متابعة/ المدى
تتقلب أوضاع العراق بين الحين والآخر مع تقلبات أسعار النفط العالمية الذي يشكل حوالي 90% من إيرادات الدولة و95% من الصادرات، إذ أن هذا الاعتماد الضخم على النفط يفترض بالعراق أن يبحث عن حلول لتجاوز تلك الأزمات وتنويع اقتصاده.
ووضعت الموازنة الحكومية سعر نفط على 70 دولاراً للبرميل في عام 2024، أي أقل بنحو 6 دولارات من متوسط السعر المحتمل هذا العام.
ويكشف المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، عن أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض إليها البلدان المصدرة للنفط لمظاهر هبوط دورة الأصول النفطية؛ وهي عادة نمط من الدورات التي تصيب أسواق سلع الخام في السوق العالمية، وهي دورة في الغالب عند الهبوط الأقصى ليست طويلة الأجل، إذ أن نقطة الانخفاض القصوى فيها تستمر لفترة محدودة بعد أن تختفي مظاهر التخمة النفطية في سوق العرض.
وأكد، بأن هبوط دورة الأصول النفطية يتسبب في الغالب بـ"انسحاب او توقف الانتاج في الآبار والحقول النفطية الحدية العالية التكاليف في نطاق الاستخراج، وتحديدا الحقول النفطية في شمال القارة الامريكية المسماة بحقول النفط الصخري وحصول خسائر استثمارية كبيرة".
إذ أن أي هبوط في أسعار النفط، والكلام للمستشار الحكومي، دون مستوى التكاليف يعرضها إلى "خسائر استثمارية جسيمة، فضلاً عن هبوط الاحتياطيات الاستراتيجية للنفط الخام"، مع ملاحظة أنّ الولايات المتحدة ما زالت تعد أكبر منتجاً للنفط في العالم وبنحو يبلغ قرابة 15 مليون برميل نفط يومياً، وأن احتياجاتها الاستهلاكية اليومية مع زيادة مخزوناتها قد يتعدى 21 مليون برميل نفط يومياً، ما يجبرها على الاستيراد النفطي لا محالة، على حد قول صالح. أما عن الاقتصاد العراقي، يكشف صالح أنه يمتلك مرونات التكيف الاقتصادي لهكذا دورات في قاعدة الأصول النفطية ولاسيما انعكاساتها المالية، إذ تشكل الإيرادات النفطية قرابة "90% من إجمالي ايرادات الموازنة العامة السنوية".
ويقول إن الموازنة "تتمتع بمرونة عالية في تخطيط عجز افتراضي سنوي في الموازنة العامة تحسباً وتحوطاً من حصول دورات الأصول النفطية وتقلبات عائدات النفط".
وفي حال استمرار هبوط اسعار النفط، يؤكد صالح: "تتخذ السياسة المالية حزمة إجراءات لفرض انضباط مالي عالي على بعض النفقات العامة غير الملحة، فضلاً عن "الاقتراض من السوق المالية الداخلية بالحدود الدنيا المرسومة لسد أي حالة عجز مؤقت في الإيرادات وهو ما يسمى بالاقتراض الجسري القصير الأجل".
وبناء على ذلك وفي ضوء الاحتياطيات الكبيرة بالعملة الأجنبية للبلاد، كما يقول صالح، ويضيف "فالسياسة المالية وبالتعاون مع السياسية النقدية سيدعم الرافعة المالية للموازنة العامة على وفق المقتضيات الضرورية اللازمة لاستدامة التنمية والاستقرار الاقتصادي".
في المقابل، يشير أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، إلى أن الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط، حيث يمثل القطاع النفطي حوالي 90% من الإيرادات الحكومية و95% من الصادرات.
هذا الاعتماد المفرط يقوله السعدي حوله أنه "يجعل العراق عرضة للتقلبات في أسعار النفط العالمية، كما هو الحال الآن مع انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل"، معتبراً هذا الانخفاض يؤدي إلى "تحديات مالية كبيرة، خاصة أن ميزانية العراق لعام 2024 تم تحديدها على أساس سعر برميل النفط بحدود 70 دولارًا، وبالتالي فإن أي تراجع في الأسعار يخلق فجوة مالية قد تؤثر بشكل كبير على الإنفاق الحكومي".
وبحسب السعدي، فإن الميزانية التشغيلية، التي تشمل الإنفاق على الخدمات والبضائع، قد تكون "الأكثر تضرراً نتيجة لانخفاض الإيرادات النفطية في ظل هذا الوضع"، مرجحاً أن "تواجه الحكومة تأخيراً أو إلغاءً لبعض المشاريع الاستثمارية الهامة، وهو ما قد يؤدي إلى تباطؤ التنمية الاقتصادية".
وأكد أن "دفع الرواتب لموظفي القطاع العام يعد أولوية قصوى للحكومة العراقية، حيث يشكل الاستقرار الاجتماعي عاملًا حاسمًا في هذه المرحلة، ومع ذلك فإن الاعتماد المستمر على النفط لدفع الرواتب لا يمكن أن يستمر إلى الأبد دون إعادة النظر في هيكل الإيرادات".
وتابع "لذا أصبح العراق بحاجة ملحة إلى تنويع اقتصاده والحد من الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات"، مبينا أنه "يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز القطاعات غير النفطية مثل الزراعة، الصناعة، السياحة، والنقل، بالإضافة إلى تحسين النظام الضريبي وتقليل التهرب الضريبي الذي يمثل خسائر كبيرة في الإيرادات الحكومية".
واعتبر السعدي انه مثل هذه الإصلاحات الهيكلية يمكن أن "تساهم في تعزيز استقرار الاقتصاد العراقي وتقليل تعرضه للتقلبات في السوق النفطية العالمية".
ورأى أن التقلبات في أسعار النفط هي "مشكلة طويلة الأمد، ولا يمكن الاعتماد على الاحتياطيات المالية وحدها لحل هذه المشكلة"، معتقداً بأن العراق بحاجة إلى "ستراتيجية مستدامة لتنويع مصادر دخله وتحقيق توازن بين الإيرادات النفطية وغير النفطية لضمان استقراره الاقتصادي في المستقبل".