محمد علي الحيدري
كشفت التصريحات الأخيرة التي صدرت عن الجانبين العراقي والأميركي بخصوص إنهاء مهمة القوات الأميركية في العراق عن تضارب واضح في فهم نتائج الحوارات التي أجرتها اللجنة العسكرية العليا التي تبحث هذا الملف.
ففيما نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية مقالا لفتت فيه إلى أن الطرفين توصلا مبدئيا لاتفاق "انسحاب يتبنى احتمال بقاء قوة صغيرة من القوات الأميركية في العراق الى أجل غير مسمى"، اعتبرت صحيفة واشنطن بوست أن العراق "يروّج" لاتفاق مع الولايات المتحدة يقضي بسحب معظم القوات الأميركية بحلول عام ٢٠٢٦.
ومن الواضح أن الإدارة الأميركية تضع في اعتبارها محدداتٍ لموقفها تختلف في كثير من التفاصيل عن المحددات التي يضعها العراق في بناء موقفه التفاوضي.
وفضلا عن المحدد الرئيس الذي تأخذه واشنطن في الحسبان، وهو مواجهة وصد النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة وتقليم أظافر الجماعات المسلحة التي تعتبرها الولايات المتحدة " أذرعاً " لإيران، فإن الإدارة الأميركية تضع قضايا ثلاثاً تثير قلقها من إمكانية حصول خروقات تطيح بأمن واستقرار العراق وتبدد الجهود التي بذلت من أجل استقراره.
أولى هذه القضايا "التهديد المستمر" الذي تشكله خلايا تنظيم داعش على العراق وهو ما أكدته السفيرة الأميركية في بغداد "إلينا رومانوسكي" التي نشرت تغريدة علي موقع إكس قالت فيها إن تهديدات أمن العراق وسيادته واستقراره "لا تزال قائمة"، وهو موقف يكاد يتفق عليه سياسيو الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بمعنى أنه موقف لن تغيره نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتعدّ حماية الوجود العسكري الأميركي في سوريا، ثاني هذه القضايا فواشنطن تعتقد أن وجودا عسكريا وأمنيا فاعلا لها في العراق يمكن أن يؤمّن مدىً مهماً من تفصيلات حماية هذا الوجود في سوريا وتعتبر أن انسحابا غير مدروس لها من العراق يمكن أن يعرض قواتها في سوريا إلى الخطر، مع لحاظ تنوع التهديدات الأمنية التي يمكن أن تتعرض لها جراء تنوع القوى المؤثرة في مسار الاحداث وتطوراتها في سوريا.
والقضية الثالثة التي تهتم بها الإدارة الأميركية تتعلق بوضع إقليم كردستان العراق وأهمية الحفاظ على المكتسبات التي تحققت للكرد خلال السنوات التي أعقبت إسقاط نظام صدام حسين. وهذه الإدارة التي ترتبط بعلاقات "استراتيجية" أمنية وسياسية وعسكرية مع الإقليم، ربما تتفوق في بعض صفحاتها على علاقاتها مع بغداد، تشعر أن من واجبها التحالفي مع الكرد أن تضع في حساباتها المخاوف والهواجس بل و"المطالب" التي ينقلها الإقليم الى واشنطن التي ربما تمتلك بدورها تصوراً لمستقبل علاقاتها مع أربيل يستحق كل ذلك. ولعل من هذا الباب كانت الرغبة الأميركية بان يكون للكرد تمثيل حقيقي ومسموع في اللجنة العسكرية العليا التي تبحث ملف إنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق ولعل من هذا الباب أيضا يأتي الاستعداد الأميركي لعقد اتفاقيات تسليح لقوات البيشمركه الكردية.
إلى ذلك كله، يشعر الأميركيون أن قرار مجلس النواب العراقي الذي تبنى مطالبة الحكومة الاتحادية العراقية بإخراج القوات الأميركية من العراق لم يحظ بإجماع نيابي وطني لأن الكرد لم يصوتوا على القرار كما أن كتلاً سنية تخشى من النفوذ الإيراني لم تصوت له أيضا ما دفع المراقب الأميركي لاعتبار أن القرار ُرحّل إقليميا وتحديدا من إيران لحلفائها من الشيعة من أجل تمرير القرار وتسجيل نقطة لصالح طهران ضد واشنطن في ساحة صراع أميركي ـ إيراني هي الساحة العراقية.