ترجمة: سعد هاديلم يعد لدى "كلينت إيستوود" بعد ان بلغ الثمانين ما يبرهنه، ان العقد الأخير من سنوات احتراف هذا الذي ظل نحيفا، رشيق الحركة والتي بلغت55 سنة، قد منحه الاعتراف الأفضل: الأوسكار عن اخراجه وانتاجه فيلم "طفلة المليون دولار 2004" وخمسة ترشيحات أخرى عن الفيلم ذاته وعن فيلمين آخرين هما: "النهر الغامض 2003" و"رسائل من أيو جيما 2006"،
... ويبدو ان أقرانه في أكاديمية الفنون السينمائية قد شعروا انهم يدينون له بالتقدير عن كل السنوات التي تجاهلوا فيها تمثيله أدوار البطل الرمادي في أفلام الويسترن التي أخرجها سيرجيو ليوني أو في سلسلة أفلام هاري القذر (مثل ايستوود فيلماً بهذا العنوان أخرجه دون سيغيل 1971)، وايضاً عن السنوات قليلة التأثير التي قضاها خلف الكاميرا مخرجاً: كان أول فيلم أخرجه إيستوود هو: play misty for me وكان ذلك سنة1971، بينما فاز فيلمه(غير المتسامح) وهو الفيلم المتميز الذي يحتل المرتبة الـــ 16 بين الأفلام التي أخرجها بأربع جوائز أوسكار من ضمنها الإخراج، وقيل في حينها أن الاكاديمية قد رشحته لأنها أرادت أن تكافئ إيستوود عن أي شيء.لقد تراكمت الساعات الذهبية التكريمية ولكن الكاوبوي العجوز يرفض الرضوخ، ظل إيستوود بعناد ينتج بمعدل فيلم واحد في كل عام منذ أن بلغ الخامسة والستين، وكان عليه ان يؤكد الشكوك في ان اسلوبه في صنع الأفلام لا صلة له بالاساليب المعاصرة في هوليوود، لقد قال ما يؤكد ذلك عند تقديم فيلمه الأخير: الآخرة Hereafter خلال مهرجان تورنتو السينمائي في أيلول/سبتمبر الماضي: "في جيل MTV الذي نعيش فيه( ويقصد ايستوود الجيل الذي يغرم بالأغاني الخفيفة الراقصة)، لا يزال هناك شيء اريد الاحاطة به، نحن في حقيقة الأمر نقدم القصص ونتعرف على الناس ونتعرف على تفاصيل قليلة اضافية عنهم، بالاضافة الى اللعب على القاسم المشترك أو على اتساع نقص الاهتمام الذي يشعر البشر انه هو السائد الآن". وقد قال إيستوود ذلك ضمنياً ردا على ما تردد من "ان فيلمه بطيء".فيلم "الآخرة" يبدأ بمشهد من اكثر المشاهد إثارة واتقانا للطوفان في تاريخ السينما، تسونامي يضرب شاطئاً آسيوياً ويتقدم باتجاه إحدى المدن ويتسبب ذلك في إغراق المئات، وتوشك ماري "الممثلة سيسيل دي فرانس" وهي صحفية فرنسية في اجازة، على الموت، ولكن القوة التخيلية والإبهار لتلك السلسلة من الصور لا تساوي شيئاً تقريباً امام الافكار التأملية، وفصول الحكاية المتشابكة التي ستلي ذلك. إيستوود هو الأقل حزماً بين المخرجين الكبار، انه يلتقط السيناريو الذي يعجبه، وبدلاً من العبث به يقوم بتصويره أفضل مما كان عليه كنص مكتوب، وذلك يفسر الى حد ما لماذا يحبه كتاب السيناريو، نص "الآخرة" كتبه بيتر مورغان وقد قام هذا الكاتب من قبل في عدد من الأعمال المشهورة بتشريح العائلة البريطانية المالكة: )الملكة2006، فتاة بولين الأخرى2008، وهنري الثامن الذي قدم من خلال التلفزيون( وتشريح الرئاسة الامريكية: (فوستر/ نيكسون 2006) كما قدم فيلما عن طاغية افريقي:( آخر ملوك اسكوتلندا 2006)، ولكن الشخصيات الثلاث الأساسية في فيلم "الآخرة" لا تحمل صفة كبيرة تميزها، إنهم أناس عاديون غير ان لهم قدرات استثنائية ورؤى مذهلة: ماري التي تفقد قدرتها على التركيز في عملها بعد أصابتها ، تطلب اجازة لتكتب كتاباً عن تجربة اقترابها من الموت، جورج (مات دامون) وهو محضر ارواح في سان فرانسيسكو، لديه براعة حقيقية في ايجاد صلات للناس باقاربهم الموتى، ولكنه يشعر بالعجز بسبب عبء موهبته فيقرر ان يترك مدينته، اما في لندن فهناك توأم في الحادية عشرة جاكوب وماركوس(فرانكي وجورج مكلارين) كانا ثنائياً متلازما بشكل مخيف، وعندما قتل جاكوب في سيارة مندفعة لم يعد لدى ماركوس سوى رماد جثة اخيه الميت وقبعة بمثابة تذكار يتخيل انها تتكلم معه.لقد صرح مورغان وإيستوود انهما لم يركزا تماماً على موضوع ما بعد الحياة، لقد ارادا ببساطة ان يرويا قصة تكشف عن بعض الاحتمالات، وللتذكير فإن فيلم "بعث الموتى" الذي انتج عام 1980 والذي تعود فيه ايلين بورستاين الى الحياة بعد ان تكون على حافة الموت بقوى علاج غامضة، صور تلك اللعبة الدرامية باسلوب لطيف. وفيما تلا ذلك الفيلم فإن اية دراما جادة في الموضوع ذاته ستخاطر في ان تقسم مشاهديها بين مصدق وساخر، ان ذلك يشبه تلك اللحظة الشهيرة في فيلم الرعب "القطة السوداء" 1934: عندما يشير دافيد مانرز الى تصريح بيلا لويس بإعتباره هراءً معجزاً فيرد بيلا: معجز.. ربما، هراء..ربما لا. بالنسبة للمشاهد الحيادي فإن فيلم "الآخرة" قد يكون بطيئاً في تطوره وخصوصاً في جزئه الأوسط، حيث كان على إيستوود ان يقتطع نصف ساعة ولكن ما كان يجعل المشاهدة مثيرة إمكانية "مات دامون" الخارقة على التمثيل والتي لا نظير لها. ذلك الجزء الطويل كان مجرد تمهيد للذروة عندما تلتقي اقدار ماري وجورج وماركوس معاً، إن وصول الاحداث الى ذلك المفترق المصيري ربما سيجعلك تبكي،أو ربما كلا، إذ ربما سيؤدي الفيلم ببعض المشاهدين الى الامتعاض مثلما سيوفر لذة الفوز لآخرين، وفي الأقل فإن الرافضين سيقنعهم ان هناك وعدا
كلينت إيستوود..إلى أين سنذهب من هنا؟
نشر في: 12 يناير, 2011: 06:28 م