المدى/تبارك المجيد
كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق، وتبين لنا أن هناك قناصين يستهدفوننا بقوة، كان الهجوم شديدًا، مما أجبرنا على التراجع إلى الخلف نحو وزارة النفط والمخازن القريبة من الجامع، يقول علي القيسي، ناشط سياسي وأحد المحتجين في انتفاضة تشرين، وهو يتذكر حدث تعرضه لرصاص ناري.
ظاهرة السلاح المنفلت
تابع بوصف المشهد لـ (المدى): "وسط الفوضى، شعرت بألم حاد في جسدي وسرعان ما أدركت أنني أصبت برصاصة، لم أستطع تحمل الألم، فأغمي عليّ ونُقلت إلى مكان آخر، الليل كان قد حل، وحين وصلنا إلى مستشفى الكندي، كانت الأوضاع في غاية الفوضى، حيث كانت القوات الأمنية تعتقل المصابين.
"داخل المستشفى، حاول بعض الأشخاص إدخالي للعلاج، لكنني كنت خارج إطار الدولة، مما جعل عملية إسعافي محفوفة بالأخطار. الأهالي كانوا في البداية يمنعون المصابين من الدخول، بسبب خوفهم من الوضع الأمني، فيما كان الحراس وقوات الأمن يحاولون السيطرة على المكان ومنع أي أحد من الاقتراب".
"في تلك اللحظات العصيبة، كان هناك عدد كبير من الإصابات والشهداء. المستشفى كانت تغص بالجرحى، والأسرة امتلأت بمن يعانون جراحهم. كان اليوم كله مأساويًا ودمويًا، ومشهد المصابين والشهداء كان مرعبًا لدرجة لا يمكن نسيانه. كانت تلك الليلة واحدة من أكثر الليالي وحشية التي مررت بها، حيث اختلطت فيها الدماء بالدموع والآلام".
ضعف الدولة أم تأثيرات خارجية؟
لا توجد حكومة عراقية لم تحمل شعار "حصر السلاح بيد الدولة" منذ عام 2003. حكومة نوري المالكي، حيدر العبادي، وحتى حكومة عادل عبد المهدي، جميعها أعلنت عزمها على حصر السلاح. خلال فترة تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء، أعلنت وزارة الداخلية آنذاك عدم وجود أي استثناءات في قرار حصر السلاح، وأكدت أنها وحدها المخولة بحمل السلاح، وأن أي جهة أخرى تحمل السلاح دون تخويل ستُصادر أسلحتها. ومع ذلك، لم يتم مصادرة أي سلاح من الميليشيات أو العصابات المنظمة.
ثم جاءت حكومة السوداني لتجدد رفضها من وجود أي قوة مسلحة خارج إطار الدولة، وتعزم وفقاً لما تقول بأعلامها على حصر السلاح بيد الدولة هذه المرة، وأطلقت مشروعها في عام 2023، تضمن خطة إستراتيجية لحصر السلاح وضعتها وزارة الداخلية التي دعت إلى تسجيل الأسلحة الخفيفة في مراكز الشرطة، أو التقديم عبر موقع اور.
تنشر المواقع الرسمية مقاطع فديو وصوراً تتعلق بالحملة، وبالحديث عن التخصيصات المالية والآلية الفنية لتسجيل السلاح، تحدثت (المدى)، مع المتحدث باسم اللجنة الوطنية الدائمة لتنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة، العميد زياد القيسي، وقال إن "وزارة الداخلية والحكومة العراقية تعملان بجدية على تنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة، وذلك من خلال لجنة تشكلت بأمر ديواني رقم 52 لسنة 2021".
وأوضح القيسي "وجود آلية فنية وُضِعت لمبادرة حصر السلاح، تشمل مجموعة من الإجراءات المهمة، من بينها؛ إنشاء بنك معلومات شامل عن الأسلحة الموجودة في الدوائر الرسمية والمواطنين، والخطوة الأخرى تسجيل الأسلحة الشخصية كحيازة للمواطنين". وأكد القيسي، أن "من حق المواطن امتلاك سلاح شخصي واحد في المنزل، ويمكن التقديم عبر بوابة إلكترونية للتسجيل، بالإضافة إلى فتح 697 مكتباً لتنظيم هذه العملية".
وأشار القيسي، إلى أن "الأسلحة المشمولة بالتسجيل هي البنادق، وبنادق الصيد، والمسدسات"، كما أعلن خطوة أخرى تتعلق بشراء السلاح من المواطنين، حيث سيتم شراء الأسلحة المتوسطة مثل (بيكيسي، آر بي كي)، وقد خصصت وزارة الداخلية مبلغ مليار دينار لكل قيادة لهذا الغرض، على أن تنتهي مهلة المهمتان في 31-12-2024"، وحذر من مصادرة السلاح وإحالة من لم يسجل سلاحه بعد انتهاء المهملة وفق الضوابط والقوانين".
وشدد القيسي، على أن "الدولة عازمة على حصر السلاح بيدها بالتنسيق مع شيوخ العشائر، ووجهاء المجتمع، ورجال الدين، والمثقفين، وأساتذة الجامعات، والمجتمع العراقي"، مشيراً إلى "الدعم الإيجابي الذي يقدمه هؤلاء الفاعلون للقوات الأمنية".
وعن النتائج الأولية، قال: "حتى الآن، سُجِّل أكثر من 3000 سلاح شخصي كحيازة منزلية، بينما لم يتم صرف أي أموال لشراء الأسلحة من المواطنين بعد، لكن الأمور الإدارية اُسْتُكْمِلت، ومن المتوقع بدء عمليات الشراء قريباً". ولم يحدد القيسي موعد البدء بهذه الخطوة بتاريخ دقيق.
وبالحديث عن تجارة السلاح المستمرة، بين أن "وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية تراقب هذا الشأن"، فيما نفى وجود أي "تراخيص جديدة لفتح محال بيع الأسلحة، وهناك تضييقاً على تجار السلاح ودخوله إلى البلاد بطرق غير قانونية".
ويرى القيسي، أن "هناك تحسنا ملحوظا في الوضع الأمني في البلاد منذ عام 2006، حيث أصبح المواطنون قادرين على التجول بحرية على مدار 24 ساعة".
واختتم حديثهُ بالتأكيد على "وجود سياسة تنسيقية عالية مع وجهاء وشيوخ العشائر ورجال الدين، ومع الحكومة العراقية، وكل الكتل السياسية، مشيراً إلى أن "الجميع ملتفون على نحو إيجابي حول الحكومة في مبادرة تنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة".
مبادرات حصر السلاح
يعلق اللواء ركن المتقاعد عماد علو، وهو باحث في الشأن العسكري والإستراتيجي، على حملات حصر السلاح بيد الدولة، قائلاً إن “جميع الحكومات السابقة أطلقت مبادرات تهدف وفق تصريحاتها إلى "حصر السلاح بيد الدولة"، إلا أنها لم تسفر عن أي نتائج "حقيقية وملموسة"، ورجع خلال حديثه مع (المدى) أسباب عدم نجاح الحكومات بحصر السلاح، إلى "وجود أغطية سياسية لفصائل مسلحة أو عند العشائر".
أوضح، أن "هذه القضية تدخل في إطار الصراعات السياسية، ولها يد في الاستحواذ على المناصب والمكاسب في الدولة العراقية، كما تمتلك بعض الجهات السلاح بفضل الأغطية سياسية، وأحياناً دعم من قبل الأجهزة الرسمية".
وطرح علو تساؤلاً يملك بعض الإجابة منهُ: “هل ما أعلن من إجراءات لحصر السلاح، وتسجيله ودفع مبالغ، إجراءً صحيحاً؟ ويضيف، أن "هذه المبادرة تذهب بالاتجاه الصحيح، إلا ان الجهات المنفذة لبرنامج حصر السلاح ليست بالمستوى المطلوب أو قادرة على تحقيق خارطة الطريق الموضوعة من قبل المؤتمر الذي عُقد نهاية 2023 في مقر وزارة الداخلية، وتناول الحديث عن مبادرة الحكومة بحصر السلاح".
وحدد علو وزارتي الداخلية والدفاع كجهات مكلفة وتطبيق البرامج والخطط التي توضع من قبل وزارة الداخلية لغرض حصر السلاح بيد الدولة، وانتقد قائلا: "هذه الجهات أو التشكيلات التي تكلف عادةً غير مدربة في معاهدها أو كلياتها أو في برامجها التدريبية اليومية على حصر السلاح. هي تأتمر بأوامر قد تكون آنية أو ارتجالية لتنفيذ خطة معينة موضوعة بهذا الشكل. لذلك، مسألة حصر السلاح تحتاج إلى كوادر مدربة ببرامج معينة للتعامل مع هذا السلاح سواء من الناحية النفسية أو العسكرية أو الاجتماعية أيضًا".
وعد علو، مساءلة التركيز على سحب السلاح من المواطن العادي، "إجراءً غير منطقي، حيث الخطورة تأتي من السلاح الذي تمتلكهُ بعض العشائر والفصائل التي لا تخضع لسيطرة الحكومة وقوانينها، بالإضافة إلى تجار المخدرات والسلاح، ممن باتت تجارتهم تزدهر في البلاد على نحو ملفت"، لافتا إلى وجود صدامات عديدة تقع بين هؤلاء المافيات والجهات الأمنية.
وأضاف، أنه "يجب إعادة النظر في خارطة الطريق والاستفادة من تجارب دول الأخرى في نزع السلاح، وليس حصر، موضحاً أكثر بما يتعلق بالمصطلحين، أن "حصر السلاح مصطلح غامض، ويملك تفسيرات كثيرة، وبشكل أدق يعني احتواء أو السيطرة على السلاح بحيث يكون هناك احتمالية أن يبقى بيد الفصائل أو التنظيمات المسلحة، ولكن يكون خاضعًا لسيطرة الدولة ويأتمر بأوامرها. أما بالنسبة إلى نزع السلاح، فهو يعني سحب السلاح وأخذه من الأفراد أو الجهات التي تملكه، وإبعاده عنهم. هذه المسألة تكون أكثر فعالية من الحصر، لأن السلاح قد يبقى بيد العشائر أو الفصائل أو التنظيمات المسلحة. فهو أكثر تحديداً ومنطقية وواقعية، ويتطلب قراراً شجاعاً وإرادة سياسية". واقترح الاطلاع على "تجارب الدول التي تمكنت عبر خططها الإستراتيجية وبدعم دولي من أن تجعل السلاح في أيدي الجهات المختصة فقط. كما حصل في رواندا مثلاً، وفي دول مثل جنوب إفريقيا، ودول في أوروبا مثل يوغسلافيا التي تفككت، وهناك برامج عديدة موجودة في موقع الأمم المتحدة حول برامج نزع السلاح، بالإضافة إلى ذلك، يجب تنفيذ حملات توعية وإجراءات تهدف إلى نشر الطمأنينة بين المواطنين العزل بدلاً من زرع الخوف والقلق في نفوسهم"، وأكد أن "هذه الخطط عادة ما تحتاج إلى وقت طويل لتحقيق النجاح المطلوب".
واستدرك قائلاً: "مع مبادرة الحكومة الحالية والسابقة بحصر السلاح، إلا ان لا تزال تجارة الأسلحة غير القانونية مشكلة كبيرة تهدد أمن واستقرار العراق، حيث تستمر الأسواق والمراكز في بيع الأسلحة في مناطق شرق العاصمة وغيرها من المحافظات مستمرة، كما يتضح أن هناك تدفقاً مستمراً للأسلحة من الخارج إلى الداخل، بالإضافة إلى التجارة المحلية بين المناطق والمحافظات المختلفة".
"من الواضح أن الأجهزة الأمنية تمتلك مؤشرات ومعلومات حول هذه الأسواق، حيث إن الأسلحة التي تم القبض عليها من يد بعض العصابات التي يقعون بقبضة الداخلية، هي أسلحة حديثة، ومن مصادر خارجية، وليست من مخازن الجيش العراقي السابق عام 2003، وتتضمن أسلحة أمريكية وألمانية".
وشدد على أهمية "ضبط الحدود وتكثيف الجهد والتنسيق بين مختلف الجهات الأمنية. وتتطلب المشكلة تدخلاً شاملاً يمتد من الحدود إلى داخل البلاد، بما في ذلك مشاركة منظمات المجتمع المدني في جهود نزع السلاح".
ولفت إلى، أن "ظاهرة العسكرة لا تزال متواجدة، حيث يتفاخر العديد من المدنيين بحمل السلاح، مما يثير تساؤلات حول إمكانية حمل السلاح قانونياً. كما يلاحظ انتشار المظاهر العسكرية في نقاط التفتيش والسيطرات التي يغلب عليها الزي العسكري، مما يرسخ في أذهان الجيل الجديد أن السلاح جزء مهم من الثقافة".
الأبعاد الأمنية والاجتماعية
بحسب تقديرات غير رسمية فإن عدد السلاح المنفلت يتراوح بين 10-15 مليون قطعة، وتملك العشائر وحدها 7 ملايين قطعة، أما الأرقام الرسمية فهي شبه غائبة.
وتخضع العديد من المدن في العراق لسيطرة ميليشيات تمتلك سلاحاً خارج أطر الدولة، وتتحكم هذه الجهات بإدارة البقع الجغرافية التي تسيطر عليها، تقسيم من منطلق المحاصصة الحزبية والسياسية، وتتحكم تلك الجهات بالتقسيم الوظيفي وبالموارد المالية.
مثلاً، مدينة سامراء تخضع لإدارة احدى المليشيات الشيعية، وبالرغم من ادراجها في لائحة التراث العالمي إلى انها وضعت تحت بند الخطر بسبب تلك السيطرة غير الأمنية، ونتيجة لذلك تعجز الجهات المعنية عن إقامة مشاريع لتطوير المدينة سامراء أو حتى محاولة تفعيل القطاع السياحي فيها.
وفي منطقة الحيدرية بمحافظة النجف، أنشأت بعض الجهات المتنفذة كور طابوق على أرض زراعية متجاوز عليها، حيث تستخدم مواد ضارة بالبيئة والصحة تدخل إلى المدينة على نحو غير قانوني. هذا الوضع تسبب بارتفاع عدد الأمراض بين أبناء المدينة. وعلى الرغم من محاولات الجهات المعنية، المتمثلة بدائرة البيئة والقائمقامية وبعض القوات الأمنية، بإزالة الكور، إلا أنها فشلت، بسبب تصادمها مع العشائر التي تتعامل مع رجال الأمن وفق انتمائهم العشائري. لذلك، طالبوا مرات عديدة بتدخل جهات من خارج المحافظة لحل المشكلة.
بالإضافة إلى هذه المناطق، ذكر المحلل السياسي محمد زنكنة أن "الأهوار في الجنوب يسيطر عليها السلاح أيضًا، وهذا ما جعل اليونسكو تفكر حاليًا بإخراجها من قائمة التراث العالمي، حيث لا تستطيع الجهات المعنية بالحفاظ على الآثار من إقامة مشاريع تطويرية". وأشار إلى أن "المليشيات المسيطرة تعيق إقامة أي مشروع خدمي، بحجة فتح باب الفساد من خلال جذب النساء والشباب في هذه الأماكن، وهو ما تعده بفساد المجتمع".
أما عبدالله الذبان، شيخ وناشط سياسي، من محافظة الانبار أشار إلى أن "مناطق الوسط والجنوب من العراق تعد مراكز لانتشار السلاح غير القانوني في العراق"، ويرى ان ذلك الأمر غير خفي عن الجميع، خاصة ان هذه المناطق يطفوا عليها الطابع العشائري، كما لا تعترف بوجود الدولة".
ويلاحظ ذلك من خلال النزاعات والمشادات المسلحة التي تحدث بين حين وآخر". ويذكر لـ(المدى)، أن "العشائر تمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة تضاهي أسلحة الأجهزة الأمنية في الدولة"، ولفت إلى ان بعض الجهات والعصابات المسلحة ترتبط بشخصيات دينية وسياسية، وحتى عشائرية".
ومن منظور الذبان، فأن الحكومة لن تتمكن من نزع السلاح المنفلت، معززاً رأيه بتساؤل: “السلاح الذي لم يتم كبح جماحه بقوة الدولة والقانون، كيف سيتم نزعه مقابل مبالغ مالية؟
ويعد ان مبادرة الحكومة الحالية بتخصيص مليار لكل محافظة من أجل شراء السلاح من جهات تدعي أنها ستتمكن من أخذ السلاح منهم، ما هو إلا دليل على ضعف القانون والدولة.
وبالعودة إلى المحلل السياسي، محمد زنكنة فذكر خلال حديثه لـ(المدى)، مشيرا إلى وجود "مناوشات تقع بين الجهات الأمنية وبين جهات تسمي نفسها بـ'المقاومة'، وهي في الأصل جهات خارجة عن القانون تندرج تحت مسمى 'المليشيات'. تستغل هذه المليشيات وجود السلاح المنفلت بيدها وتهاجم قطاعات من الجيش العراقي وتخترق كافة الأجهزة الأمنية لتنفيذ أجندتها الخاصة"، مؤكدًا وجود دعم خارجي لها.
وأضاف، أن "العراق اليوم أصبح معبرًا مهمًا لتهريب السلاح وتجارته غير الشرعية، بالإضافة إلى تجارة الرقيق الأبيض وظهور الفاشينيستات، مما يهدد المجتمع بعمق.
لذلك، لا يمكن للحكومة تنفيذ مشروع حصر السلاح بوجود كافة هذه العوامل والأجندات الخارجية". ولخص زنكنة رأيه بحملة حصر السلاح، بالقول إن “الحكومة الاتحادية مهما فعلت، ومهما حاولت لن تستطيع أخذ، ولو قطعة سلاح واحدة من المليشيات، لأنها تمتلك قواعد داعمة تمتد لخارج العراق، وهم لا يعترفون بالحكومة، ولا بقوانينها"، واصفاً حال الحكومة العراقية بأنها "لا حول لها، ولا قوة". واستدرك بالذكر، أن "العراق يُحكم من قبل المليشيات".
تداعيات انفلات السلاح
وفيما يتعلق بالتخصيصات المالية لحملة حصر السلاح، منح كل محافظة مليار دينار، الذي صدر في شباط من هذا العام، تضمن القرار ثلاثة خيارات لمالكي الأسلحة: الاحتفاظ بالسلاح الخفيف، بيع السلاح المتوسط، وتسليم السلاح الثقيل، يعلق زنكنة قائلاً، إن "هذا الأمر يشكل عبئاً ونقطة سوداء في وجه الحكومة، حيث تعترف بوجود تسرب للأسلحة الثقيلة بيد أطراف، عشائر، ومواطنين لا يحق لهم امتلاكها".
ويتساءل زنكنة: "إذا كانت الحكومة قادرة على توفير مليار دينار لكل محافظة، أي ما يعادل تقريباً مليون دولار، و15 مليون دولار بجمع المحافظات باستثناء إقليم كردستان، لماذا تتهاون في دفع رواتب موظفي إقليم كردستان؟ لماذا تتهاون في مسائل تتعلق باستحقاقات المدن المتضررة من إرهاب داعش؟ او إعادة النازحين إلى سنجار و سكان جرف الصخر والطارمية؟".
