TOP

جريدة المدى > سياسية > "موت تدريجي".. الأزمة المائية في الجنوب تدخل مرحلة خطيرة!

"موت تدريجي".. الأزمة المائية في الجنوب تدخل مرحلة خطيرة!

نشر في: 19 سبتمبر, 2024: 12:13 ص

بغداد / تبارك المجيد
يواجه جنوبي العراق أزمة مائية حادة وصلت إلى مرحلة شراء الأهالي للمياه!
يعود أبرز أسباب هذه الأزمة إلى تراجع المفاوضات مع دول المنبع، ما أدى إلى جفاف الأراضي، تدهور الزراعة وهجرة السكان. وسط هذه المعاناة، تبرز تحذيرات ودعوات عاجلة لإيجاد حلول تتناسب مع حجم المشكلة.
انتقادات للسياسات المائية
وفقًا للخبير المائي والزراعي تحسين الموسوي، تعتمد البلاد بشكل كبير على المياه القادمة من دول المنبع مثل تركيا، سوريا وإيران، ما يجعل أي تعثر في المفاوضات مع هذه الدول ينعكس سلبًا على العراق بشكل مباشر.
يوضح الموسوي في حديثه لـ(المدى)، أن "العراق لا يشهد أي تقدم في هذه المفاوضات بل تراجعًا مستمرًا نتيجة لعوامل عديدة، منها زيادة الطلب العالمي على المياه في ظل انخفاض العرض، بالإضافة إلى التعديات على القوانين والأعراف الدولية التي تنظم تقاسم الموارد المائية".
وأكد الموسوي أن "الجفاف الشديد الذي تعرض له العراق في السنوات الأخيرة أثر بشكل مدمر على البيئة والزراعة. هذا الجفاف تسبب في هجرة السكان، نفوق أعداد كبيرة من المواشي وتدهور التنوع البيولوجي، ما يهدد النظام البيئي بشكل خطير". شمل الضرر مناطق عديدة مثل جنوب بغداد، البصرة، ميسان، ذي قار، الديوانية وحتى بعض المناطق في أعالي بغداد، حيث وصف الوضع الحالي بـ "الموت التدريجي" نتيجة فقدان مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وتفاقم التصحر والتلوث.
انتقد الموسوي السياسات المائية المتبعة في العراق، واصفًا إياها بالقديمة وغير الفعّالة. وأوضح أن البلاد تفتقر إلى ثقافة الحفاظ على المياه وتطبيق تقنيات حديثة مثل الري بالرش والتنقيط. كما أشار إلى غياب برامج إعادة تدوير المياه، مثل مياه الصرف الصحي، لاستخدامها في الزراعة، وهي تقنيات معمول بها في العديد من الدول التي تعاني من شح المياه.
يرى الموسوي أن تحلية مياه البحر قد تكون جزءًا من الحل لمشكلة نقص المياه في العراق، لكنها تحتاج إلى استراتيجيات وسياسات متكاملة لضمان تطبيقها بشكل فعّال. في الوقت نفسه، حذّر من أن العراق يواجه تهديدًا خطيرًا على مستوى الأمن القومي والأمن الغذائي نتيجة نقص المياه. ولفت إلى أن العراق دخل مرحلة "الإجهاد المائي" وفقًا لتصنيفات دولية، حيث يستهلك كميات من المياه تفوق الموارد المتاحة.
في ختام حديثه، شدد الموسوي على ضرورة تحرك جميع الأطراف المعنية، بدءًا من المواطنين وصولًا إلى أعلى مستويات السلطة، لمعالجة هذه الأزمة الحيوية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة ومستقبل العراق. وأعرب عن أسفه لأن صناع القرار لم يعوا بعد حجم الخطر الذي يواجه البلاد.
معاناة الأهالي وتدهور الأوضاع المعيشية
تنعكس أزمة المياه في العراق سلبًا على حياة الأهالي في الأرياف والمناطق الزراعية. ففي قرى المثنى، أبدى الصياد رسول عباس قلقه من تدهور الأوضاع المعيشية نتيجة انخفاض مستويات المياه. قال لـ (المدى): "نواجه أوضاعًا مأساوية، ونضطر لشراء الماء من السيارات الجوالة، ما أدى إلى تدهور أحوالنا وتدمير مصادر رزقنا". وأوضح أن انخفاض مستوى المياه جعل الصيد شبه مستحيل، حتى السباحة أصبحت صعبة.
وأضاف عباس قائلاً: "المياه أصبحت ملوثة وغير صالحة للاستخدام. إذا استمر هذا الحال لسنة أخرى، فإن الجفاف سيقضي علينا تمامًا، حيث لن نجد ما نشربه أو نقدمه لماشيتنا". وأشار إلى أن المزارعين وصلوا إلى مرحلة اليأس وفقدوا مصدر قوتهم، فيما أدى الجفاف إلى نفوق عدد كبير من المواشي وانتشار الأمراض الحيوانية.
في محافظة ذي قار، وثق الناشط البيئي سجاد محيي بالصور الجفاف الذي يضرب مناطق الإصلاح وسيد الدخيل، مشيرًا إلى أن بعض المناطق مثل قرية النواصر والدخالة والصفافعة تعاني من انعدام تام للمياه. وأوضح محيي أن الأهالي يعيشون على "الدناكر"، وهي مياه قادمة عبر صهاريج، ويحاولون الاعتماد على الآبار المائية. وتساءل عن جدوى المفاوضات الحكومية مع الدول المتشاطئة، معبرًا عن خيبة الأمل من غياب النتائج الفعلية.
