TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > محطات .. أغنية التم

محطات .. أغنية التم

نشر في: 14 يناير, 2011: 06:39 م

سامي عبد الحميد بدأ الكاتب الروسي الشهير (أنطوان جيكوف) حياته الأدبية روائياً وقصصياً قبل أن يتحول الى كتابة المسرحية الواقعية وربما لم يبق مسرح في أي بلد في العالم لم يقدم إحدى مسرحياته ورغم كونها تعكس بصدق واقع المجتمع الروسي زمن القيصرية إلا ان إنسانيته وحسه العميق بمعاناة البشر في زمان ومكان جعلا منه كاتباً مسرحياً كونياً بمعنى الكلمة. وكان للمسرح العراقي نصيبه
من مسرحيات جيكوف. حيث قدمت له فرقة المسرح الحديث المسرحية ذات الفصل الواحد(أغنية التم) وبعدها قدمت له (الخال فانيا) وقدم له(صلاح القصب) ثلاث مسرحيات هي على التوالي(طائر البحر)و(الخال فانيا)و(الشقيقات الثلاث).وعندما وصلتنا سلسلة منشورات (أقرأ) التي كانت تصدرها (دار المعارف بمصر) كنا نتسارع نحن أعضاء فرقة المسرح الحديث لقراءتها وما ان وقع بين أيدينا العدد الخاص بالكاتب الروسي (جيكوف) ونشرت فيه أربع مسرحيات قصيرة له حتى وقع اختيارنا على نص مسرحيته (أغنية التم) وقد تعرض فيه ذلك الكاتب الروسي الرقيق وقد كان يمتهن الطب قبل ان يتحول إلى الأدب. أقول تعرض إلى نظرة المجتمع الروسي المتخلف في فهمه إلى الممثل. وقد وجدنا تشابهاً كبيراً مع نظرة مجتمعنا العراقي. كيف لا ونحن نرفض مثل تلك النظرة المتدنية ونحاول تغييرها في سلوكنا وفي أعمالنا الفنية. تعرض المسرحية لممثل تقدم بالسن فلفظته مسارح موسكو فأضطر للعمل مهرجاً في مسرح منوعات في إحدى قرى روسيا وهناك اعتاد ان يقضي ليلته في المسرح بعد انتهاء الحفل يحتسي الخمرة ويستسلم للنوم وفي إحدى تلك الليالي يروح يستذكر أيامه الخوالي عندما كان مشهوراً تلتف حوله المعجبات يأخذن توقيعه ويبدين إعجابهن بشخصه وبفنه ولكن لم ترض إحداهن ان تكون زوجة له فبقي عازباً لا زوجة له ولا أطفال. ويقوده الاستذكار إلى استعراض ابرز الأدوار التي كان يبدع في أدائها أيام زمان. وفي احد مقاطع المسرحية يقول:  أذكر ان حدث- لما كنت ممثلاً فنياً... أن أعربت لي إحدى الفتيات عن إعجابها بتمثيلي وأحبتني...وأذكر أني وقفت أمامها كما أقف أمامك الان وكانت رائعة ؟؟ أكثر من أي وقت، فألقت علي نظرة لن أنساها حتى في القبر.. سكرت لمرآها وسقطت أمامها راكعاً وقد غمرني شعور بأنني اسعد مخلوق وكانت تقول لي.. اهجر المسرح اهجر المسرح.. افهم ما أقوله لك. كان بوسعها ان تحب ممثلاً ولكنها أبت على نفسها ان تكون زوجة لي.نعم كانت تلك هي(الثيمة) التي حفزتنا على تقديم المسرحية. نظرة عدم الاحترام للممثل في المجتمعات المتخلفة هي التي كنا نريد ان نقف عندها وندينها. ولا ادري لم اختارني(إبراهيم جلال) لأمثل دور الممثل الشيخ وأنا ما زلت شاباً يافعاً وحين اعترضت وقلت له ليمثل الدور زميلي (يوسف العاني) قال أنت اقدر على التنوع والتحول من يوسف وهو اقرب إلى تمثيل دور(الملقن). وكانت مغامرة لم نكن نعرف صداها لدى الجمهور وكانت هناك مغامرة أخرى وهي تصميم الديكور الذي تولاه الفنان الراحل(إسماعيل الشيخلي) حيث صمم ديكوراً ورمزياً يناقض واقعية تأليف النص المسرحي ويتفوق عليه ومع ذلك وجدناه منسجماً مع (الثيمة) التي تقول(الفنان كالشمعة التي تحترق لتضيء دروب الناس)و(الحياة كالعجلة تدور ولا تتوقف عن الدوران إلا بالموت) و(سلم الشهرة والإبداع ليس سهلاً صعوده). نعم كان هناك على خشبة المسرح يد كبيرة تحمل شمعه وعجلة كبيرة وسلم لا نهاية له.فقدمت المسرحية مع مسرحية يوسف العاني (ستة دراهم) حيث كان التقليد يقتضي تقديم حفل مسرحي كامل سيستغرق ساعتين أو أكثر بينهما فترة ليس كما يحدث الان حيث تقدم مسرحيات لا تستغرق أكثر من ساعة واحدة. وقوبل العرض بحماس من قبل الجمهور الذي امتلأت به  قاعة الملك فيصل. كان هذا عام 1956 وبعد أكثر من عشر سنوات قدمت المسرحية مرة أخرى في مسرح بغداد أخرجها هذه المرة الراحل (قاسم محمد) ومثلت لوحدي دور الممثل(فاسيلي فاسيلفتش) حيث حدث حذف المخرج دور(الملقن) لاعتقاده بانتفاء الحاجة له  بعد ذلك بعشر سنوات أخرى أخرجت المسرحية نفسها لنفسي وقدمتها في منتدى المسرح وبلا ديكور لا رمزياً كما فعل إسماعيل الشيخلي ولا واقعياً كما فعل قاسم محمد. وبعد ذلك بسنوات قليلة قدمت المسرحية في معهد الفنون الجميلة رافقني في العرض طلبة قسم المسرح. وأخيراً وليس آخراً وبعد سنوات دعاني الراحل قاسم محمد الى إمارة الشارقة حيث كرمت في مهرجان مسرح الخليج العربي وبالمناسبة فقد أعاد(قاسم) إخراج المسرحية هناك واعترف بأن أدائي لدور الممثل العجوز وقد اقترب سني من سنه، بالوقوف على أدائي له في المرة الأولى يوم كنت شاباً.ومن الجدير بالذكر ان مسرحية (أغنية التم) وأحياناً تسمى (الأغنية الأخيرة) قدمها الأستاذ الراحل(عبد الأمير الورد) في كلية الفنون الجميلة. كما قدمها طلبة مسرح آخرون وذلك لكونها مسرحية تغري الممثل الذي يريد ان يفصح عن إمكاناته الأدائية وقدرته الإبداعية. ومن الجدير بالذكر أيضاً ان عنوان المسرحية قد اختاره (جيكوف) ليطابق به نهاية الممثل ونهاية ذلك الطائر الذي يغرد – يغني أغنية أخرى ويموت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram