المدى / تبارك المجيد
مع قرب موعد انطلاق العام الدراسي الجديد، شهد سوق المستلزمات الدراسية في العراق حركة نشطة من قبل تجار القرطاسية وأصحاب محلات الملابس المدرسية، الذين بدأوا موسمهم الخاص بعرض منتجاتهم لاستقطاب الزبائن. هذا الموسم، الذي يبدأ عادة في أواخر شهر آب ويستمر حتى مطلع تشرين الأول، يتزامن مع أزمة متفاقمة في الأسعار، مما أثقل كاهل الأسر المتوسطة والفقيرة التي تواجه صعوبة في تأمين احتياجات أبنائها المدرسية الأساسية، ودفع العديد من الأهالي إلى اللجوء لشراء مستلزمات بسيطة لا تغطي الحاجة الكاملة، وسط مطالبات متزايدة بتدخل حكومي عاجل للتخفيف من حدة هذه الأزمة.
في حديث مع (المدى)، أشار الأهالي إلى أن الوضع يتطلب اهتمامًا جادًا من الحكومة، خصوصًا في توفير القرطاسية والكتب المدرسية بشكل مجاني أو بأسعار مدعومة. أبو علي، صاحب متجر متنقل لبيع المثلجات، ذكر أن ابنه الصغير اضطر لترك المدرسة والعمل لإعانة الأسرة، معتبرًا أن الفقر أصبح عائقًا أمام التحصيل العلمي.
أما فاطمة، وهي أم لثلاثة طلاب في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، عبرت عن معاناتها المتزايدة في مواجهة تكاليف تجهيز أبنائها بالمستلزمات الدراسية. في حديثها لـ(المدى)، أوضحت أن تجهيز أبنائها الثلاثة بالمستلزمات الأساسية كلفها حوالي 450 ألف دينار، مشيرة إلى أن وزارة التربية لا توفر الكتب والقرطاسية مجانًا، مما يضاعف العبء على الأهالي.
فاطمة، التي اعتادت اصطحاب أولادها إلى شارع المتنبي لشراء المستلزمات الدراسية بأسعار الجملة، تفاجأت هذا العام بارتفاع الأسعار بشكل كبير. وقالت: «لقد صدمت من الأسعار المرتفعة. كل شيء أصبح أغلى من العام الماضي، مما اضطرني إلى الاستدانة لتلبية احتياجات أبنائي الدراسية». وأضافت: «أنا ربة منزل وزوجي موظف حكومي براتب محدود، وأصبحت تكاليف الدراسة عبئًا كبيرًا على حياتنا، إلى جانب نفقات المعيشة اليومية. الأمر أصبح صعبًا للغاية، خاصة وأن الأسعار ترتفع باستمرار». كما أشارت إلى أن الالتزام بألوان معينة للزي المدرسي مثل الأسود، الرصاصي، والنيلي يسهم في تقليل التفاوت بين الطلاب، لكنه يفرض ضغوطًا إضافية على العائلات التي تجد نفسها مضطرة لشراء زي مدرسي جديد كل عام.
وطالبت فاطمة وزارة التربية بالعمل على توفير المستلزمات المدرسية الضرورية للطلبة، لضمان التزامهم بالزي الرسمي وعدم خلق فجوات بين الطلاب من حيث الملابس والمستلزمات. وأضافت قائلة: «وزارة التربية توفر بعض المستلزمات الدراسية المجانية في بعض المدارس، لكن هذه الكميات لا تكفي لتلبية احتياجات جميع الطلبة. إذا كان دخلي اليومي بالكاد يغطي نفقات عائلتي الأساسية، فكيف أتمكن من تأمين مستلزمات المدارس لأبنائي؟».
في ذات السياق، عبّر يحيى الرضا، وهو أب لثلاثة أطفال في مراحل دراسية مختلفة، عن استيائه من الارتفاع الكبير في أسعار المستلزمات الدراسية. في حديثه مع (المدى)، أشار إلى أن «الأسعار في الأسواق مرتفعة جدًا، ولا يراعي التجار محدودية دخل الأسر العراقية». وأضاف قائلاً: «الملابس المدرسية ذات الجودة الرديئة تتعرض للتلف سريعًا، مما يضطرنا إلى شراء بدائل بأسعار مرتفعة، الأمر الذي يثقل كاهلنا ماليًا».
وأوضح يحيى مشكلة تتعلق بجودة الحقائب المدرسية قائلاً: «الحقائب ذات الجودة المنخفضة لا تتحمل وزن الكتب الثقيلة، فتتمزق سريعًا، مما يضطرنا لشراء حقائب جديدة بأسعار مرتفعة تضمن جودتها وصمودها حتى نهاية العام الدراسي». وأضاف بحسرة أن هذه المصاريف المتكررة تُعد عبئًا كبيرًا على الأسر، في وقت لا يراعي التجار هذه المعاناة.
كما أشار إلى سلوك التجار وأصحاب المحلات الذين يعرضون بضائعهم بطريقة مغرية تستهدف الأطفال، مما يخلق ضغطًا على أولياء الأمور لشراء منتجات قد لا تكون ضرورية. وقال: «يتم عرض البضائع بطريقة تجعل الأطفال يقنعون والديهم بشرائها، رغم أن الكثير من العائلات بالكاد تستطيع تأمين احتياجاتها الأساسية».
وأعرب يحيى عن قلقه إزاء الفوارق الاجتماعية الكبيرة التي تظهر بوضوح في المدارس، موضحًا أن هناك أطفالًا يمتلكون القدرة على شراء أفضل أنواع القرطاسية والملابس، مما يخلق حساسية بين الطلاب. وأضاف: «للأسف، هذا الوضع لا يتم أخذه بعين الاعتبار من قبل الجهات المعنية، ما يزيد من شعور الأطفال الأقل حظًا بالتمييز في المدرسة».
من جانبه، يقول محمود أدور، صاحب محل لبيع الملابس المدرسية في سوق الشورجة: «إن أسعار الملابس المدرسية تتفاوت بشكل كبير حسب مكان التصنيع ونوعية الأقمشة المستخدمة». وأشار إلى أن «أسعار الملابس المحلية تتراوح بين 8-30 ألف دينار للقطعة، ولكن ارتفاع أجور النقل يساهم في زيادة الأسعار النهائية، ما يزيد من الضغوط المالية على الأسر، خصوصًا تلك التي لديها أكثر من أربعة أطفال في سن الدراسة». وأضاف أن «أسعار القمصان الجيدة تبدأ من 20 ألف دينار وما فوق، في حين تبدأ أسعار الصداري المدرسية من 35 ألف دينار تصاعدًا».
لفت أدور إلى أن «غالبية الملابس المدرسية، مثل الصدريات الخاصة بالطالبات، تُستورد من تركيا أو الصين، وغالبًا ما تكون الجودة ضعيفة، حيث لا تصمد الملابس المستوردة لفترة طويلة بسبب الاستخدام المكثف خلال العام الدراسي». وأوضح أن العام الدراسي يمتد من شهر تشرين الثاني حتى نهاية شهر كانون الثاني، ليبدأ بعدها الفصل الثاني في شهر شباط وينتهي في شهر أيار مع الامتحانات النهائية.
كما أكد أدور أن «الأسعار المرتفعة للملابس المدرسية تثير استياء الأهالي الذين يشتكون من الغلاء ومن رداءة المنتجات المستوردة». وأشار إلى أن أحد الأسباب وراء هذه الزيادة في الأسعار يعود إلى ارتفاع ضريبة الاستيراد.
أما محمد، صاحب مكتبة، فقد أشار إلى أن «أسعار الدفاتر تتراوح بين 500 إلى أكثر من 5000 دينار، بينما تتوفر دفاتر أرخص تتراوح أسعارها بين 250 و750 دينار، ولكنها صغيرة وسريعة التمزق». وأكد محمد أن «الأهالي لهم حرية الاختيار بناءً على الميزانية التي تناسبهم»، لكنه أوضح أن سبب تذمر الأهالي الرئيسي يعود إلى عدم توفير وزارة التربية للمستلزمات الدراسية الكافية، ما يجبرهم على شراء كل المستلزمات من حسابهم الخاص.
تقول الناشطة في مجال التعليم، أروين عزيز، إنه «مع انطلاق كل عام دراسي جديد، يشهد سوق المستلزمات الدراسية تنافسًا محتدمًا بين الأسر والمحلات التجارية، حيث يتعين على أولياء الأمور مواجهة تحديات مالية متزايدة لتأمين احتياجات أبنائهم من الكتب، القرطاسية، والملابس المدرسية»، وبيّنت أن ما يفاقم وضع الأسر العراقية هو غياب الدعم الحكومي في توفير المستلزمات الدراسية.
وفي حديثها لـ(المدى)، أوضحت أروين أن «فريقها التطوعي يسعى منذ سنوات لتخفيف الأعباء عن كاهل الأسر المتعففة. حيث يعمل الفريق على جمع الكتب الدراسية المستعملة من الطلاب المتخرجين، وإعادة توزيعها على الطلاب المحتاجين في القرى والأرياف والمناطق النائية». وأضافت: «نطمح هذا العام إلى توسيع نطاق عملنا ليشمل مناطق أكثر، حيث نرى الحاجة الملحة لدعم آلاف الأسر التي لا تستطيع توفير أبسط احتياجات أبنائها من القرطاسية والملابس المدرسية».
وأشارت إلى أن الأزمة المالية التي تعصف بالعائلات لا تقتصر على الكتب والقرطاسية فقط، بل تمتد إلى جميع نواحي الحياة التعليمية، مما يزيد من حاجة المجتمع لهذه المبادرات الخيرية والتطوعية، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. العديد من الأسر تجد صعوبة في تأمين احتياجات أطفالها من الكتب، الدفاتر، والحقائب المدرسية، مما قد يؤثر سلبًا على استعداد الطلاب للعام الدراسي الجديد.
في سياق متصل، كشفت لجنة التربية النيابية خلال العام الماضي عن وجود فساد كبير في ملف طباعة الكتب المدرسية، حيث يتم تغيير المناهج سنويًا وطباعتها بمبالغ ضخمة، وهو ما يزيد من الأعباء المالية على الأسر، التي تجد نفسها مضطرة لشراء الكتب من المكاتب الخاصة بسبب عدم توفرها في المدارس.
معاناة عراقية تتجدد كل عام.. ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية قبيل العام الدراسي
نشر في: 12 سبتمبر, 2024: 12:29 ص