من جانبه، أشار علي العكيلي (شيخُ العشيرة)، إلى وجود "وثيقة عهد وقعت مؤخراً بين الحكومة متمثلة بمديرية شؤون العشائر وبين بعض العشائر، تهدف إلى التعاون المشترك لنزع السلاح"، ولفت إلى وجود "عشائر وأفراد وميليشيات خارجه عن القانون لن تتعاون، وهنا على الحكومة التعامل بحسم مع هؤلاء". ووفقًا للعكيلي، فإن كافة الأسلحة الموجودة عند العشائر هي أسلحة تابعة للدولة العراقية، سُرِقت في أثناء سقوط الحكومة السابقة بمساعدة القوات الأمريكية، مما تسبب في الفوضى وتصاعد التناحر بين العشائر. وهذا ما لاحظناه في الوقت الحالي والمرحلة الماضية من حيث الاغتيالات والمناوشات بين العشائر"، وأكد لـ "المدى"، أن "السلاح سبب حالة من عدم الاستقرار، وعدم رضا الشعب، وهجرة أغلب الكفاءات من البلد".
يعلق المحلل السياسي محمد زنكنة على مبادرات التعاون بين الأطراف، خاصةً بعد تأكيد العميد زياد القيسي على وجود تعاون كبير بين كافة العشائر دون أي استثناء والجهات الحكومية، قائلاً: "منذ 2003، وحتى الآن، لم ينجح أي اتفاق أو تعهد أو توقيع يهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية، العشائر، والفصائل". وأعرب عن اعتقاده بفشل "هذا الاتفاق. الحكومة يجب أن تستعيد الأسلحة بالقوة والهيبة الحكومية، وليس من خلال التهاون والتسهيلات التي تمنح الأطراف السلاح مجانًا ليستخدموه ضد الحكومة".
ويرى أن "آلية الحكومة بالدفع المال لاستعادة السلاح تشكل هدراً للمال العام، ومحاولة لتشتيت الرأي العام عن مسائل هامة وحساسة، إضافة إلى كونها مضيعة للوقت في قضايا لن تُنفذ".
ونتيجة لوجود السلاح بيد المليشيات والعشائر التي تتحكم في مصير الأفراد وتتبع الأحزاب الموجودة في السلطة، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي احمد عيد أن "الحكومة لا تستطيع حصر السلاح في ظل هذا الانفلات الأمني وتعدد الميليشيات والعصابات المنظمة المدعومة منها".
وأشار عيد، إلى أن "تجارة السلاح تعد من أخطر عمليات التجارة المحظورة في جميع دول العالم، تديرها عصابات ومافيات منتشرة في مختلف البلدان". وأضاف أن "العراق، بسبب الهشاشة الأمنية وسيطرة الميليشيات على مناطق واسعة من البلد، أصبح سوقًا وممرًا لهذه التجارة، تمامًا كما هو الحال مع تجارة المخدرات التي تديرها نفس الجهات أو جهات قريبة منها".
ولفت عيد، إلى ان "كافة الحكومات منذ تأسيس الدولة العراقية لم تتمكن من تجريد سلاح العشائر، باستثناء التعامل الازدواجية الذي فرض التعامل مع العشائر في هذا الشأن على أساس طائفي ومذهبي بعد احتلال العراق في سنة 2003". وأوضح عيد، أن "مسألة حصر السلاح لن تكتمل ببساطة"، عزا سبب احباطه إلى "وجود جهات غير موثوقة يمكن أن تقوم بسحب السلاح من جهة وبيعه من جهة أخرى، مما يشكل "بابًا من أبواب الفساد والخرق للقانون".
واختتم عيد بقوله: "إذا أرادت وزارة الداخلية أو حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حصر السلاح، فعليها أولاً نزع سلاح الميليشيات والعصابات المنفلتة التي تسيطر على مفاصل مهمة في الدولة".