TOP

جريدة المدى > سينما > كاتلوج سينمائي: (وقفات للتأمل)

كاتلوج سينمائي: (وقفات للتأمل)

نشر في: 26 سبتمبر, 2024: 12:02 ص

فراس الشاروط
وقفة أولى: عبث السلطة
وقفتان، وثالثة روائية لما تعبث بنا السلطة:
في فيلم المخرج (كلود ليلوش) المعروض بأسم (باريس والاخرون) في بداية الفيلم عازف البيانو يعزف في حفل فني، الجمهور الحاضر يقف اجلالا للعازف وعزفه في نهاية الحفل، الرئيس (هتلر) يصعد على خشبة المسرح ويهنيء العازف، يحييه، الصحف تتلاقف الحدث، الكاميرات تصور اللحظة، وهو ما شكل عقدة عند العازف الحالم … انها لحظة دونت للتاريخ ولن تمحى.
في رواية ميلان كونديرا (فالس الوداع) في المشهد الافتتاحي منها يصف الروائي لحظة وقوف الرئيس في شرفته امام الشعب خاطبا فيهم، في تلك اللحظة يتبدل الطقس وتمطر بشدة، فما كان من مرافقه ومساعده الاول سوى ان يضع قلنسوته على رأس الرئيس العارية، وسائل الاعلام تتلاقف هذه اللحظة، تصورها وتنشرها رمزا عن الوفاء والاخلاص، بعد سنوات يتهم المساعد الاول بالخيانة العظمى، اتلفت كل صوره مع الرئيس ومحيت، ولكن بقيت قلنسوته على رأس السيد الرئيس في ذلك اليوم … انها لحظة اخرى دونت للتاريخ وان تمحى.
في منتصف الفيلم الالماني (حياة الآخرين) يتجه "دريمان" إلى البيانو ويبدأ بعزف مقطوعة موسيقية كان "يرسكا" أهداها له، خلال استماع "فيزلر" للمقطوعة الموسيقية يتأثر ويبدأ بالبكاء، ثم يطرح "دريمان" تساؤلًا على "كريستا ماريا" أنه ((هل يمكن لأي شخص سمع هذه الموسيقى، أعني سمعها حقًا، أن يكون شخصًا سيئًا؟))، لكن اللحظة القاسية حين يتعاطف "فيزلر" مع "كريستا ماريا" التي يبتزها وزير الثقافة "هيمف" صاحب النفوذ الكبير، فهو يريد إبعاد حبيبها "دريمان" عن طريقه بأي وسيلة كانت، إذ يدّعي أنه سيضمن لـ"كريستا ماريا" مسيرة مهنية جيدة في مجال الفن، الذي كانت تسيطر عليه الدولة حينها، إضافة إلى تغطيته على إدمانها للحبوب المخدرة. نقطة التحول تتمثل في شخصية "فيزلر"، يعلم "دريمان" بتورط حبيبته مع وزير الثقافة، وتبع ذلك خبر صادم حول انتحار صديقه المقرب والمخرج المسرحي "ألبيرت يرسكا"، الذي وضعته الحكومة على "اللائحة السوداء" ومنعته من ممارسة مهنته لسنوات بسبب آرائه المناهضة، في ذلك المساء يسرع لاستقبال حبيبته عندما ينزل من الشقة لاستقبالها، يراها وهي تنزل من سيارة الوزير، يختبيء خلف الباب مكسورا، قسوة دونت تاريخ وجعنا جميعا
وقفة ثانية: لبازوليني الاسطورة
ثلاثة افلام بازوليني ورابع في انتظاره:
كان بيير باولو بازوليني شاعرا وكاتبا وصحفيا ناقدا وممثلا ومفكرا ماركسيا وفنانا تشكيليا ومخرجا سينمائيا، وأحد القلائل الذي تعذبوا بالفن السينمائي ودفع حياته ثمنا بسبب جرأة أفكاره، فهو لم يكن أبدا على استعداد للمهادنة. لم يكن يعادي الفكر الديني لكنه كان بالقطع ضد المؤسسة الدينية، وكان ليبراليا في نظرته للحريات، لكنه كان ماركسيا في نقده للبورجوازية وفي انحيازه بقوة للبروليتاريا والطبقة الأدنى منها أيضا، شاذا من الناحية الجنسية، وملحدا من الناحية الفكرية، تقول عنه نومي غرين في كتابها (في الرابعة عشر اكتشف محلات بيع الكتب المستعملة وقرأ ماكبث شكسبير وتأثر بلوتريامون ولم يعد يؤمن بالله)، عن سيرة هذا الاشكالي التي لا تنضب وعن لغز مقتله قدمت السينما قراءات مختلفة لحياته وموته.
في عام 1995 يقدم المخرج الايطالي مارك توليو جوردانا فيلم مثير وجميل (بازوليني.. جريمة ايطالية) يجري خلف تساؤل من قتل بازوليني؟ دون أن يسعى إلى تقديم إجابة واضحة عليه تقطع بهوية القاتل، ولكنه يركز على تصوير السيناريوهات الأخرى المحتملة لعملية (اغتيال) بازوليني في ضوء الظروف السياسية الخاصة بالوضع الإيطالي في تلك الفترة.
بعده بعام (1996) يقدم المخرج الايطالي أورليو جريمالدي فيلم (نيروليو) وهو عنوان يجمع بين كلمتين (نيرو) وتعني اسود و (ليو) وهو اشارة الى آخر رواية كتبها بازوليني (بتروليو) قصيدة شعرية بالاسود والابيض عن استجلاء المناطق الصعبة في الحياة الروحية للانسان، وعن الصراع بين الاجيال في عصر بازوليني، الفيلم عن الاسابيع الاخيرة من حياة بازوليني ومصرعه، وكما كان في حياته ماليء الدنيا وشاغل الناس بقي كذلك حتى بعد مرور سنوات على رحيله، رغم اننا طوال الفيلم لا نسمع اسم بازوليني ويشار اليه باسم الفنان، لكن التشابه كامل بين الممثل وملابسه ومكياجه ونظارته وبين بازوليني.
عام (2014) يقدم المخرج أبيل فيرارا مع الممثل (وليم دافو) فيلم (بازوليني)، و يصوّر فيه الساعات الأخيرة كأنّه نقل واقعي ومتقطّع لها، يبدأ بانشغالات يومية للمخرج، من حوار صحافي لصحيفة (ليسبريسو) فور عودته من ستوكهولم بعد لقاء مع إنغمار بيرغمان، وتقديم ديوانه (رماد غرامشي) هناك، نراه يقرأ صحفاً صباحاً، يستقبل صحافياً آخر، يتفحّص مَشاهد مما سيكون فيلمه الأخير (سالو)، يكتب لصديق رسالة يرفقها بمخطوط لما ستكون روايته (هي أقرب لتكون عملاً غير مُجنّس) الأخيرة وغير المكتملة (بيتروليو)، يكتب لآخر رسالة يرفقها بسيناريو غير مكتمل لفيلم (إبيفانيو)، إضافة لذلك نراه مع أمّه، ومع أصدقاء وفي سيّارته، وأخيراً في مشهد اغتياله على الشاطئ ليلاً. انشغالات متزاحمة كأنه يريد إنهاء ما يستطيع منها، كأنه عرف بما كان ينتظره ليلا.
بين هذه الافلام تقدم السينما العربية فيلما عن بازوليني ايضا وان لم يكن هو الشخصية الرئيسية فيه، عام (2007) من صنع المخرج المغربي (داوود اولاد السيد) الفيلم مستوحى من قصة حقيقية، لكومبارس اشتغل مع المخرج الإيطالي بازوليني الذي جاء الى مدينة ورزازات المغربية عام (1970) وارتبط معه بصداقة حميمة وعشق شخصيته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| افتتاح معهد غوتا الالماني في بغداد بحضور غادة العاملي

العدل الأميركية تتحدث عن "مؤامرة إيرانية فاشلة" لاغتيال ترامب

بدءاً من هذا الموعد.. حالة جوية ممطرة تجتاح العراق

ثروة مهدرة.. أكثر من 50% من المصانع العراقية متوقفة عن العمل

صالح المطلك: "العفو العام" مصمم للسراق

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وثائقيّ إيطاليّ عن فلسطينيي صبرا: بحثٌ عن ضوءٍ وسط عتمةٍ خانقة

في يوم الختام إعلان جوائز مهرجان "زيورخ" السينمائي الدولي العشرين في سويسرا

"حكاية جيم ":فيلم فرنسي مؤثر للاخوين لاريو عن معنى الأبوة

مقالات ذات صلة

وثائقيّ إيطاليّ عن فلسطينيي صبرا: بحثٌ عن ضوءٍ وسط عتمةٍ خانقة
سينما

وثائقيّ إيطاليّ عن فلسطينيي صبرا: بحثٌ عن ضوءٍ وسط عتمةٍ خانقة

قيس قاسميأتي الإيطالي جيوفاني سي. لوروسو إلى بيروت. يدخل عمارة سكنية مُهمَلة، يسكنها فلسطينيون من صبرا، ليراقب أولاً، من قرب، كيف يعيش هؤلاء في مكان غير صالح للعيش الآدمي أصلاً، وكيف يتعايشون مع بيئة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram