذي كان مسرحا لعمليات الجماعات المتطرفة من شتى الجنسيات العربية .الفكر التطرفي هذا وجد الحضن الدافئ الذي يرعاه وينظر له ويقدم له الدعم المادي والمعنوي ولو أجرينا بحثا لقنوات النايل سات لوجدنا إن ربعها ينشر بشكل أو بآخر هذا الفكر ، بل بعض هذه القنوات وفي العامين الماضيين كانت تعطي دروسا في كيفية صنع عبوة متفجرة! أليس هذا أحد أسباب انتشار الفكر المتطرف؟ الشيء الآخر هو الواقع الذي يعيشه الشباب العربي بل المجتمع العربي برمته حيث تقول تقارير الأمم المتحدة بأن نسبة الأمية 41% نسبة الفقر 40% في بلدان تشكل وارداتها وصادراتها النفطية أرقاما فلكية كبيرة جدا لكنها تهدر بعيدا عن خطط التنمية واستيعاب البطالة .الشيء الآخر الذي يلفت الانتباه تعامل الإعلام العربي مع أحداث الإسكندرية بطريقة تختلف تماما عن تعامله مع قضايا مشابهة جدا حدثت وتحدث يوميا في العراق وباكستان ، وهنا مشكلة أخرى هي كيف يمكن أن يتعامل الإعلام بواقعية وبحيادية وكيف نثق بإعلام كان وما زال يجد في العمليات الإرهابية التي حصلت في العراق إنها "جهاد" وفي نفس الوقت يشجب ويندد بالعمليات الأخرى .هنا نجد بأن عوامل عديدة ساهمت في صعود المد التكفيري في بلداننا العربية والإسلامية ساهمنا جيمعا بطريقة أو بأخرى في ترسيخها ودعمها والبعض احتضنها وعمل على صياغة مشاريعها تحت مسميات عدة ، والنتيجة باتت هذه التنظيمات عبئاً كبيراً على من روج لها في وقت ما .
من صنع الفكر المتطرف ؟
نشر في: 10 يناير, 2011: 05:46 م