خاص/ المدى
يبدو أن 1 تشرين الأول، ليس يوماً عادياً لفئة كبيرة من العراقيين، كونه ذكرى أكبر انتفاضة شعبية ضد النظام السياسي بعد العام 2003 والتي اسفرت عن سقوط الحكومة حينها.
المختلف في حراك تشرين 2019، هو أنه لم يكن بدعوة من أية جهة سياسية، أو حتى من المعارضين المدنيين التقليديين الذين قادوا تظاهرات في السابق، وبدأت في مركز العاصمة بغداد بساحة التحرير ومن ثم توسعت في باقي المحافظات العراقية.
المتظاهرون خرجوا حينها للمطالبة بخدمات منها التعيينات والخدمات ومكافحة الفساد، لكن قوات مكافحة الشغب العراقية تعاملت مع التظاهرات بـ"عنف كبير" وفق تقارير حقوقية وشهادات، وقتل أكثر من 100 شخص خلال الأيام العشرة الأولى من التظاهرات فيما أصيب 4 آلاف.
"علامة فارقة في تاريخ العراق"
ويقول الأمين العام لحزب البيت الوطني المنبثق عن احتجاجات تشرين 2019، حسين الغرابي في حديث لـ(المدى): "نستذكر اليوم الذكرى الخامسة لاحتجاجات تشرين، العلامة الفارقة في تاريخ الشعب العراقي".
وأضاف الغرابي، أن "تشرين، كانت ثورة اجتماعية قبل ان تكون سياسية، وساهمت بإعلاء الكلمة الوطنية العليا"، مبينا أن "ثورة تشرين افرزت احزاباً تنادي بوحدة الامة العراقية، اسقطت حكومة المحاصصة حينها وساهمت بتغيير مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات فضلا عن مجالس المحافظات".
وأشار الأمين العام لحزب البيت الوطني الى، أن "ثورة تشرين كانت وما زالت تطالب بالقضاء على السلاح المنفلت الذي يستخدم خارج نطاق الدولة، وكذلك نادت بإنهاء الإفلات من العقاب".
واكد الغرابي، أن "ثورة تشرين مستمرة بأهدافها وشخوصها ومنهجها الذي رسمه شبابها بدمائهم"، مبينا ان "الحكومات المتعاقبة لم تساهم بكشف قتلة المتظاهرين لغاية اليوم".
ولفت الى، أن "الجرائم التي حدثت ضد محتجي تشرين لا يمكن ان تسقط بالتقادم"، مشيرا الى أن "قوات حكومية قمعت المتظاهرين خلال ثورة تشرين في بغداد والنجف وذي قار".
السلاح المنفلت يمنع بناء الدولة
من جهته، يقول مسلم عماد وهو أحد المشاركين في مظاهرات تشرين عندما كان المحتجون تحت مرمى النيران لـ(المدى)، إن "الارادة والعزيمة مازالت موجودة عند الكثيرين من المتظاهرين، وما زلنا متمسكين بمطالبنا وعلى رأسها كشف قتلة المتظاهرين".
ورأى عماد، انه "من الصعب حدوث تغيير حقيقي في العراق بوجود السلاح المنفلت، والمال السياسي، إذ ان بناء الدولة في العراق، وتجذر الأحزاب الحاكمة في مفاصل الدولة يحول دون التغيير الذي طمح له المتظاهرون".
الحكومات المتعاقبة تقاعست عن تحقيق العدالة
من جانبها، قالت منظمة العفو الدولية إن "الحكومات العراقية المتعاقبة تقاعست عن ضمان تحقيق العدالة، والكشف عن الحقيقة، وتقديم التعويضات بشأن حملة القمع المميتة التي استهدفت تظاهرات تشرين عام 2019، وأسفرت عن مقتل واختفاء المئات من المتظاهرين وإصابة آلاف آخرين بجروح".
جاء ذلك في تقرير جديد أصدرته المنظمة تزامناً مع حلول الذكرى السنوية الخامسة للمظاهرات التي اندلعت في طول البلاد وعرضها، وشارك فيها مئات الآلاف من العراقيين مطالبين بإصلاحات اقتصادية، ووضع حد للفساد المستشري في البلاد.
وقالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: إن "الذكرى السنوية الخامسة لتظاهرات تشرين التي عمت أنحاء البلاد هي تذكير صارخ باستمرار مناخ الإفلات المستحكم من العقاب، والمصحوب بافتقار السلطات العراقية للإرادة السياسية لتحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة، وتقديم التعويضات للضحايا والناجين وذويهم عما ارتكبته قوات الأمن والفصائل التابعة لها من جرائم يشملها القانون الدولي، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أثناء المظاهرات وفي أعقابها".
وأضافت مجذوب قائلةً: "يجب على السلطات العراقية اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة وشفافة، تشمل من خططوا أو أمروا بارتكاب الجرائم منذ عام 2019 بحق المتظاهرين، والنشطاء، وعائلاتهم، فضلًا عن ضمان الحماية للشهود والعائلات التي تناضل من أجل تحقيق العدالة".
ويتعين على السلطات إنشاء قاعدة بيانات وطنية لتقديم بيانات موثوقة عن هوية المختفين، وفقًا لتوصيات لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، والتحقق من أن مشروع القانون المعني بحالات الاختفاء القسري، الماثل حاليًا أمام مجلس النواب، يتوافق مع القانون الدولي والمعايير الدولية، ويجب على أعضاء المجتمع الدولي أيضًا السعي لإجراء تحقيقات جنائية بشأن الجرائم التي ارتكبتها السلطات العراقية عملًا بمبدأ الولاية القضائية العالمية.
نواب يستذكرون
هذا واستذكر برلمانيون، أمس الثلاثاء، الذكرى الخامسة لانطلاق الانتفاضة، مؤكدين على ضرورة تشريع قانون للاحتجاجات السلمية.
وقال رئيس كتلة "أنا العراق" النيابية حيدر السلامي، خلال مؤتمر صحفي عقده بمعية نواب عن كتلته، "نستذكر اليوم، الذكرى السنوية الخامسة لثورة تشرين العظيمة، التي انطلقت في الأول من تشرين الأول لعام 2019، احتجاجاً على تفشي الفساد وسوء الخدمات وتردي الواقع الاقتصادي، وانحسار فرص العمل، وغياب العدالة الاجتماعية".
وأشار السلامي إلى أن ثورة تشرين كانت وما زالت مؤمنة بالنظام الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، حاملة لمشروع التغيير المتمثل في تصحيح المسار الذي انتهج دكتاتورية التفرد بالقرار، والتي تُعد سابقة خطيرة في النظم الديمقراطية.
ولفت إلى أن المشاهد المريرة التي شهدتها البلاد، حيث مارست آلة القتل ضد الشباب المحتج، لا تزال حاضرة في الذاكرة، إذ واجه المتظاهرون القمع بكل سلمية، رافعين العلم العراقي تعبيراً عن ولائهم لبلادهم. وأوضح أن السلطة آنذاك وقفت عاجزة عن حماية المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط أكثر من 800 شهيد، والآلاف من المصابين والمعاقين، وما يزال العديد من المغيبين مجهولي المصير حتى يومنا هذا. وأشار إلى أن الأمهات فقدن أبنائهن، وترملت النساء، ويتيم الأطفال، وما يزال الإفلات من العقاب هو سيد الموقف، حيث إن المجرمين والقتلة لا يزالون طلقاء وعلى مرأى ومسمع السلطات المتعاقبة منذ اندلاع الاحتجاجات في عام 2019.
وكرر السلامي مطلبه بضرورة أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها الكاملة في ملاحقة قتلة الشباب، وإنزال العقاب العادل بحقهم.