واشتكى من الانقطاعات المستمرة للمياه بسبب قِدم محطات المياه ورداءتها. وأشار إلى أن مناطق مثل الفهود، الكرمة والفضلية تعاني من شح وتلوث المياه، ما يضطر الأهالي للاعتماد على المياه التي تصلهم عبر عجلات "الدناكر" أو شراء المياه من المحال التجارية، أو حتى حفر الآبار بتكلفة تصل إلى 100 ألف دينار كل 14 يومًا.
ميسان والديوانية: تحديات مشتركة وآمال ضعيفة
من جانبه، أكد إياد الميالي، عضو لجنة الخدمات في محافظة الديوانية، لـ(المدى)، أن "المحافظة تعد من المناطق الزراعية المهمة في العراق، خاصة في زراعة الحنطة، الشعير ومحصول الشلب المعروف بأصنافه الفاخرة مثل العنبر والياسمين. ومع ذلك، تحتاج المحافظة إلى كميات كبيرة من المياه، خصوصًا خلال موسم الصيف لزراعة الشلب، وكميات أكبر خلال موسم الشتاء".
وأشار الميالي إلى أن "العديد من المساحات الزراعية تعرضت للجفاف والتصحر نتيجة لشح المياه، ما أدى إلى خروج العديد من الأنهار عن الخدمة، خصوصًا في المناطق النائية. وأوضح أن نهر الفرات، الذي يتخلل المحافظة، لم يعد كافيًا لري المساحات الزراعية الشاسعة، فيما يتزايد مستوى الملوحة في شط العطشان، ما جعله غير صالح للاستخدام إلا في ناحية الشنافية".
ورغم التحديات الكبيرة، أشار الميالي إلى أن الوضع في الديوانية أفضل قليلاً هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة، حيث تم زراعة حوالي 50% من المساحات الزراعية الممكنة، وهو ما يعتبر تحسنًا طفيفًا بسبب الاعتماد الكبير على الأمطار التي سقطت خلال الموسم. ومع ذلك، لا تزال المحافظة تعاني من شح المياه، ما أدى إلى تصحر الأراضي وهلاك العديد من الأشجار والبساتين، متسببًا في خسائر كبيرة للمزارعين وحرمانهم من مصادر رزقهم.
أما في ميسان، فقد أكد المهندس الاستشاري ماجد الساعدي، مدير زراعة ميسان، أن الجفاف يشكل تحديًا كبيرًا في المحافظة، خاصة في المناطق القريبة من الأهوار مثل جزيرة سيد أحمد الرفاعي ومنطقة البغيلات. وأوضح الساعدي أن أكثر من 900 ألف دونم من الأراضي الزراعية تضررت بشدة، ما دفع العديد من أهالي هذه المناطق إلى الهجرة.
وأضاف الساعدي، لـ(المدى)، أن "الزراعة في هذه المناطق انعدمت تمامًا، حيث كانت في السابق مناطق خصبة ومصدرًا رئيسيًا للإنتاج الزراعي". وأشار إلى "تراجع حاد في معدلات الإنتاج الزراعي التي وصلت إلى الصفر تقريبًا، رغم المناشدات المستمرة لإيجاد حلول خاصة للأنهار المشتركة مع محافظة الناصرية".
ودعا الساعدي إلى "ضرورة تدخل الجهات المختصة لإيجاد حلول جذرية للأزمة المائية التي تهدد مستقبل الزراعة في ميسان وتزيد من معاناة المزارعين والأهالي في تلك المناطق".
ووفقًا للخبير البيئي أحمد صالح نعمة، تعد محافظة ميسان من أكثر المحافظات تضررًا بسبب اتساع شبكتها المائية والإروائية، حيث فقدت أهوارها مياهها بالكامل بنسبة 100% في عامي 2021 و2023، وعادت لتجف مرة أخرى في 2024. وأشار نعمة في حديثه لـ (المدى) إلى أن "الموجة الأخيرة من المياه التي تم إطلاقها ليست كافية، حيث تغطي أقل من 10% من مساحة الأهوار".
وأضاف أن "الاتفاقية العراقية التركية من المتوقع أن تشهد تنفيذ الدفعة الأولى من المياه خلال هذا الشهر، لكن هذا التدفق قد لا يصل في الوقت المناسب للمحافظات الجنوبية، ما يضع العراق أمام أزمة حقيقية تتعلق بتدهور الخزين المائي والاعتماد المتزايد على هذه الاتفاقية".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

مقالات ذات صلة

التعداد: تغيير متوقع بتمثيل المحافظات.. ورواتب البرلمان سترتفع إلى نحو 50 ملياراً سنوياً
سياسية

التعداد: تغيير متوقع بتمثيل المحافظات.. ورواتب البرلمان سترتفع إلى نحو 50 ملياراً سنوياً

بغداد/ تميم الحسن قد يفجر التعداد السكاني ازمة في العراق، بسبب تغييرات متوقعة في "حجوم السكان" في بعض المحافظات.وستدفع هذه المتغيرات الى استبدال اولويات التشريعات القانونية، كما يمكن ان تحقق طفرة في عدد أعضاء...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram