غيوم بيريجوا*
ترجمة: عدوية الهلالي
يأتي انتخاب برابوو سوبيانتو في إندونيسيا في وقت حاسم بالنسبة للاتحاد الأوروبي. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية واكتساب نزعة الحماية المزيد من الأرض في الاقتصادات الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إقامة تحالفات جديدة. وفي هذا السياق، يصبح تعزيز العلاقات مع الجنوب العالمي، وخاصة مع دول جنوب شرق آسيا، ضرورة استراتيجية. وقد أدركت بعض الدول الأوروبية هذا الأمر جيداً، فقامت بتكييف سياساتها الاقتصادية لتعزيز استراتيجية تخفيف المخاطر التي تهدف إلى الحد من نقاط الضعف الاقتصادية لديها. ومن هذا المنطلق، يمكن رؤية أهمية اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وإندونيسيا. إن هذه الاتفاقية، أكثر بكثير من مجرد معاهدة تجارية بسيطة، فهي جزء من رؤية أوسع للأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي. ومن خلال فتح الأسواق الأوروبية أمام المنتجات الزراعية من جنوب شرق آسيا وتعزيز صادرات المنتجات الصناعية الأوروبية، يستطيع الاتحاد الأوروبي تنويع شراكاته التجارية وتقليل اعتماده على القوى الأخرى.
ويشكل هذا التنويع ضرورة أساسية لتعزيز مرونة الاتحاد الأوروبي في مواجهة الاضطرابات العالمية، وخاصة تلك الناجمة عن التوترات الصينية الأميركية. إن إندونيسيا، بفضل ديناميكيتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، تقدم للاتحاد الأوروبي فرصة فريدة لوضع نفسها كبديل لطرق التجارة التي تهيمن عليها الصين. لكن هذا الطموح يواجه بعض التحديات، إذ تعكس المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة هذه الخلافات المستمرة حول موضوعات مثل زيت النخيل والنيكل. وتتهم إندونيسيا الاتحاد الأوروبي بالإمبريالية التنظيمية فيما يتعلق بالمعايير الأوروبية الجديدة بشأن إزالة الغابات، مما يؤثر على صادرات زيت النخيل الإندونيسي. وترمز نقطة الاحتكاك هذه إلى الاختلافات بين أوروبا المعنية بالتزاماتها البيئية وإندونيسيا التي تدافع عن تنميتها الاقتصادية. لقد أشار برابوو أيضًا إلى أن القيود الأوروبية يمكن أن تدفع إندونيسيا إلى تحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، من خلال إنتاج وقود الديزل الحيوي من زيت النخيل. وتهدف إندونيسيا أيضًا إلى لعب دور رئيسي في التحول البيئي. ويخطط برابوو لإنشاء صندوق للاقتصاد الأخضر يهدف إلى جمع 65 مليار دولار بحلول عام 2028 من خلال بيع أرصدة انبعاثات الكربون من المشاريع البيئية مثل الحفاظ على الغابات المطيرة. وسوف تشرف جهة تنظيمية جديدة على هذه الجهود، وإنشاء أداة متخصصة لإدارة الصندوق الأخضر وتنسيق مشاريع تعويض الكربون، بما في ذلك إعادة التشجير وإعادة زراعة الأراضي الخصبة وأشجار المانغروف.
وعلى الرغم من هذه التوترات، فمن الواضح أن اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وإندونيسيا ذات أهمية استراتيجية. ومن الممكن أن يكسب اقتصاد البلدين الشريكين الكثير من هذا التعاون، والذي قد يعزز الإبداع والاستثمار، في حين يخفف من نفوذ الصين المتنامي في المنطقة. ومن خلال تعزيز التعاون الوثيق مع إندونيسيا، لدى الاتحاد الأوروبي الفرصة لتعزيز التبادلات والشراكات على أساس الاحترام والمصلحة المشتركة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساهم هذه الاتفاقية في التقارب بين الرؤى التجارية الأوروبية المتباينة تقليديا، وخاصة بين فرنسا وألمانيا. والحقيقة أن البلدين يجدان الآن في الاستراتيجية الصناعية الأوروبية وتنويع الشركاء التجاريين وسيلة لتعزيز الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي. وسيكون الاتفاق مع إندونيسيا جزءا من هذه الديناميكية، مما يعزز فكرة أوروبا القادرة على بناء تحالفات قائمة على المصالح المشتركة، وليس على توازن القوى.
إن مستقبل العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وإندونيسيا سوف يعتمد على قدرة الطرفين على التغلب على العقبات الحالية ووضع استراتيجية مشتركة. وهذه ليست قضية اقتصادية فحسب، بل هي أيضا مسألة جيوسياسية. وفي عالم مجزأ، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يُظهِر قدرته على بناء شراكات متينة ومتوازنة تحترم سيادة الجميع. وهذا هو بيت القصيد من هذه الاتفاقية، والتي يمكن أن تصبح دعامة للأمن الاقتصادي للاتحاد في السنوات القادمة.
- محلل سياسي