متابعة المدى
بمناسبة صدور كتاب للكاتب الدكتور المهندس اسعد الاسدي (المدينة وعلاماتها) اقام اتحاد الادباء في البصرة جلسة تحدث فيها عدد من المعنيين بالثقافة عن الكتاب وإضافة الى المحتفى به، منهم: القاص محمد خضير والناقد التشكيلي خالد خضير الصالحي والدكتور محمد عطوان وغيرهم..
اتخذ د. اسعد الاسدي موقفا وسطا بين المقاربة الشعرية التي لخصنا بنيتها في: المكان المتناهي في الكبر الذي يمنح إحساسا بـ(القداسة) والاندهاش والاتساع واللامتناهي، وبين المتناهي في الصغر الذي يمنح إحساسا بـ(الدهشة).. وبين المكان المعيش (اليومي)، بأمكنته الاليفة (الحميمة) التي اسرف غاستون باشلار في الحديث عنها، وامكنته العدائية، ونعد تصنيفنا هذا صالحا ومتواشجا مع الرسم التشكيلي والفوتوغراف والسينما، عبر (اللقطة) وقوانينها، في: اللقطات المفتوحة، واللقطات المغلقة، او في تقسيم (لوي جانيه) في كتابه (فهم السينما) ومزاوجته زاوية الالتقاط بعناصر المكان، بحجم الموضوع وموقعه في اللقطة: اللقطة البعيدة جدا، اللقطة البعيدة، اللقطة الكاملة، اللقطة المتوسطة، اللقطة الكبيرة التي تعمد الى تكبير الشيء مرات عديدة باعتباره براينا نمطا من المتناهي في الصغر، اللقطة الكبيرة جدا، اللقطة ذات البعد البؤري العميق.
والمقاربة المادية حينما يصنف الناقد هربرت ريد (احساسه) بالمكان بطريقة (مادية)، تنطلق من التفكير بالحجوم (الأشكال)، وبالمادة والفراغ الكامن في ثناياها، فهؤلاء الشكلانيون يفكرون باعتبار ان "الكتلة فراغ صلب"، ليكون "الفراغ كتلة فارغة"، ويقدم هربرت ريد مثالين مهمين عن أولوية الكتلة والفراغ في العمارة: فمن المهم أن نتصور الكاتدرائية عددا من الجدران تضم فراغا ينبغي النظر اليه من الداخل، ولكن العمارة المتشكلة من عدد من الأسطح تحدد كتلة معينة فينبغي النظر اليها من الخارج، واهمها (المعبد الأغريقي) الذي يسعى جاهدا ليتجنب الاحساس بالفراغ أو الخواء، بينما كان المهندس القوطى يسعى لخلق انطباعا بالفراغ الذى لا تحده مادة، فكان الاثنان معا يفكران بالفراغ والكتلة، بطريقة منفصلة، تم توحيدهما عند (زها حديد) حيث يجتمعان في كتلة موحدة واحدة.
يعتبر الموقف الوسط لاسعد الاسدي (طزاجة) الإحساس في مقاربة المكان هي الأساس؛ لذلك هو ينطلق ويؤسس رؤيته من خلال ثنائية (الصلابة/الهشاشة) لتحديد تعبيرية الأمكنة في المعمار الحديث، وان معمارية المكان عند د. اسعد الاسدي تأخذ بعدا ملمسيا كالذي عند (بيونغ شول هان) في كتابه (خلاص الجمال) الذي أراد فيه ان يجعل (النعومة/الخشونة) مقاربة جمالية للعصر الحديث، بدءا من نعومة أجساد النساء الى نعومة الهواتف الذكية، لتتحول (صلابة) المادة الى وجود ملموس حي، ويتحول الفراغ الى (روح موحشة) او(هشاشة روحية)، رغم ان كليهما يعدان وجودا (ماديا) محسوسا فعنده (6):"الفضاء اعلى المدينة غامر، غير متناه. رصاص ثقيل عصي على الاختراق. يضغط على جسد مدينة محبوسة قريبا من الارض"، حيث يقسم د. الاسدي العمارة الى: مكان (صلب)، ومكان (هش).
وينجح العيداني في تحقيق مزاوجة مهمة بين المكان/اللقطة وبين المادة/الفراغ، بل ان المدينة عنده متشكلة من طبقتين (مادية) و(روحية): "لا تخلو المدينة (ويعني به الوجود المادي لها)، من المدينة (الوجود الروحي)" (5)، ويطلق حسرة (ص8) "ان المدينة تغفل الفراغ فيها"، وان هذا "الفراغ مزرعة المدينة"، رغم بقاء توجهه في مقاربة المدينة توجه مهندس تحكمه علاقات الفراغ والمادة.
د. أسعد الأسدي يتحدث عن المدينة وعلاماتها
نشر في: 6 أكتوبر, 2024: 12:01 ص