بغداد – تبارك المجيد
يشهد العراق تصاعدًا في جهود مكافحة المخدرات في ظل تحديات أمنية واجتماعية كبيرة. حيث أعلنت المديرية العامة لشؤون المخدرات عن تحقيق نتائج ملموسة في اعتقال آلاف المتهمين وتفكيك شبكات دولية، فيما تستمر الجهود لرفع الوعي بخطورة المخدرات وتعديل التشريعات ذات الصلة.
ورغم غياب دلائل رسمية على وجود صناعة محلية واسعة للمخدرات، يحذر الخبراء من تفاقم الأزمة بسبب ضعف السيطرة على الحدود.
وأعلنت المديرية العامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية في العراق عن إحصائية عملياتها خلال العام الجاري حتى نهاية شهر أغسطس. حيث تم اعتقال نحو 10 آلاف متهم بجرائم متعلقة بالمخدرات، فيما صدرت أحكام قضائية بحق حوالي 5500 منهم منذ بداية العام. كما كشفت المديرية عن تفكيك شبكات دولية لتهريب المخدرات عبر تبادل المعلومات وتأسيس قاعدة بيانات بالتعاون مع أطراف دولية.
وأوضحت المديرية أن المصحات تستقبل المئات من المتعاطين لتلقي العلاج، مؤكدة أن الأشخاص الذين يلجؤون لهذه المصحات من تلقاء أنفسهم لا يتعرضون للمساءلة القانونية، وذلك وفقًا للمادة 40 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية. كما أعلنت المديرية عن صدور 140 حكمًا بالإعدام و500 حكمًا بالسجن المؤبد بحق تجار مخدرات خلال الفترة الممتدة من بداية العام الماضي وحتى شهر أغسطس 2024، في إطار الجهود المبذولة لمكافحة تجارة المخدرات.
تحذيرات من صناعة محلية
نفت إيناس كريم، رئيس منظمة «نقاها» لمكافحة المخدرات، وجود دليل رسمي يثبت انتشار صناعة محلية للمخدرات في جميع المحافظات العراقية، مشيرة إلى أن هذا الأمر قد يكون محصورًا في محافظة أو اثنتين فقط. وأوضحت أن المخدرات تدخل العراق عبر الحدود وتنتشر في المحافظات، مؤكدة أن الحديث عن صناعة محلية واسعة النطاق غير دقيق.
وفيما يتعلق بالجهود الحكومية لمكافحة المخدرات، أشارت كريم لـ (المدى) إلى التحسن الملحوظ في العمل الأمني مقارنة بالسنوات السابقة. حيث تُنفذ عمليات يومية للقبض على تجار المخدرات وتُعرض على وسائل الإعلام. كما لفتت إلى زيادة الاهتمام بفتح مستشفيات لعلاج الإدمان في بغداد والمحافظات، مضيفة أن مستشفى جديد سيتم افتتاحه قريبًا في منطقة الكرخ، في حين تم افتتاح مستشفى في منطقة الرصافة قبل عام.
استهداف الشباب والفتيات
كما حذرت كريم من العواقب الوخيمة لاستمرار استهداف الشباب من قبل تجار المخدرات، مشيرة إلى انتشار هذه المواد في المدارس والجامعات وحتى بين الفتيات. وأرجعت تفاقم الوضع إلى عدم ضبط الحدود، مؤكدة أن المخدرات مثل الكريستال والكبتاغون لم تعد الأكثر انتشارًا، حيث ظهرت أيضًا العقاقير المهدئة التي يحصل عليها الشباب من الصيدليات دون وصفات طبية، مما يجعل الصيدليات والمذاخر جزءًا من المسؤولية عن هذا الانتشار.
وأشادت كريم بالتوجه البرلماني الحالي لتعديل قانون المخدرات رقم 50، حيث تم إعادة مشروع التعديل إلى مجلس النواب بعد عام قضاه في مجلس الدولة. وأضافت أن القانون الآن في مرحلة الإقرار، مشيرة إلى أن هذا يمثل تقدمًا ملحوظًا.
ووافق مجلس الوزراء العراقي مؤخرًا على مشروع تعديل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017. وأكد رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أن التعديل يهدف إلى تعزيز قدرات دائرة مكافحة المخدرات لمواجهة هذه الآفة. ويتضمن القانون إعفاء المتعاطين الذين يسلمون أنفسهم للجهات الصحية من العقوبات الجزائية، مع توفير العلاج والرعاية الصحية لهم ضمن شروط محددة، بهدف تأهيلهم بعيدًا عن المساءلة القانونية.
التوعية لا تزال ضعيفة
وفيما يخص التوعية، أكدت كريم أن الجهود الحالية غير كافية، مشيرةً إلى الحاجة لمزيد من الحملات التوعوية وبرامج تسلط الضوء على خطورة المخدرات بطرق جديدة وغير تقليدية. كما أكدت على أهمية دور رجال الدين وخطباء الجمعة في نشر الوعي حول هذه القضية المهمة، قائلة: «كل شخص من موقعه يجب أن يتحدث عن هذا الموضوع ويوعي الناس بخطورته».
وذكرت أن «خلال النصف الأول من هذا العام استقبلنا ما يقرب من 700 حالة، بينهم 45 فتاة، وهو رقم كبير جدًا مقارنة بالعام الماضي الذي شهد بأكمله استقبال نحو 820 حالة إدمان».
ارتفاع في كميات المضبوطات
من جانبه، أكد عصام كشيش، رئيس منظمة «التعافي» للحد من خطورة المخدرات، أن مسألة «صناعة المخدرات في العراق» ليست مثبتة أو مؤكدة بشكل قاطع حتى الآن. وأوضح أن الحديث عن هذا الموضوع قد يكون متداولًا على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه لم يظهر في الإعلام الرسمي بشكل موثوق. وأكد كشيش أن «العراق لا يزال يعتبر دولة مستوردة للمخدرات ولا توجد دلائل رسمية تشير إلى وجود صناعة محلية لها».
وفيما يتعلق بارتفاع كميات المخدرات المضبوطة في السنوات الأخيرة، ذكر كشيش لـ (المدى) أن عام 2022 شهد ضبط نصف طن من المخدرات، بما في ذلك الكريستال والكبتاجون، وارتفعت الكمية في عام 2023 إلى طن وربع، وفي عام 2024 وصلت إلى أربعة أطنان.
وأشار إلى أن «هذا الارتفاع ترافق مع زيادة في أسعار المخدرات في السوق السوداء، حيث تضاعف سعر الغرام الواحد من 25 ألف دينار ليصل الآن إلى ما بين 100 و150 ألف دينار، وأحيانًا يصل إلى 250 ألف دينار في المناطق الراقية، وهو ما يعكس جدية الدولة في مكافحة المخدرات».
وأضاف كشيش أن «العراق يواجه تحديات كبيرة في السيطرة على الحدود، خصوصًا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث تُدخل المخدرات عبر الحدود غير المحصنة بشكل كامل». وأضاف أن طول الحدود الذي يبلغ حوالي 1200 كيلومتر يجعل السيطرة عليها أمرًا صعبًا للغاية، مما يعقد عملية مكافحة تهريب المخدرات.
تحركات دولية لمواجهة التحديات
ورغم هذه التحديات، أشار كشيش إلى وجود تحركات دولية لحل الأزمة، مبرزًا المؤتمر الثاني الذي عقده العراق بشأن المخدرات بمشاركة دول الخليج وتركيا وإيران، والذي تمخض عن اتفاقات لوجستية وأمنية، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية. كما أوضح أن هذه التحركات أسفرت عن القبض على عصابات دولية كانت تهرب المخدرات إلى العراق ومنها إلى الكويت أو السعودية.
واختتم كشيش بالتأكيد على أن العراق يواجه تحديات كبيرة على صعيد الحدود، لكنه أشاد بالجهود المبذولة داخليًا في مكافحة المخدرات، مؤكدًا أن هناك تحركًا جادًا وفعّالًا في هذا المجال داخل البلاد.
جهود أمنية وحكومية
وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان، أرشد الصالحي، إن «خطر تعاطي المخدرات موجود ووصل لمستوى العثور على معامل لصناعة المخدرات في عدد من محافظات العراق بفضل جهود الأجهزة الأمنية والحكومية التي نثني عليها. وكذلك فإن موقف المرجعية العليا حول خطورة آفة المخدرات جاء في محله».
وأضاف: «نعتقد في لجنة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بضرورة التنسيق بين الأجهزة الأمنية كافة بعد بيان المرجعية العليا الذي كان واضحًا جدًا، وتضمن تحريم التعاطي».