السليمانية / سوزان طاهر
تثير قضية التطرف الديني في كردستان الكثير من الاهتمام والجدل، خاصة أن الإقليم يقدم نفسه بوصفه المنطقة الأكثر انفتاحاً وتعددية في العراق، وملجأ لكل الهاربين من الصراعات الدينية والعرقية والطائفية.
وعُرف عن المجتمع الكردي الانفتاح والابتعاد عن التطرف، حيث خطا إقليم كردستان خطواتٍ عديدة نحو الحكم المدني واحترام الحريات الفردية والتنوع الديني. وحتى سنوات قريبة، كان غالبية الكرد يمثلون الإسلام الصوفي، لكن في السنوات الأخيرة لوحظ انتشار الخطاب الديني المتطرف والتيارات المتشددة، وسط تحذيرات من تنامي هذا الخطاب ودعوات للتشديد، خوفاً من تأثيراته على المجتمع بشكل عام.
وتعيش في مدن كردستان العديد من الأديان والطوائف، مثل البهائية والزرداشتية، ويمارس معتنقوها حياتهم وطقوسهم الدينية بحرية تامة.
تأثيرات المنطقة
أكد الكاتب والباحث في الشأن السياسي، آرام حاجي محمد، في حديثه لـ (المدى) أن «انتشار الخطاب الديني المتطرف في كردستان يعود للأوضاع المضطربة التي تشهدها دول المنطقة». وبين أن «المجتمع الكردي هو في غالبيته مجتمع مسلم، لكنه في ذات الوقت معتدل ووسطي، ولا يمارس التطرف، لكن في السنوات الأخيرة ومع تمدد التيارات الإسلامية، ومنها تيار الإخوان المسلمين في المنطقة، فقد زادت أسلمة المجتمع الكردي».
وأضاف أن «بعض الأحزاب تحاول التقرب من التيارات الإسلامية لغرض كسب ودها في الانتخابات، كون تلك الأحزاب لديها جمهور، وهؤلاء يشكلون أصواتاً انتخابية يريدون كسبها». لذلك، يقدمون كل التسهيلات لهذا التيار الديني، ونرى اليوم في السليمانية وباقي مدن كردستان انتشار المئات من المساجد السلفية، وهذه المساجد يرتادها المئات من الشباب وتقام فيها الدورات الدينية، وهؤلاء باتوا يشكلون رقماً صعباً في مدن الإقليم».
انتشار التيار السلفي
في الفترة الأخيرة، لوحظ انتشار التيار السلفي والمساجد الخاصة والمدارس التعليمية بين الشباب بصورة لافتة للنظر في السليمانية وعموم مدن إقليم كردستان، رغم أن سلطات الإقليم وأحزابه الرئيسية هي «علمانية».
وتقول الناشطة الكردية، إيفين مصطفى، إن نمو الخطاب الديني المتطرف هو «خطوة للوراء في إقليم كردستان». فنرى اليوم انتشاراً للخطابات المتشددة والقنوات والمؤسسات الإعلامية التي تبث التطرف دون حسيب أو رقيب.
وأشارت في حديثها لـ (المدى) إلى أن «دور وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة إقليم كردستان ضعيف جداً، ويجب أن يكون لها دور أقوى في مواجهة الخطاب الديني المتطرف، والرقابة على أداء المساجد والدورات الدينية». كما لفتت إلى أن «ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي وأيضاً في المؤسسات الإعلامية من خطاب ديني تحريضي على الأديان والطوائف الأخرى، وعلى المرأة، يجب أن يواجه بإجراءات رادعة من قبل حكومة الإقليم، وإلا فإن هذا الأمر سيتنامى وسيزداد، ولن تستطيع الحكومة السيطرة عليه».
وتابعت: «هنالك محاربة للمرأة وتحريض على النساء بحجة عدم الالتزام بالحجاب، وهذا الأمر لم يعهده المجتمع الكردي من قبل. طالما عرف عن الكرد الانفتاح واحترام حريات الآخرين، لكن في السنوات الأخيرة تغير الأمر، وبتنا نسمع دعوات لضرورة ارتداء الحجاب لطالبات المرحلة الابتدائية وفرضه على النساء».
فرض الرقابة
إلى ذلك، حذر الأكاديمي في جامعة السليمانية، حكيم عبد الكريم، من تنامي الخطاب الديني المتطرف وتأثيره على حياة الناس بشكل عام في إقليم كردستان.
ولفت خلال حديثه لـ (المدى) إلى أن «انتشار الخطاب الديني المتطرف، وانتشار المساجد والمؤسسات الإعلامية التي تبث التشدد وتحاول نشره بين الأطفال والشباب، ينذر بكارثة كبيرة». وأضاف أن «الكرد مجتمع مسلم، ولكن كان يمارس الإسلام الوسطي والطقوس الدينية، أما الأفكار السائدة حالياً فهي أفكار مستوردة يحاول التيار الديني فرضها على المجتمع».
وأوضح أن «المطلوب من حكومة الإقليم، وتحديداً الجهات المختصة مثل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ووزارة الثقافة والأجهزة الأمنية، فرض الرقابة على الخطاب المتطرف ومحاربته ومنعه من أن يتمدد داخل الإقليم». ونوه إلى أن «حوادث كثيرة حصل فيها تحريض على المكونات والأديان الأخرى، أو على نساء أو ناشطين، وهذا يشير إلى وجود مشكلة كبيرة في منطقة كانت ملاذاً للفارين من التضييق على الحريات والتحريض».
وختم بالقول: «يجب أن تخطو حكومة الإقليم خطوات جادة للحفاظ على سمعة الإقليم، وعدم التجاوز على الحريات العامة للمواطن».
تحذير من تنامي الخطاب الديني المتطرف في كردستان
نشر في: 24 سبتمبر, 2024: 12:10 ص