بغداد / تبارك المجيد
منذ عام 2003، يواجه العراق تحديات متزايدة تتعلق باستغلال عقارات الدولة، حيث يُعد هذا الملف أحد أبرز مظاهر الفساد المستشري. تلك العقارات، بما في ذلك القصور الرئاسية، أصبحت هدفًا لأطماع أصحاب النفوذ الذين يسعون لاستثمارها تحت غطاء قانوني غير واضح. ومع تزايد المطالبات بمحاسبة المسؤولين وفتح ملفات الفساد، تتضح الحاجة الملحة لتعزيز هيبة القانون وضمان حماية الملكيات العامة.
فساد في استغلال العقارات
تقول سروة عبد الواحد، رئيس كتلة الجديد في مجلس النواب وعضو لجنة النزاهة النيابية، إن «العقارات الحكومية منذ عام 2003 أصبحت عرضة لاستغلال أصحاب النفوذ والسلطة». وخلال حديث لها مع (المدى)، أشارت عبد الواحد إلى مسألة القصور الرئاسية في البصرة أو الموصل التي تم استغلالها مؤخرًا تحت مسمى «الاستثمار». وأوضحت أن هناك تساؤلات حول طبيعة هذا الاستثمار وما إذا كانت هذه القصور ستتحول إلى ملكية خاصة للمستثمرين أم ستظل أملاكًا للدولة.
كما أوضحت عبد الواحد أن لجنة النزاهة قد وجهت استفسارات إلى هيئة الاستثمار حول هذا الموضوع، وهم بانتظار الرد. وأشارت إلى أن محافظة الموصل قدمت مخططات لاستثمار القصور، لكن هيئة الاستثمار طلبت توضيحات إضافية بسبب غموض المخططات المقدمة.
انتقادات
من جانبه، وصف النائب المستقل ياسر الحسيني الفساد في ملف عقارات الدولة بـ«الكبير والخطير»، وأوضح أن حجم الأموال المتورطة في هذا الملف ضخم للغاية، مؤكدًا أن هناك تغطية سياسية تمنع فتح هذا الملف. وأضاف الحسيني أن القصور وغيرها من عقارات الدولة يمكن أن تكون فرصًا استثمارية حقيقية بدلاً من الاستحواذ عليها من قبل المتنفذين. وأكد أن البرلمان سيشهد قريبًا وقفة جادة لفتح هذا الملف الخطير.
وانتقد المحلل السياسي محمد زنكنة النائبة سروة عبد الواحد، معتبرًا أنها ليست في موقف يؤهلها للحديث عن النزاهة ومكافحة الفساد. وأشار زنكنة إلى وجود العديد من المشاريع المتوقفة في بغداد والسليمانية التي ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بأفراد من عائلتها، وهي مشاريع تتعلق بعقارات الدولة. ودعا النائبة عبد الواحد إلى مراجعة هذه القضايا داخليًا، على مستوى العائلة والحزب، قبل توجيه الاتهامات إلى الآخرين في ما يخص الفساد.
وفيما يتعلق بسوق العقارات، أكد زنكنة لـ(المدى)، أن "هناك جهات متنفذة تعمل على إخلاء مناطق بأكملها بهدف تنفيذ مشاريع معينة"، وأضاف أن أسعار العقارات تشهد ارتفاعًا كبيرًا، لا سيما في مدن جنوب العراق وبغداد، وسط مخاوف من أن تتكرر هذه الظاهرة في المحافظات التي تضررت من سيطرة تنظيم داعش.
وأوضح أن "هناك ميليشيات وأطراف دولية تلعب دورًا في هذه العملية"، مشيرًا إلى توقعات بزيادة عدد النازحين من لبنان نتيجة الأزمة الحالية هناك، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار العقارات إلى مستويات غير مسبوقة.
زنكنة حذر من أن هذه الظاهرة قد تشجع المستثمرين والمقاولين على استغلال الوضع لرفع الأسعار، في ظل مساعي جهات متنفذة للسيطرة على العقارات العامة عبر صفقات مشبوهة أو التحايل. وأوضح أن هذه الجهات تعمل على تفريغ المناطق من سكانها والاستيلاء على العقارات بطرق غير قانونية، مما قد يؤدي إلى تفاقم أزمة السكن في البلاد.
واختتم زنكنة بالتأكيد على أن "هذه الممارسات تهدف إلى تعزيز نفوذ الأطراف المتنفذة في الحكومة والسيطرة على السوق العقاري، وهو ما قد يمكنها من تعزيز قوتها السياسية في المستقبل".
تراجع هيبة القانون
من جانبه، أشار الأكاديمي والمحلل السياسي علاء مصطفى إلى أن المشكلة لم تعد مقتصرة على أملاك الدولة، بل امتدت لتشمل عقارات المواطنين. وأكد مصطفى أن هناك تراجعًا ملحوظًا في فرض هيبة القانون، مما أتاح المجال للتجاوزات على الملكيات العامة والخاصة.
وأوضح أن المشاريع الاستثمارية التي تشهد توسعًا في العراق تركز على القطاعين التجاري والسكني، إلا أنها تستهدف الفئات المترفة. وأضاف أن العديد من هذه المشاريع تقام على أراضٍ تعود ملكيتها للدولة، وتباع الشقق بأسعار مرتفعة تصل إلى 250 ألف دولار، مما يجعلها بعيدة عن متناول المواطنين العاديين.
في ظل هذا الوضع، دعا مصطفى مجلس النواب إلى فتح ملف الاستثمار في عقارات الدولة بشكل جدي، مشددًا على أهمية مساءلة هيئة الاستثمار لضمان استفادة الدولة من هذه المشاريع. وأضاف أن العقود الاستثمارية الحالية لا تقدم حلولًا فعلية لأزمة السكن.
الملكية العامة تحت التهديد: استغلال عقارات الدولة وفساد يتجلى في ظل غياب القانون
نشر في: 30 سبتمبر, 2024: 12:03 ص