TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التيجاني الطيب: مسؤول شيوعي وشيوعي مسؤول

التيجاني الطيب: مسؤول شيوعي وشيوعي مسؤول

نشر في: 2 أكتوبر, 2024: 12:03 ص

د. حيدر ابراهيم علي

حين يكتب صحفي في تصريح من التيجاني الطيب:صرح مسؤول في الحزب الشيوعي أو صرح مسؤول شيوعي؛يمتلكني الغضب الشديد. واسخط علي عدم جودة صياغته،لأنه في هذه الحالة عليه أن يكتب:صرح شيوعي مسؤول. فالتيجاني لا يعرّف باضافة المنصب أو الموقع في المؤسسة،فهذا إسم؛بينما امثال التيجاني يعرّف بالصفة والخصال علي رأسها المسؤولية والالتزام،وهي التي تميزه داخل الحزب،وليس موقعه أو مهامه الحزبية.فقد تحول الرجل الي قيمة ورمز يتجاوز الالقاب والاسماء المضافة.فهو علي مستوى الشخصية والكينونة يمثل الاتساق المطلق أو هارمونية الداخل والخارج أي تطابق البرانية والجوانية،المظهر والجوهر.
هذا هو تجسيد الانسان الذي قيل عنه: أنه يفكر كما يريد،ويقول كما يفكر،ويفعل ما يقول.وقد جعل من الحياة معركة إنسانية كبرى من اجل الحق والعدل والحرية.هذه معركة نبيلة ادعي كثيرون خوضها.لذلك المهم،كيف خاض(التيجاني) معركته وماهي أدواته وكيف استخدمها طوال حياته العامرة؟ لم يكن يقسم سلوكه وافعاله الي تكتيك واستراتيجية، بل اكتفي بالاستراتيجة فقط.لذلك،لم"يتكتك" أو يناور أو يراوغ مع الناس، ولا في السياسة،ولا في الحزب،ولا في اليومي.والعجيب أن السرية التي لفت حياته كلها وحاصرته،خرج منها اكثر وضوحا وصراحة،وقاطعا في رأيه كالسيف،مبينا مثل الشمس.والسر في هذا الاتساق هو الصدق – كلمة سهلة وفعل كتجمير الذهب.يتحايل عليه البعض بتلوينه،لذلك سمعنا بالكذب الابيض.ولكن(التيجاني) لم يعرف الكذب مهما كان لونه،فالشيوعي الحق لا يكذب لأنه واثق من امتلاك المستقبل،ولأن الصدق مفتاح كل الفضائل الاخري.
ومن مفارقات السودان الذي ضحك فيه القدر،حدوث أغرب عملية مقايضة في تاريخه.فقد أخذ(الاسلاميون)من الشيوعيون طريقة تنظيمهم الحديدي،واعطوهم اخلاق سلفهم الصالح من المسلمين.لذلك،نجد عند(التيجاني)ورفاقه،الصدق والعفة،ونظافة اليد،والاستعداد للتضحية والفداء،وايثار عمر بن الخطاب. أما(الاسلامويون)فهم يكذبون كما يتنفسون،ويدلسون،ويأكلون مال النبي(ليس مجازا بل حقيقية:هيئة الحج والعمرة). يصنفه البعض ومن بينهم رفاق له بخبث،كشيوعي اصولي.ولكنه في حقيقته شيوعي أصيل،والفرق كبير بين الجمود،وبين الإمساك بالجمرة.فقد وهب عقيدته عمرا كاملا، أكثر من ستة عقود؛فلابد من حدوث التماهي بين الاثنين:الحياة والفكرة.ويخفف كثيرون تقييمهم للشخصية بخبث أنعم بالصاق صفة"زول صعب" للتقليل من مكارم الالتزام الصارم.وكلمة "صعب" من قاموس اللؤم والخبث السوداني.فقد يراد بها"- متزمت أو مغلق أو عدائي أو بخيل أو متعصب أو شرس أو محرج.وكل هذه الصفات ليست لها أدني صلة باخلاق وقيم،نجح لئام وخبثاء الافندية داخل وخارج الحزب،في الصاق صفة\"صعب" بالتيجاني،رغم أنه هين تستخفه بسمة الطفل،لمن حرص علي معرفة دواخله.وقد عرفت تلك الصفة ليس في الندوات ومن الكتابة.ولكن من صداقته لمظفر وخالد وبشري،والذين لا يبدأ أي عيد عندهم قبل أن يباركوا لعم التيجاني العيد.طقس يتوقعه ولا يفرطون فيه،وكأنه تميمة لفرحهم بالعيد.فقد يكون صعبا كفولاذ تصعب أن تثنيه عن المبادئ والقيم التي لا تهاون ومساومة فيها مثل الصدق والحزب والاشتراكية؛وما عداها فيه نظر. يسهل (التيجاني)علي الباحث مهمته في اثبات وجود المثقف العضوي(غرامشي)والمثقف الكوني- التاوي،فالأول معروف لدينا وهو الذي يعبر ويندمج في طموحات شعبه وطبقاته الفقيرة،ويناضل من اجلها خلافا عن المثقف التقليدي الذي يعبر عن طبقات غير صاعدة.وهذا هو الرجل منذ نهاية اربعينيات القرن الماضي؛وامثال هذا موجود.ولمنه اكمل عظمته، وشموخه، وتميزه،بتحوله الي مثقف كوني أو تاوي/طاوي.فقد اراد أن يكمل جدارته الحزبية والسياسية باخرى اخلاقية وانسانية.ويقدم(هادي العلوى) تعريفا رائعا للمثقف الكوني أو التاوي،بأنه ذلك الإنسان الذي يتخلي الخساسات الثلاث:الطمع في المال،والجنس،والشهرة مع السلطة.وقد صدق فهذه الخساسات هي سبب الرذائل كلها،لأن الطريق اليها يمر بالجبن،والكذب،وقبول الهوان.ولم تكبل (التيجاني)الخساسات الثلاث.فهو لم يسعي لامتلاك المال،لأنه يدرك أن المال هو الذي يملك المرء حين يحفظه ويحرسه،ويلهث خلفه.وهو مع زواجه الاسري،تزوج الشيوعية زواجا كاثوليكيا بلا فكاك،ولم يترك الحزب في قلبه مكانا لغرام أوعشق أخر.أما الخساسة الثالثة فلا تقرب من عاش تحت الأرض سنوات اكثر من التي عاشها علي ظهرها علنا.وقد كان حسن الحظ،إذ لم يكن له ملف أو فائل في أي مؤسسة حكومية أو خاصة للعلاوات والترقيات عدا ملف الأجهزة الأمنية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: وصية تولستوي

العمودالثامن: عندما يسخر البرلمان من العراقيين

العمودالثامن: نزاهة صينية واخرى عراقية

"حركة تشرين" وأثرها في العراق

"الفوهرر" و"الدوتشي" و"القائد الضرورة"، وتحويل البدعة إلى لاهوت

العمودالثامن: نزاهة صينية واخرى عراقية

 علي حسين مدهش هذا الوطن، نادراً ما تجد فيه هذه الأيام مسؤولاً أو سياسياً لا يسرق، أو يرتشي، بل ونادراً ما تجد فيه حزباً أو تنظيماً تواضع ودخل العملية السياسية من أجل الخدمة...
علي حسين

قناطر: ما تسلبك الريحُ.. ما يتبقى منك

طالب عبد العزيز تسلبك الريحُ الشرقيّة الرطبة متعتك بأوّل الخريف، وبالزهر الذي تفتق توّاً على خاصرة السِّياج، ظلت تغرف من البحر ما شاء لها الى الطاولة، حيث تجلس، تشاركك فنجان القهوة، فيصبح مالحاً، وتحتلُّ...
طالب عبد العزيز

التيجاني الطيب: مسؤول شيوعي وشيوعي مسؤول

د. حيدر ابراهيم علي حين يكتب صحفي في تصريح من التيجاني الطيب:صرح مسؤول في الحزب الشيوعي أو صرح مسؤول شيوعي؛يمتلكني الغضب الشديد. واسخط علي عدم جودة صياغته،لأنه في هذه الحالة عليه أن يكتب:صرح شيوعي...
د. حيدر ابراهيم علي

لا ضربة "قاضية" حتى الآن.. و"النزال" قد يحسم بالنقاط!

محمد علي الحيدري تكثفت في الأيام القليلة الماضية الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة الأميركية كمالا هاريس نائبة الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، ودونالد ترامب الرئيس الجمهوري السابق.وتشير لوحة هذا النزال الانتخابي الشرس إلى أن أياً...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram