المدى – تبارك المجيد
تتمتع أرض العراق بتنوع ثري من المواقع الأثرية التي تعكس حضارات عريقة، لكنها لا تزال تخفي أسراراً تنتظر من يكشفها. وعلى الرغم من اكتشاف العديد من هذه المواقع، يبقى الكثير منها غير معروف للعالم. في هذا الإطار، تسعى وزارة الثقافة العراقية إلى إدراج المزيد من هذه المواقع في لائحة التراث العالمي لليونسكو. ومع ذلك، يشير المراقبون إلى وجود تحديات كبيرة تعترض هذه الخطوة، أبرزها المحاصصة السياسية التي قد تعيق جهود الحماية والترويج لهذا التراث الثمين، حيث تخضع بعض الآثار لسيطرة عصابات مسلحة.
أعلن وزير الثقافة والسياحة والآثار، أحمد فكاك البدراني، عن ترشيح عدد من المناطق الجديدة لإدراجها على قائمة التراث العالمي. وأوضح أن «عدد المواقع الأثرية التي تم اكتشافها هذا العام كبير جداً»، مشيراً إلى وجود نحو 40 بعثة تنقيبية تعمل حالياً. وأضاف الوزير أن «نينوى الآشورية ومناطق أخرى تم ترشيحها للإضافة إلى قائمة التراث العالمي»، مؤكداً استمرار العمل في ترميم الآثار المدمرة في مدينة الموصل.
وفي إطار خطط الوزارة، تم تحديد 15 ألف موقع أثري في عموم مناطق العراق، مع تأكيد مواصلة العمل على تأهيل القصور الثقافية والمواقع التراثية في البلاد. تُعد مواقع التراث العالمي معالم طبيعية أو ثقافية تُرشّحها لجنة التراث العالمي في اليونسكو لإدراجها ضمن برنامج مواقع التراث العالمي. قد تشمل هذه المواقع غابات، جبال، بنايات تاريخية، أو مدناً، ويعتمد الاختيار على عشرة معايير، ستة منها ثقافية وأربعة طبيعية. في بعض الأحيان، يمكن أن يجمع الموقع بين المعايير الثقافية والطبيعية معاً. وبموجب معاهدة مواقع التراث العالمي، يحق لأي دولة عضو في اليونسكو ترشيح مواقعها الطبيعية والثقافية لإدراجها في القائمة. ويتم التصويت على ذلك من قبل لجنة التراث العالمي، بشرط استيفاء الموقع لواحد على الأقل من المعايير المحددة.
التحديات
في حديثه مع (المدى)، استعرض الباحث في الآثار والتراث، حسن الشكرجي، التحديات التي تواجه مسألة تسجيل المواقع الأثرية العراقية ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو. وأشار الشكرجي إلى أن «الوضع العام غير المستقر في العراق والمنطقة يُعقّد عملية تسجيل هذه المواقع المهمة، مثل بابل، مدينة أور الأثرية، ومدينة سامراء، التي تسعى الحكومة العراقية لتسجيلها نظراً لأدوارها الحضارية المهمة التي تعكس تنوع المجتمع العراقي وتاريخه العريق».
وأكد الشكرجي أن «الأزمات السياسية الإقليمية تؤثر بشكل مباشر على حماية وتأمين هذه المواقع، وهو ما يمثل أحد أبرز العقبات أمام جهود الحكومة العراقية». وأوضح أن «وزارة الثقافة والسياحة والآثار، رغم جهودها الكبيرة، تعاني من نقص الموارد اللازمة لحماية هذه المواقع، سواء على مستوى الموارد البشرية أو المالية. هذا النقص يؤدي إلى عدم وجود حراسات أو تدابير أمنية كافية، مما يعرض المواقع الأثرية لخطر النهب والتلف».
كما قدم الشكرجي مقترحات لدعم حماية هذه المواقع، أبرزها تشكيل لجان متخصصة، ووضع برنامج علمي وفني شامل لحماية الآثار، بالإضافة إلى إنشاء فرق ميدانية لمسح وتحديد المواقع الأثرية وتوفير حراسات مدنية بالتعاون مع شرطة الآثار. وشدد الشكرجي على أهمية التعاون بين العراق والمنظمات الدولية، وعلى رأسها اليونسكو، لضمان حماية التراث الأثري العراقي وتعزيز الجهود الدولية للحفاظ عليه.
تعد مملكة الحضر أول موقع أثري عراقي أُدرج ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو، وذلك خلال الدورة التاسعة للجنة التراث العالمي التي انعقدت في باريس عام 1985. تلا ذلك إدراج مدينة آشور (القلعة الشرقية) في عام 2003 كالموقع الثاني، ثم مدينة سامراء الأثرية في عام 2007. في عام 2014، أُدرجت قلعة أربيل، وفي عام 2016 أضيفت أهوار جنوب العراق كخامس موقع عراقي في القائمة، وهي ذات طبيعة مختلطة تجمع بين الأهمية الطبيعية والثقافية.
غياب الكفاءة
يقول ثابت محمد، المهتم بالآثار، إن «العراق انضم إلى معاهدة مواقع التراث العالمي في 1974، مما أهّله لإدراج مواقعه الأثرية ضمن القائمة. وبحلول عام 2019، بلغ عدد المواقع العراقية المصنفة كتراث عالمي ستة مواقع، تعكس التاريخ العريق والتنوع الثقافي والطبيعي في البلاد».
وبالحديث عن أهمية إدراج المواقع الأثرية العراقية ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو، أوضح لـ (المدى) أن هذا «يعكس رغبة العراقيين في الحفاظ على تراثهم الثقافي والتاريخي». غير أنه عبّر عن استيائه من الإهمال الحكومي الواضح تجاه الآثار في البلاد، وغياب استراتيجيات فعالة من قبل الحكومة ووزارة الثقافة والآثار للحفاظ على هذا التراث.
وأشار إلى حادثة صبغ المنارة السلجوقية باللون الأبيض، التي تُعد من أهم المعالم الأثرية في العراق، والتي تعرضت لتدخل غير مدروس أضر بها. ووصف الحادثة بأنها دليل على عدم كفاءة الجهات المسؤولة في الحفاظ على ديمومة الآثار ومعالجتها بطرق علمية سليمة.
وأضاف محمد أن العراق، بحضارته العريقة، يحتاج إلى جهود مضاعفة لحماية تراثه الذي يُعتبر مصدر فخر للعالم. وشدد على دعمه لأي جهود تهدف إلى حماية الإرث الثقافي العراقي، مذكراً بأن العراق هو مهد الحضارة الإنسانية وأول من علم الكتابة للعالم.
وفي سياق آخر، انتقد محمد التأثير السلبي للمحاصصة السياسية على وزارة الثقافة والآثار، مشيراً إلى أن هذا النظام أدى إلى تفاقم التحديات المتعلقة بالتنقيب عن الآثار وزيادة عمليات تهريبها، نتيجة الإهمال الحكومي وعدم التنسيق الفعال لحمايتها.
من جانبه، ذكر مدير مفتشية الآثار والتراث في محافظة النجف، أحمد علي، أن هناك مساعي لإدراج بعض المواقع الأثرية في المحافظة ضمن لائحة التراث العالمي. وقال لـ (المدى) إن «الهيئة العامة للآثار والتراث على وشك الإعلان عن إدراج درب زبيدة ضمن لائحة التراث العالمي، كما هناك تعاون دولي مع الدول المشتركة في الشأن».
ويعد درب زبيدة أحد أهم طرق الحج التاريخية في الجزيرة العربية، الذي سلكته القوافل التجارية قديماً، والتقت فيه مختلف الحضارات، وشهد مرحلة من التبادل الثقافي والمعرفي بين مختلف الأعراق.