بغداد / علي الحمداني
في مناطق محافظة ذي قار، وتحديداً في مدينة الناصرية، توجد ما يعرف بـ«تلال المخطئات»، وهي مناطق معزولة تحيط بها المياه ويقطن بالقرب منها سكان القرى.
هذه التلال، التي يطلق عليها اسم «الإيشان» بين السكان المحليين، تُعد شاهدًا على جرائم عنف مجتمعي خطير، حيث يتم دفن النساء اللواتي يُقتلن تحت ذريعة «غسل العار» بعيدًا عن الأنظار.
في الماضي، كانت هذه التلال تستخدم كمدافن للأطفال حديثي الولادة، إلا أنها تحولت مع مرور الزمن إلى مدافن للنساء اللواتي يُقتلن تحت ذريعة «غسل العار»، وذلك بسبب بعدها عن الأنظار. ويعتقد مرتكبو هذه الجرائم أن النساء اللواتي يُقتلن بهذه التهمة لا يستحقن أن يُدفنَّ في مقبرة وادي السلام التي يُدفن فيها عادةً سكان هذه المناطق.
نور تروي قصة شقيقتها
تقول نور، في حديث لـ(المدى)، إنها فقدت شقيقتها مريم، التي كانت تبلغ من العمر 18 عاماً، بحجة «غسل العار». مريم قُتلت على يد شقيقها الأكبر الذي يكبرها بعامين. تروي نور أن شقيقتها مريم كانت تعيش قصة حب مع شاب من منطقتهم، ووعدها هذا الشاب بالزواج، وكانت تتواصل معه بسرية عبر الهاتف المحمول خوفاً من اكتشاف العائلة.
وفي يوم من الأيام، اكتشف شقيقها هذا التواصل، فهرع حاملاً سلاحه وأطلق النار عليها حتى فارقت الحياة. وتوضح نور أن مريم لم يُقم لها عزاء أو مراسيم دفن، لأنها في نظرهم كانت «زانية»، وذلك وفق الأعراف المتداولة في هذه المناطق. أُخذت جثة مريم ودُفنت في «تلال المخطئات» التي تقع في محافظة ذي قار. ليس لها قبر يُذكر أو تاريخ وفاة مسجل، تاركة خلفها ذكريات مؤلمة وبعض الحلي.
رأي المرجعية الدينية
في تعليق حول هذه الممارسات، أوضح الشيخ محمد خليل السنجري، وكيل المرجعية الدينية الشيعية في بغداد، لـ(المدى) أن “القتل ليس حكماً شرعياً للمرأة الزانية”. واستند السنجري إلى قول الله تعالى: «الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة»، موضحاً أن الحكم الشرعي يتم من قبل الحاكم أو الإمام، وليس بيد الأفراد. وأشار إلى أن المرأة غير المتزوجة تُجلد فقط، بينما المرأة المتزوجة تُرجم وفق الشريعة، لكن بشرط أن يكون الحكم صادراً عن الحاكم الشرعي.
وأكد السنجري أن هذه الأفعال، مثل قتل النساء تحت ذريعة «غسل العار»، تعد جرائم جنائية يُفترض أن يعاقب عليها القانون، ويجب عدم تبريرها بأي شكل من الأشكال.
موقف علم الاجتماع
وفي حديث لـ(المدى)، أكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد، لاهاي عبد الحسين، أن قتل النساء بذريعة «غسل العار» جريمة جنائية ويجب معاقبة مرتكبيها وفق القانون. وتساءل عن كيفية أن يقوم شخص بالاعتداء على من حملته وربته واعتنى به في طفولته.
وأشار عبد الحسين إلى أن هذه المجتمعات تستهين بالنساء وتتعامل معهن كأنهن أدنى من الرجال في القيمة والحقوق. وأضاف أن التجبر على النساء، سواء بالضرب أو القتل أو حتى الإهانة اللفظية، هو تعبير عن الاستهانة بالقيم الإنسانية والقانونية والدينية.