كنتُ قد قررت أن ابتعد في عمودي الأسبوعي هذا، عن الكتابة في نقد الأداء السياسي، لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها، لكنني فشلت بتنفيذ هذا القرار مرات عدة، كان منها كتابتي للمقال الأخير: (فضيحتنا المخجلة)، الذي تناولت فيه موضوع الاعتراف بفشل العراقيين في التعاطي مع القهر الذي يأكلهم أكلاً، لكن طريقتي في التناول استفزت بعض الأصدقاء فكتبوا معترضين على استخدام بعض المفردات القاسية، أو على أصل موضوع الاعتراف بالفشل، معتبرين اياه نوعاً من أنواع الانهزامية. غايات هؤلاء المعترضين نبيلة، لأنهم طالبوا بأن يكون المثقف أكثر فاعلية بالكتابة في تحليل الأخطاء، بدل أن يجلد ذاته، ويكرس وقته لتعداد هذه الأخطاء. وبعضهم اعتبر بأن مقالي موجهٌ لنقد الجماهير، وهذه شريحة لا تستحق النقد برأيهم، فهي شريحة مغلوبة على أمرها.
لهؤلاء الأصدقاء أقول: لقد كتبناً كثيراً في تحليل أسباب خرابنا، ونقطة الارتكاز في هذا التحليل كانت، وربما لم تزل، كتابات الكبير على الوردي، ولم نزل بحاجة للمزيد. لكن لماذا تُخرجون الكتابات التي تعترف بفداحة أخطائنا وجرائمنا، من دائرة التحليل، أو من دائرة النقد البناء؟ لماذا تسمون الاعتراف بأسماء الانهزامية؟ ألا تعتقدون أن ردة فعلكم هذه هي انهزامية في حد ذاتها، انهزامية من مواجهة الاعتراف بقابلياتنا العجيبة، كشعب، على الانسجام مع الضيم وقبول فداحة القهر؟ تقولون أن النشاط الثقافي يجب أن يُكرس لتحليل هذه الفداحة من أجل الوصول إلى حلول عملية لها، لكن الاعتراف من أهم خطوات التحليل التي توصل إلى الحلول العملية. كيف يمكن أن نكون ناجحين في حل مشاكلنا إن لم نعترف بها بصراحة وشجاعة؟ حتى الاعتراض على توجيه اللوم إلى الجماهير هو اعتراض غير موفق، فهذه الجماهير جزء أساس من المشكلة، ويجب أن نعترف بذلك صراحة، يجب أن نتحول إلى مرآة صقيلة ونواجه جماهيرنا، لتكشف بشاعتها. مشكلة جماهيرنا أنها مشكلة كبيرة، وقبل أن نتوجه لتحليل أسباب هذه المشكلة يجب أن نعريها بشكل واضح. نقول هي جماهير مجرمة بحق نفسها، وباردة بمواجهة قضاياها، وعالة على الآخرين في الخروج من مآزقها. أنا لا "أولول" هنا ولا اندب حظي، بل أمارس فعل الاعتراف، وهو فعل ثقافي مهم وجوهري؛ لأن تجنب الاعتراف يكشف عن نرجسية فارغة، وعن تعالٍ مرضي، ونحن على طول الخط نتغنى بأمجادنا، مع أننا بلا أمجاد بين الشعوب، فتاريخنا مختصر بقهر الجبابرة وبانسجامنا مع هذا القهر.. حتى على المستوى الثقافي، لا نمتلك منجزاً يعلو على منجزات الآخرين. بل لم نُنْتج في تاريخنا القريب مفكرين بالمستوى الذي فعلت شعوب المنطقة. ستقولون صدام، وسأقول صدام خلية سرطانية واحدة وجدت بيئة شجعتها على أن تُسرطن بقية الجسد. وهذه البيئة لم تزل مُشجعة على ظهور المزيد من الخلايا السرطانية.
منصَّة اعتراف
[post-views]
نشر في: 7 ديسمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 1
د فؤاد الكردي
بعد ان قرئت مقالتك السابقة ولشدة قناعتي بكل ما ذهبت اليه في تحليل مازق الانسان العراقي طلبت من أصدقاء لي بقراءتها وكلي يقين بان الشعب يتحمل الجزء الاكبر مما يعاني منه فهو شعب لا يتسم بالحيوية وغير فاعل وبائس وبائس. وقانط وما يتعرض له هو نتاج سلبيته الكار