TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: تعالوا نبحث في الأسباب

قناطر: تعالوا نبحث في الأسباب

نشر في: 29 سبتمبر, 2024: 12:03 ص

طالب عبد العزيز

ابتلاع الدولة من قبل الأحزاب ومصادرة القرار السياسي الوطني هو ما جعل العراق ولبنان وفلسطين دولاً ضعيفةً، لا تقوى على مواجهة إسرائيل. الآنَ، وبعد جهنم التي انفتحت أبوابها في غزةَ وبيروت دونما رادع من قوة دولية، ترى، ما الذي صنعته الدول هذه لمواجهة الكيان الصهيوني المجرم، الممدود بالقوة والسلاح والرعاية الأممية من واشنطن واوربا؟ ونزول آلاف الاطنان من القنابل على أهلنا في الجنوب والضاحية، ومن قبل وبعد في غزة والضفة، ويعلم الله ما إذا كانت الطائرات الصهيونية ستتوقف عند هذا، أم أنها ستطال بغداد ودمشق وطهران حيثُ لا رادَّ ولا رادع لها، وحيث لا تملك حكوماتنا سلاحاً معادلاً لآلة العدو، فما ابتهاجنا دائمٌ، ولا كبيرٌ، بكاتيوشات ومسيرات وصواريخ تسقط على حيفا وايلات وتل أبيب، إذْ، نحن لا نملك في سمائهم طائراً حديدياً واحداً، فيما هي مختومةٌ بالشمع الحديد وبالنار لطائراتهم.
نعود ونبحث في ابتلاء أوطاننا بالأحزاب، التي ابتلعت الوطن، ولا مندوحة من أنَّ الزمن القادم سيبرهن- ألم يبرهن بعد؟ - على سرِّ ضعفنا وهزيمتنا، وعلى خطورة تعدد الولاءات وتمزيق الهوية الوطنية. ما يحدث أننا لم نعد نملك جيشاً بالمعنى الحقيقي للجيش، والجندي في معسكراتنا منقسم أو حائرٌ في ولائه، بعد أنْ صار الحزب مدخلاً لقبوله، وهذه بنادق الأحزاب تصادر الجيوش، مثلما صادرت القرار السياسي الوطني، نحن عائمون في وطن عائم، طافٍ على قشِّ هزيمة تغلفها شعارات الوطن والدين والطائفة والقبيلة والحزب المسلح، فيما تتمترس شعوب العالم خلف جيوشها، معتمدة انسانها، مطلق الولاء لأوطانها، وعلى صناعتها الوطنية في التسليح وعلى حلفاء تشترك معهم في العداء لأمريكا وإسرائيل واوربا.
الجنود العرب من الموصل وصلاح الدين والغربية ومعهم الجنود الكرد من أربيل والسليمانية، الذين تقاسمنا معهم في البصرة وميسان الخبز والدم والرصاص والملاجئ تحت الأرض في الحروب وحملات الإعمار ما عادوا معنيين بما يحدث على خريطة الوطن في الجنوب، وما يحدث على الحدود في الشمال من تطاولات الاتراك وغيرهم بات خصيصة الجنود البيشمركة وحدهم. الأحزاب هي التي أسست ليكون وزير النفط من البصرة وإن كان خائنا وفاسداً، وهي التي تصرُّ على ربط مصير الرئاسة بالنجف وكربلاء، وهي التي تصرُّ على أن يكون وزير الدفاع من أهل السنة وزير الداخلية من الشيعة، وهي التي تفتح مظلتها لكي يختفي الفاسد من وزرائها ويطير، إنْ لم تستطع الدفاع عنه.
عضو في البرلمان، ينتمي لأحد الأحزاب الإسلامية يفتح ثلاثة أو أربعة مكاتب، كاملة الخدمة والموظفين والحراس، وفي مناطق راقية في البصرة، ولا يقل إيجار كل مكتب منها عن مليوني دينار شهرياً في أقل تقدير، ومثله العشرات ممن يمتلكون أكثر من ذلك، ترى، من أين لهؤلاء المال والموظفين والحراس والسيارات، أكلها مدفوعة من راتبهم؟ وما الثمن المدفوع عن ذلك، والى مصلحة من يحدث كلُّ هذا التغوّل والابتلاع؟ بل وهل تغامرُ قوّةٌ أمنيةٌ على مساءلته؟ ولنا أنْ نتصور حجم المقار والمكاتب المفتوحة في الوطن لهؤلاء، ونبحث في مدى تأثيرهم على زعزعة الامن، وسحبهم ثقة المواطن في قواه الأمنية (الجيش والشرطة والامن الوطني) بل، ومدى مقدرتهم على تهديد القضاء والحياة المدنية قبل أنْ نقول شيئاً في إحراج القوى تلك أمام المواطن، الذي كثيراً ما يلجأ إليهم في حلَّ ما يعترضه من أزمات وظيفية وأمنية وقبلية أيضاً. في العراق، يجعل منك انتماؤك الى حزب ديني مسلح بطلاً، قاهراً ومهاباً وقادراً على الفوز بكل المشاريع والمناقصات، وغير معنيٍّ بما يحدث للوطن، ذلك لأنه لا يعني عندك أكثر من يافطة سوداء وخريطة على الأرض.
بالمعنى التقليدي للحروب، وعلى وفق ما نحن عليه من ضعف تشتت وتيه، هل يمكننا الحديث عن نصر إذا ما تهدد الوطن؟ هل نبحث في الأسباب؟ أم باتت القضية واضحة للجميع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

العمودالثامن: وصية تولستوي

 علي حسين في ملحمته "الحرب والسلام" يخبرنا تولستوي أن نابليون لم يصدر لشعبه بياناً واضحاً ومحدداً لما يجري لقواته في روسيا، ظلت الناس تنتظر بيان النصر فإذا بها تقرأ نهاية مأساوية لمغامرة حمقاء.....
علي حسين

قناديل: بضعةُ أيام في سفالبارد

 لطفية الدليمي قلّما أقرأ أعمال الفيلسوف (سلافوي جيجك) أو أشاهد فيديوهاته. أراه فوضوياً بحركاته وكلماته المنطلقة من فمه كإعصار منفلت: شيء من الفرويدية على شيء من الماركسية ومناهج التفكيك الفرنسية، كلُّ هذا معجوناً...
لطفية الدليمي

قناطر: تعالوا نبحث في الأسباب

طالب عبد العزيز ابتلاع الدولة من قبل الأحزاب ومصادرة القرار السياسي الوطني هو ما جعل العراق ولبنان وفلسطين دولاً ضعيفةً، لا تقوى على مواجهة إسرائيل. الآنَ، وبعد جهنم التي انفتحت أبوابها في غزةَ وبيروت...
طالب عبد العزيز

"الفوهرر" و"الدوتشي" و"القائد الضرورة"، وتحويل البدعة إلى لاهوت

د. حسين الهنداوي بؤس نظام المحاصصة الطوائفية يلقي بظلاله القاتمة على عظمة معاناة العراقيين خلال الحكم البعثي البائد، ذي الطبيعة الفاشية، والذي جثم على صدورهم لفترة 35 سنة بين 17 تموز 1968 و9 نيسان...
د. حسين الهنداوي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram