الموصل / سيف الدين العبيدي
في الجزء الشرقي من مدينة الموصل القديمة، ما زالت المنطقة تعاني من نقص عدد الأبنية المدرسية بسبب الدمار الذي خلفته الحرب. مدارس عدة أصبحت ركامًا، منها مدرسة الإخلاص الابتدائية، وهي واحدة من أقدم مدارس نينوى. غيابها أدى إلى زخم كبير في عدد الطلبة في الأبنية الأخرى التي أعيد بناؤها بشكل سريع أو مؤقت. لكن ما زاد المشكلة تعقيدًا هو تحويل مدرسة الإخلاص إلى مبنى لمنظمة مستقلة يشرف عليها الأب رائد عادل، مسؤول كنائس الكاثوليك والوقف المسيحي في الموصل.
يروي مدير مدرسة الإخلاص، رضوان عبد، قصة مدرسته التي بدأ الإعمار فيها منذ عام 2019 بدعم وإشراف من اليونسكو، التي أرادت إعادة بناء إحدى المدارس، فوقع الاختيار على الإخلاص كونها الأقدم، حيث يعود تاريخها إلى العهد العثماني. ويضيف عبد أن المدرسة تضم قيودًا لطلبة يعود تاريخها إلى 150 عامًا، وقد أخرج هذه القيود من بين الركام واستطاع الحفاظ عليها حتى اليوم.
وأضاف عبد أن عملية بناء المدرسة جاءت بمتابعة منه وبطلب من أهالي المنطقة القديمة، حيث شُيدت بأفضل مواصفات البناء الحديث، وهي صديقة للبيئة وتعمل بشكل كامل بالطاقة الشمسية. وأوضح أن عائدية أرض المدرسة تعود للوقف المسيحي الذي اتفق مع اليونسكو على أن تعود المدرسة كما كانت أمام جميع تلاميذ المنطقة. وقد سُلّمت من قبل ديوان المحافظة إلى الأب رائد عادل، الذي تعهد بذلك. لكن سرعان ما تفاجأ عبد بتحويل المدرسة إلى منظمة مستقلة.
وأشار عبد إلى أن الاتفاقية موجودة لدى قسم التخطيط في تربية نينوى، وكانت قد وقعت في فرنسا من قبل مدير التربية آنذاك، خالد شاهين، الذي يشغل منصب معاون المديرية في الوقت الحالي.
ولفت إلى أن مدرسته تضم 800 طالب وطالبة، وتعمل بنظام الوجبتين. ويُقام دوامهم في الوقت الحالي في مبنى مدرسة الحفصة، الذي يضم صفوفًا متهالكة، بعضها عبارة عن كرفانات شيدت على سطح المبنى ولا تحتوي على مراوح، وتشهد اكتظاظًا كبيرًا. وأكد عبد أن ما فعله الأب رائد يعتبر إخلالًا بالاتفاقية التي تقضي بإعادة المدرسة إلى ما كانت عليه. وأوضح أن أهالي المنطقة سئموا من كثرة تقديم الشكاوى في ظل سكوت ديوان المحافظة وتربية نينوى دون أي تحرك منهم. الأب رائد عادل، وهو رجل دين مسيحي برز بعد عام 2017 في المدينة وله شعبية كبيرة لدى الموصليين، حيث يتواجد مع جميع الأطياف والقوميات ويشاركهم في جميع المناسبات. قال عادل في حديثه لـ(المدى): «بعد تحرير أم الربيعين، أصبح من الضروري على المجتمع الموصلي العمل على رفع قيمة الإنسان وتنميته بشكل عام. لذلك ارتأت الكنيسة أو الوقف المسيحي تحويل المدرسة إلى مؤسسة باسم (الخيمة للبناء والسلام)، ويكون هو مديرها. هدف المؤسسة هو تدريب جميع شرائح المجتمع، ومن ضمنهم معلمو المدارس، من أجل رفع القيمة التربوية والتعليمية». وأكد أن المؤسسة تابعة لرئاسة الوزراء، مشيرًا إلى أن أبواب المنظمة مفتوحة لكافة شرائح المجتمع ودوائر الدولة. وأضاف أن هناك نشاطات ستبدأ في الفترة المقبلة بالتعاون مع ديوان المحافظة وتربية نينوى وباقي المؤسسات الحكومية. وأكد أن الموصل بحاجة إلى مئات المدارس، لكن مبنى هذه المدرسة سيفيد المحافظة ككل أكثر من أن تكون لـ 100 طالب فقط.
من جانبه، قال غزوان عزام، وهو من أهالي منطقة النبي الجرجيس، في حديثه لـ(المدى) إنه لديه ولدين في المرحلة الابتدائية يعانيان من اكتظاظ الصفوف. وأوضح أن الحي بحاجة كبيرة للمدرسة الجديدة، وأن تحويلها إلى منظمة يعتبر خطوة سلبية أثرت على تلاميذ المنطقة. وأشار إلى إمكانية إقامة نشاطات المنظمة خلال أيام العطل أو بعد انتهاء الدوام الرسمي، مما سيحقق فائدة للطرفين.
وأكمل قوله: «عانينا كثيرًا من سوء الخدمات والبنى التحتية، واليوم تأتينا مشكلة أخرى وليس باستطاعتنا أن نتكلم أكثر من هذا. أطالب الأب رائد الذي أحبته الموصل كثيرًا أن يغيّر قراره، حيث إن هذه الخطوة قد أدت إلى فقدان شعبيته، وقد انتقده الكثير من الموصليين بسبب ذلك».