وأكد مجدداً على ضرورة تشريع قانون للاحتجاجات السلمية، يسهم في حماية العراقيين من ممارسة حقهم الدستوري في الاحتجاج السلمي، ويمنع كل من تسول له نفسه قمع وقتل المتظاهرين.
وأضاف أن التاريخ العراقي حافل بثورات واحتجاجات الشعب ضد الفاسدين والعابثين بمقدرات البلاد، محذراً من مغبة عدم مراعاة الله في إدارة البلاد بما يؤمن العيش الكريم لجميع العراقيين بعيداً عن الأجندات الخارجية والمصالح الحزبية والشخصية.
كما حذر كل من بيده السلطة من مغبة انطلاق احتجاجات أخرى لا تُحمد عقباها.
الى ذلك، أكد المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أنه بعد مرور 5 أعوام على انطلاق احتجاجات "تشرين" الشعبية في العراق، التي راح ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى، لا يزال الجناة بلا عقاب، فيما لم يتم إنصاف المتضررين.
وعبر المرصد بمناسبة الذكرى الخامسة على انطلاق احتجاجات "تشرين"، عن استياء وأسى نتيجة استمرار غياب العدالة لضحايا الاحتجاجات، ومحاسبة الجناة.
ما الذي حققته تشرين؟
يشار الى إن أبرز ما تحقق منذ انطلاق تظاهرات تشرين عام 2019 يمكن تلخيصه بالتالي:
أولاً: استقالة حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي.
ثانياً: إقرار قانون الانتخاب وفق نظام الدوائر المتعددة.
ثالثاً: إقرار قانون مفوضية الانتخابات، وتغيير أعضاء المفوضية.
رابعاً: تحديد موعد لانتخابات مبكرة في حزيران 2021
خامساً: تشريع عدد من القوانين المهمة التي تخدم المواطن.
سادساً: إصدار أوامر إدارية بتعيين عدد كبير من خريجي الكليات.
سابعاً: إعادة المفسوخة عقودهم من منتسبي وزارة الدفاع والداخلية والحشد الشعبي.
ثامناً: إجراء تغييرات في عدد من القيادات الأمنية
تاسعاً: إجراءات تغييرات إدارية في عدد من المواقع العليا في الدولة.
عاشراً: إطلاق عمليات فعليه لمحاربة الفساد والسيطرة على المنافذ الحدودية.
حادي عشر: إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في تشرين الأول العام 2021.
وشهد العراق في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019 انطلاق تظاهرات متفرقة في عدد من مناطق بغداد لأعداد محدودة من الشباب يقومون بقطع الطرق بالإطارات المشتعلة وكانت القوات الأمنية تقوم بتفريقهم، وتركزت في شرقي العاصمة واستمرت من أول الشهر حتى اليوم العاشر منه قبل أن تتوقف بناء على دعوة من المرجعية الدينية العليا في النجف لإتمام مراسم الزيارة الأربعينية التي تزامنت في ذلك.
وبعد انتهاء مراسم الزيارة الأربعينية في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، عادت الاحتجاجات بقوة كبيرة وتمركزت في ساحة التحرير وسط بغداد وفي ساحات وأماكن أخرى في المحافظات الوسطى والجنوبية. وشهدت التظاهرات في بغداد محاولات لاقتحام المنطقة الخضراء ومقرات الحكومات المحلية في بعض المحافظات، كما تم تعطيل الدوام في المدارس والجامعات وإغلاق العديد من الدوائر والمؤسسات الحكومية من قبل المتظاهرين.
وحصلت صدامات بين المتظاهرين والقوات الأمنية أسفرت عن قتل وجرحى في صفوف قوات الأمن فيمات تضاربت الأرقام حول المتظاهرين حيث تم إحصاء المئات من القتلى وآلاف الجرحى في صفوفهم.
وحظيت التظاهرات باهتمام دولي واسع من قبل وسائل الإعلام والمنظمات الدولية وبعض الحكومات التي أصدر سفرائها في العراق بيانات استنكار لسقوط الضحايا.