حسين علي الحمدانيهل ابتدأ عصر الشعوب؟ وهل الشعب العربي بات لا يخشى حكامه؟ وكيف يمكن أن تكون تداعيات الأحداث المتسارعة في مدننا العربية؟هواجس ساخنة في شتاء بارد يمر على الجميع، وسط تفاقم الأزمات الاقتصادية التي لا يحسن العرب التعامل معها، والسبب بأن نظمنا السياسية الحاكمة لا تفقه إلا فقه العسكر والحروب، أما الاقتصاد وحساباته، فالعارفون به أعدموا وهجروا وباتوا يخدمون في دول أخرى غير أوطانهم، لأنهم غير مرغوب فيهم في بلدانهم!
هذه البلدان التي تقودها أحزاب منذ عقود بنت كل شيء لكنها لم تبن قوة اقتصادية من شأنها أن تردم الفجوة بين الشعب، الهوة تتسع بين الأغنياء والفقراء والطبقة الوسطى تتلاشى وفي طريقها لأن تنتهي في مجتمعاتنا العربية أو تحرق نفسها كما فعل البوعزيزي الشاب التونسي الذي سيدخل النار كما قال بعض رجال الدين في تونس لأنه أحرق نفسه!حين ينتفض الشعب لأنه جائع، يصبح شعباً غوغائياً عابثاً، يستحق الرجم ليس بالحجارة ولكن بالرصاص الحي، وسط تهليل الناس وتبريكاتهم وبرقياتهم المؤيدة للتصدي لكل من يعكر أمن الدولة وأمن الشعب ! نحن نورث بعضنا البعض حب التملق، ونعلم الأجيال كيف تتزلف وتطيع وتنفذ دون نقاش، ومنذ كنا صغارا في المدارس كانوا يقولون لنا إن للحائط أذناً تسمع، ولم نكن ندرك بأننا جزء من الحائط إن لم نكن نحن الحائط نفسه، هكذا تمت تربيتنا منذ الصغر ولعل آباءنا هكذا تربوا، ونحن ربينا أولادنا أيضا بأن للحائط أذناً رغم إن جل بيوتنا حيطانها هرمة هاوية فهل يعقل إن لها آذاناً تسمع بها وهي لا تقينا قطرة مطر أو موجة صيف حارة أو شتاء باردة؟!في عواصمنا العربية هل تلاحظون كم يبلغ عدد باعة علب الكبريت،التي لو باعها جميعا فهو لن يتحصل على ثمن 10 أرغفة خبز، أو كيلو بندورة، ولكن حين تنظر إليه تجده محمر الوجنتين، أسنانه ناصعة البياض، وبالسر يدخن سجائر مستوردة، ذات مرة قلت لصديقتي: هذا هو الحائط الذي حكوا لنا عنه في الصغر.في العقد الثاني من الألفية الثالثة يبدو إنها تنذر ببداية عصر الشعوب للتخلص من سجانيها، وهذا النذر عادة ما يبدأ بومضة هنا أو هناك، شرارة تبدأ من أقصى الشمال أو الشرق فتحيل كل الجهات إلى ثورة، قد يكون الثمن مكلفاً لكن في نهاية الأمر يؤول الأمر للشعوب التي تتطلع لأن تحكم نفسها بنفسها.نظمنا السياسية شاخت ولم تعد قادرة على فهم الحاضر ولا حتى قراءة الماضي، ونظمنا السياسية تحكمنا بنظم القرون الوسطى أو قبلها، ربما بعضها ما زال في الجاهلية، في السودان يهددون بتطبيق الشريعة الإسلامية وحين طبقوها ماذا كانت هذه الشريعة؟ جلد الناس، الرجم، القصاص! لكنهم تناسوا بأن الشريعة الإسلامية عدالة ومساواة وتنمية وحقوق وواجبات وأركان وفرائض، أخذوا ما يريدون أخذه وفق نظريتهم المخابراتية البوليسية، وتجاهلوا ما أمرهم به الله وما يجب أن يقوموا به من واجبات تجاه رعيتهم التي تطيعهم طاعة عمياء خرساء بلهاء، وحين تطالب هذه الشعوب بتخفيض أسعار المواد الغذائية تتهم بالخيانة!وحين تطالب بالحرية تتهم بالزندقة وحين تطالب بحق تقرير المصير تتهم بالخيانة العظمى.نظمنا السياسية في عموم بلادنا العربية جعلتنا للأسف الشديد نكره أوطاننا، ونفكر دائما بالهجرة، هذه الهجرة التي دائما ما تكون غير شرعية وبجوازات سفر مزورة، لكن أخطر ما في هذه الهجرة إنها أحيانا تقود بعض العرب صوب إسرائيل ! كثيرون هاجروا لإسرائيل من تونس والمغرب ومصر والعراق واليمن والسودان،وجدوا أنفسهم هناك فأقاموا وتزوجوا ويعملون ويعيشون، فمن المسؤول عن هذا؟ ومن المسؤول عن هجرة الأدمغة والعقول التي تدير الآن كبرى المؤسسات الطبية والنفطية والاقتصادية والفضائية في أمريكا وأوروبا؟المسؤول الأول والأخير هو النظام العربي الآيل للسقوط، هذا النظام الذي اعتنى جيدا بأن يوضع للحيطان آذاناً تنقل له ما يهمس به الفرد في أحلامه، ولكنها لا تنقل له ماذا يأكل هذا الفرد، وماذا يلبس وكم من (المصاري) في جيبه، إنها لا تنقل له هذا لأنها تنقل فقط ما (يكسر رقبة المواطن) ويجعله في غياهب السجن أو في (مقبرة جماعية).الحيطان، لا تعرف نسبة الفقراء في البيوت العربية، ولا تعرف بأن الدول العربية تتصدر قوائم الأغنياء في العالم وفي نفس الوقت تتصدر شعوبها قوائم الفقراء!! والتقارير تؤكد بأن تخفيض ما نسبته 1% من رواتب كبار المسؤولين في أية دولة عربية يساهم بتخفيض نسبة الفقراء بحدود 5% في أي بلد عربي سواء أكان يمتلك النفط أو الغاز أو المخدرات طالما إنها تدر أمولا كبيرة لخزينة الدولة.إن لم تتم معالجة حالات الفقر وانخفاض مستوى المعيشة، ودعم أسعار المواد الغذائية فإننا سنجد كل المدن العربية تهب وساعتها لن تجد الحيطان من تنقل له ما تسمعه لأنهم سيتبخرون.
هل ابتدأ عصر الشعوب؟
نشر في: 14 يناير, 2011: 04:52 م