ثامر الهيمص
نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير. ولعلنا الدولة الاولى التي ينتابها الفزع صباح كل يوم لأننا لسنا النرويج او باقي الدول المصدرة التي يتقزم فيها الانتاج غير النفطي، كون موازنتنا تشكل الواردات النفطية ما يقارب ال 97%, وهذه الموازنة يعيش اغلب او معظم الشعب عليها وكمحركة للسوق الداخلي, لذلك نسمع شهريا تقريبا ان الرواتب هذا الشهر مؤمنة في ضوء سعر البرميل، الذي احتسبته الموازنة في ضوء السعر 70 دولار للبرميل واخيرا 80 دولار.
فأي تراجع عن السعر اعلاه يعني عجز اضافة للعجز المعلن رسميا في الموازنة التي طال (عرها وجرها) بين السلطتين الشرعية والتنفيذية. كما ان الهشاشة هذه ليست في عالم نفطنا بل ايضا في امننا الغذائي, حيث تطمئننا وزارتا الزراعة والتجارة في الموسم الزراعي وبعده ان القمح في الصوامع كاف لقوت الشعب.
نجم عن ما تقدم وفي ضوئه، فساد يعزز القلق اعلاه من خلال عدم الثقة، التي لا تفرز تجاوبا او تفهما, من قبل المتضررين, سيما المتفاوتين عن زملائهم في ذات الاختصاص, مما يعزز ظنونهم السيئة او في المحمل الحسن. نتيجة سبب يحتوي ويفرز الاسباب المعززة, حيث الموظف صغيرا او كبير بات يستلم امر التنفيذ من الجهة التي ادخلته المجال الرسمي, وليس من جهة دافع الراتب والحوافز وهي الحكومة. وهنا الطامة الكبرى, حيث العلوية في القرار ليس بيد صاحب القرار غالبا, كما نلمس في التقاطعات والتواطئات والتورطات بسرية تامة, لا يخترقها الا اهلها.
(يتم تعيين النموذج الخالص من الموظفين البيروقراطيين من قبل سلطة عليا. فلن يكون اختيارأحد الموظفين من بين المحكومين شكلا بيروقراطيا خالصا. فمجرد امكانية الانتخاب لا تعني بطبيعة الحال انه ليس وراءه من داخل الدولة, وخصوصا عن طريق رؤساء الاحزاب. (ماكس فيبر / الاقتصاد والمجتمع /ترجمة محمد التركي /ص 219/ مركز دراسات الوحدة العربية / 2015 ط اولى). هذه باختصار شديد نتائج وعواقب الاقتصاد الريعي, حيث يسهل الالتفاف على القواعد الديمقراطية في اعلى مستوياتها, ولذلك تطورت الديمقراطيات ذات التعدديات او عكسها لتجعل من سلاح الديمقراطية حدا واحدا في التنمية الستراتيجية, وغير مقتصرة على دوره او دورتين انتخابيتن. ولكن كلا حسب ظرفه الاجتماعي المسيس. مثلا:
(ان لدى امريكا محام واحد لكل 440 نسمة من سكانها، مقارنة مع محام واحد لكل 10 الاف نسمة في اليابان. (جابريل ايه. الموند جي. بنجهام باويل الابن / ص964/ ترجمة هشام عبد الله / 1998 ط اولى /الدار الاهلية للنشر والتوزيع). فالتعددية, بكثرة المحامين تعكس اختلاف ولكن تحت سلطة قانون واحد, ليلتقي الطرفان الامريكي والياباني في الساحة الديمقراطية بسلاسة, كونهما خرجا من الاقتصاد الريعي مسبقا بديناميكية, تجمع بين الصادرات والواردات وفق الاعتبارات الاقتصادية فقط الممكنة سياسيا اجمالا, وليس لاعتبارات التاريخ والجغرافية اولا, فعندما نجد انفسنا نباعد بشكل غير متوازن بين الاستيراد والتصدير كما يجسده عجز الموازنات سنويا, رغم وجود رافد مجاني متسيدا الساحة السياسية وهو النفط, يصبح امر الناتج المحلي ثانويا, اذا ما كانت الكفاءة ثانيا او ثالثا فابن الحزب له العلوية او ابن المنطقة والعشيرة, فا ننا ندمر حاضنة المنتج الوطني, كونه يتيم الاب اذ انه ليس من هم الطائفة او القومية او العشيرة, اي ان رواد الناتج الوطني قد غيبتهم اشتراكية ماقبل 2003 من خلال تدمير الطبقة الوسطى في قانوني الاصلاح الزراعي 1959 -1971 وتأميمات 1964, اضافة لمضاعفات الاستبداد والحصار التسعيني, وهكذ بعد 2003 اذ تسيدت الطبقة الاجتماعية المرتهنة لبرامج سهلة تخدم اطراف كلا حسب سانديه لتتحول الاحوال الى ما نرى رغم مضي اكثر من 20 عام, ولا يلوح في الافق الستراتيجي غير مشروع طريق التنمية, بعد لعنة النفط, حيث تتواصل الخيبات, فالجولات التراخيصية جاءت بتنازلات جديدة و تعديلات اضافية على النموذج الاقتصادي وزيادة نسبة الربحية, وكلها لصالح الشركات النفطية على حساب مصلحة العراق. ليس فقط ان وزارة النفط لم تع الدرس فقط, بل باصرار غريب على ممارسات مكلفة كارثية لا مبرر لها على الاطلاق.؟؟؟ رغم نوايا رئيس الوزراء الحسنة وحكومته مخلصة وطنية ولكن النوايا شيئ والممارسة العملية شيئ اخر. فكثرة توقيع العقود, معظمها مع شركات هزيلة لا يشكل انجازا على الاطلاق. وان الانعدام المتزايد للشفافية ترسخ السرية المقيتة في القطاع النفطي تثير شكوك مشروعة. (احمد موسى جياد/ خبير نفطي / طريق الشعب ليوم 19/ايار 2024). هذا النموذج الغامض الذي يتسلل منه حيتان الفساد, ليصبح عرفا في الغايات والادوات.
فما هي شروط الحاضنة الستراتيجية وادواتنها في ضوء نتائج لا نحسد عليها؟:
(اولا) التحول الرقمي بكل تفاصيله المنتجة من الحدود الى اخر مدرسة طينية بدوام ثلاثي وثنائي.
(ثانيا) اكمال المشاريع المتلكئة وحسم دعاويها بكل شفافية, وتفعيل الضرائب المباشرة وغير المباشرة كمورد ثابت ومنظم للمجتمع من خلال ضريبة الدخل.
(ثالثا) دعم ومساندة مشاريع القطاع العام المنتجة وذات التمويل الذاتي اولا.
(رابعا) التعين في الدولة حسب الكفاءة من الوزير الى الغفير.
هذه كمبادئ عملية اما الادوات ان يكون هناك قوة في القانون تجعل الوزارة مسؤولة عن برنامجها, ويكون للوزير رئيس واحد تقليديا وهكذا الدرجات الخاصة والمستشارين, وتعمل وزارة التخطيط بالتنسيق مع مجلس الوزراء باعداد الموديلات للخطط والمشاريع, لغرض منع تقاطع الوزارة مع الخط العام, لسد ثغرة الفساد والصلاحيات المنفلته ونحن في فترة انتقالية يصعب بها العمل المتقاطع لاعتبارات انتخابية, حيث يتربص الفساد, الذي وصل لحد استخدام اموال الدولة كادات انتخابية.
من خلال غياب المعايير والاعتبارات تلاعب الصبيان وتعملق عملهم كما نسمع ونرى في اطار صمت او خجل رسمي. يتحول لاعراف تتخادم بموجبه السياسة فوق القانون والدستور ومعايير العمل الاصلية. مما قد يكون الخصم حكما.
عمليا علينا ان تكون منتجنا له الاولية في التسويق والتصدير كما هو انتاج الجلود والنسيج والسلاح العراقي والكيمياويات والتمر المنتج محليا. كما ان هذا الانتاج وامثاله من ادوية ومعدات… الخ, ينبغي ان لا تكون مجرد كمبرادورية للجوار او غيرة. لتصبح مجرد وكالات او محطات تعبئة وتغليف.
كل هذا يجب ان تكتنفه سياسة عامة تقلل كلف الدفاع والامن لاحياء مزارعنا الحديثة وصناعتنا في القطاعات العامة والخاصة والمختلطة. وهكذا في السياحة سيما واننا لنا خصوصية في السياحة الدينية بعد السعودية اسلاميا، خصوصا سنباشر بتنفيذ قرابة 40 مشروعا خدميا متنوعا بتكلفة 3 ترليون دينار عراقي للزيارات المليونية في البلاد (جريدة المدى ليوم 26/اب /2024) هذا المشرع يأتي متناغما مع مشروع طريق التنمية, كمشرع يشكل اللبنة الحقيقية للتنمية المستدامه. اما سياسيا علينا لكي نشكل ابعادا حقيقية للواردات غير النفطية هو ان نثبت الثوابت في حسم ملف المياه, وملف الحدود الموحدة كمركيا, ووضع حد لانفلات الاستيراد من خلال وزارة التجارة. بحيث وصل الامر لاستيراد الطرشي, ونحن اهله في النجف والموصل. كل هذا يعود لسياسات الوزارات السيادية التي لا تأبه لاي رادع قانوني او دستوي او على الاقل لا تمضي مع الاتجاه العام للتنمية السياسية في الاستقلال المتكافئ مع الجار وباقي الاقليم, حفظا لتجارتنا المتوازنة وكرامتنا. فالواردات غير النفطية لا زالت ليس لها موقع حقيقي في البرامج الاقتصادية لاحزاب البرلمان, ان كانت لهم برامج تعمل وزاراتهم لتنفيذها، خدمة للواردات غير النفطية كادات وحيدة للتنمية المستدامة, لتوفر عناصرها في الزراعة والصناعة والسياحة..
اذ ليس مقبولا ان تستمر الفجوة بين اعلى راتب واقل راتب في الدولة بثلاثين ضعف. اما القطاع الخاص فحدث ولا حرج من حيث التفاوت الطبقي.
ختاما لايمكن بكل الاحوال ان تكون لدينا خطط خمسية او عشرية في ظل ليبراليات مسيسة وفق مظلوميات تاريخية او معاصرة، لتزدهر فيها التنمية المستدامة من خلال تعظيم الواردات غير النفطية كسند حيوي واساسي لمشوعنا في طريق التنمية.