TOP

جريدة المدى > سياسية > الفجوة بين التعليم وسوق العمل في العراق: خريجون بلا مهارات عملية

الفجوة بين التعليم وسوق العمل في العراق: خريجون بلا مهارات عملية

نشر في: 6 أكتوبر, 2024: 12:08 ص

 أربيل / جنان قاسم

تُعد الفجوة المتزايدة بين التعليم الجامعي واحتياجات سوق العمل إحدى القضايا الجوهرية التي تعرقل الشباب العراقي من تحقيق طموحاتهم المهنية. يواجه الخريجون الجدد تحديات كبيرة في الاندماج بسوق العمل، حيث يجدون أنفسهم غير مؤهلين بالمهارات العملية التي تتطلبها الوظائف الحديثة. ومع تضخم عدد الخريجين سنويًا، تتفاقم معدلات البطالة، لتصبح عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا يعاني منه العراق.
وفقًا لإحصاءات وزارة التخطيط، يتخرج مئات الآلاف من الطلبة سنويًا، فيما يبلغ معدل البطالة 16.5% في عموم العراق، مع تفاوت النسبة بين الجنسين، حيث تصل إلى حوالي 12 إلى 13% للرجال، وتتجاوز 20% بين النساء. كما ترتفع معدلات البطالة في المناطق الريفية مقارنة بالمدن، مما يضيف أعباء إضافية على الشباب الباحثين عن العمل.
وفي موازنة عام 2024، خلت الموازنة من الدرجات الوظيفية، مما يعني أن الخريجين الجدد، بالإضافة إلى العاطلين عن العمل من السنوات السابقة، يواجهون مستقبلاً قاتماً في ظل تعطيل القطاع الخاص لتوفير فرص العمل.
وفقًا لإحصاءات وزارة التخطيط لعام 2022، بلغ معدل البطالة بين الشباب العراقي 27.2%. هذا التحدي يتزامن مع شكاوى متزايدة من أرباب العمل الذين يجدون أنفسهم مضطرين لتدريب الخريجين الجدد على المهارات العملية التي كان من المفترض أن يكتسبوها خلال سنوات الدراسة الجامعية. غياب التحديث في المناهج التعليمية والتأهيل العملي يظل العائق الأساسي في ردم هذه الفجوة.

فجوة كبيرة
تقول الدكتورة غفران العميري، أستاذة في كلية التربية بجامعة واسط: «المناهج التي تُدرس في الجامعات العراقية لا تواكب التطور السريع الذي يشهده العالم. نحن نركز على الجانب النظري بشكل كبير دون توفير فرص كافية للطلاب لاكتساب المهارات العملية المطلوبة في السوق». وتشير إلى أن اعتماد الجامعات على الطرق التقليدية في التعليم دون إدماج تقنيات العصر والتدريب العملي يؤدي إلى تخريج طلاب غير مؤهلين بشكل كافٍ لسوق العمل. وتضيف العميري: «العالم اليوم يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا والمهارات العملية التي يجب أن تتوافر لدى الخريجين الجدد، ولكن للأسف، تفتقر مناهجنا لهذه العناصر الأساسية». وتشدد على أهمية تحديث النظام التعليمي ليشمل مساقات تدريبية تعزز من خبرات الطلاب في بيئات عملية حقيقية.

تجربة شخصية
علي خلدون، خريج هندسة الحاسبات من جامعة بغداد، يروي قصته التي تُظهر بوضوح حجم الفجوة بين التعليم الجامعي وسوق العمل. يقول علي: «حين تخرجت، كنت أعتقد أنني جاهز للانخراط في سوق العمل. درجاتي كانت عالية واعتقدت أنني أمتلك كل ما يلزم. لكنني اكتشفت بسرعة أن الشركات تبحث عن مهارات عملية لم أتعلمها في الجامعة».
وأضاف: «المناهج التي درستها كانت تركز على الجوانب النظرية فقط، دون تدريب عملي كافٍ. الشركات التي تقدمت إليها كانت تطلب مهارات تقنية متقدمة في برامج مثل Python وSQL، وهي تقنيات لم نتعلمها بعمق في الجامعة». تجربة علي تعكس واقع العديد من الخريجين الجدد في العراق الذين يواجهون صعوبات مشابهة.

رأي أصحاب العمل
في مقابلة مع (المدى)، أكد رائد الصالحي، مدير شركة لاستيراد وتوزيع الإلكترونيات في بغداد، أن شركته تواجه صعوبات كبيرة عند توظيف الخريجين الجدد. يقول الصالحي: «معظم الخريجين الذين نقابلهم يمتلكون خلفيات أكاديمية جيدة، لكنهم يفتقرون إلى المهارات العملية اللازمة للاندماج فورًا في سوق العمل. نضطر إلى تخصيص موارد إضافية لتدريبهم، وهو ما يشكل عبئًا على الشركات».
ويرى الصالحي أن الحل يكمن في «التعاون بين الجامعات والشركات لوضع مناهج دراسية تتماشى مع متطلبات السوق. الشركات لديها معرفة عميقة بما تحتاجه من مهارات، وإذا تم إشراكها في تصميم المناهج، سيكون الخريجون أكثر استعدادًا لسوق العمل».

الحاجة للتوجيه المهني
من جانبه، يرى الناشط المدني حمزة الشمري أن مشكلة الفجوة بين التعليم وسوق العمل تتجاوز الجوانب الأكاديمية لتشمل نقص التوجيه المهني الذي يُقدَّم للطلاب. يقول الشمري لـ(المدى): «كثير من الشباب يتخرجون دون أن يكون لديهم تصور واضح عن المسارات المهنية المتاحة لهم. هناك حاجة ملحة لإدخال برامج توجيه مهني تساعد الطلاب على فهم احتياجات السوق وكيفية تطوير مهاراتهم لمواكبة هذه الاحتياجات».
ويُشدد الشمري على ضرورة تدخل الحكومة لتوفير منصات تدريبية تساعد الشباب على اكتساب الخبرات العملية أثناء الدراسة، مؤكدًا أن «التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص هو المفتاح لسد هذه الفجوة».

التدريب العملي والتكنولوجيا
تُشدد الدكتورة غفران العميري على أن حل المشكلة يتطلب إدخال إصلاحات جذرية في النظام التعليمي، مشيرة إلى أن «الجامعات يجب أن تقدم ورش تدريبية تدمج الطلاب في بيئات العمل الحقيقية، إضافة إلى اعتماد التكنولوجيا كأداة تعليمية رئيسية. يجب أن يكون هناك تعاون أكبر بين المؤسسات الأكاديمية والشركات لتوفير فرص تدريب عملي تُعِدُّ الطلاب بشكل أفضل لسوق العمل».
وتؤكد العميري على ضرورة مواكبة التعليم للتطور التكنولوجي السريع، حيث أصبح الاعتماد على التكنولوجيا في معظم القطاعات أمرًا حتميًا. «الطلاب بحاجة إلى تعلم كيفية التعامل مع البرمجيات الحديثة والتطبيقات التقنية المتقدمة ليكونوا مؤهلين للوظائف المتاحة».

شراكات فعالة
في ظل التحديات التي يواجهها الخريجون، يظهر أن الحاجة إلى شراكات فعالة بين القطاعين الأكاديمي والاقتصادي باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. يُوصي رائد الصالحي بإدخال برامج تدريبية في المؤسسات التعليمية كجزء من المناهج الأساسية. ويضيف: «يجب على الجامعات أن تدرك أن السوق يحتاج إلى أكثر من المعرفة النظرية؛ يحتاج إلى مهارات عملية تُمكِّن الخريجين من الدخول إلى سوق العمل بثقة وكفاءة».
بدوره، يشير الناشط المدني حمزة الشمري إلى أن هذا النوع من الشراكات يمكن أن يُحدث تحولًا حقيقيًا في مستقبل التعليم وسوق العمل. ويقول: «إذا تم تأسيس شراكات دائمة بين الجامعات والشركات، يمكننا أن نخلق جيلًا من الشباب القادرين على تلبية احتياجات السوق، وهذا بدوره سيساهم في تقليص معدلات البطالة وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

بغداد تتلقى طلباً أمريكياً بـ
سياسية

بغداد تتلقى طلباً أمريكياً بـ"حل الحشد".. و"الإطار" يناور

بغداد/ تميم الحسن عندما دعا مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري المعتكف عن السياسة منذ أكثر من عامين، إلى "دمج الحشد" في عام 2017 - وهو مطلب كرره لاحقًا عدة مرات - وُصف حينها مطلبه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram