الموصل / سيف الدين العبيدي
تعد بعثة التنقيب الألمانية أولى البعثات الأجنبية التي دخلت نينوى بعد التحرير، وهي الأكبر أيضًا حيث تعمل في عدة مواقع، من بينها تل النبي يونس، قصر سنحاريب، بوابة النركال، وباب شمس.
أولى أعمالها كانت في النبي يونس حيث باشرت العمل في عام 2018، واكتشفت قصرًا عسكريًا آشوريًا يُعد من أكبر القصور الآشورية التي يعود تاريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد، ولم تحدد مساحته بعد.
كذلك، تم اكتشاف قاعة عرش تبلغ مساحتها 56 مترًا في الطول و18 مترًا في العرض، إلى جانب آثار يُعتقد أنها تعود لإقدام النبي يونس عندما دخل القصر، بالإضافة إلى مقتنيات مصرية تعتبر غنائم الآشوريين من معاركهم، وثيران مجنحة، ولوحات كتابات مسمارية تصف حياة الآشوريين وإنجازات ملوكهم.
شتيفان ماول، رئيس بعثة التنقيب الألمانية في نينوى، أشار خلال ندوة حوارية مع أبرز الأثريين في أم الربيعين إلى أهم الاكتشافات الأخيرة. وبيّن ماول في حديثه لـ(المدى) أن من بين الاكتشافات قطع عاجية ذهبية وفضية كانت تزين أثاث القصر الملكي، جاءت من مصر والشام. كما أوضح أن زهرة البابونج لها قدسية كبيرة عند الآشوريين، حيث تظهر آثار تشير إلى تزيين جدران القصور الآشورية بهذه الزهرة.
وأشار ماول إلى أن أول عملية تنقيب عن القصر الآشوري أجريت في عام 1954، حيث تم اكتشاف مدخل القصر في ذلك الوقت. وأضاف أن من بين المفاجآت التي ظهرت في الاكتشافات الأخيرة وجود منصتين في قاعة العرش، الأولى ربما للملك، والثانية قد تكون لولي العهد، إلا أنه لم يتم التأكد منها بعد. وأوضح أنهم مستمرون في اكتشافات جديدة في القاعة، التي تحتوي مداخلها على ثيران مجنحة ولوح حجري كبير. بالإضافة إلى ذلك، تم اكتشاف آثار يُعتقد أنها وطأة أقدام النبي يونس عند دخوله القصر.
وأشار ماول إلى أن تنظيم داعش حفر نفقًا بطول 400 متر إلى القصر خلال فترة سيطرته، حيث تم سرقة بعض الآثار، لكنها غير معروفة حتى الآن. وأضاف أنه جازف بالدخول إلى النفق، وكان أكبر عائق يواجهه هو الأنقاض الناتجة عن تفجير جامع النبي يونس، إضافة إلى وجود متفجرات غير منفجرة.
وأكد ماول أن بعثته تعمل على عملية إنقاذ أو معالجة الأضرار التي لحقت بهذه الآثار، وأنهم رغم الدمار استطاعوا إنقاذ صرح أثري حضاري عريق. وأشار إلى أن جميع الاكتشافات ستعرض داخل متحف مفتوح أمام الجمهور. ويتوقع ماول أن الاكتشافات القادمة قد تتضمن أرشيفًا لحياة الملوك الآشوريين، مع تفاصيل حياتهم العامة، إلى جانب أواني وأثاث وغنائم.
كما تعمل البعثة الألمانية على إعادة تنقيب بوابة نركال وإعادتها إلى ما كانت عليه. وتم العثور بالقرب منها على 22 ألف قطعة من مسلة مكتبة آشور بانيبال، ولوح يحمل بقايا شكل بانيبال، إلى جانب آثار الأيام الأخيرة للمملكة الآشورية، بما في ذلك بقايا جنود آشوريين لقوا حتفهم خلال الهجوم البابلي والميدي على مدينة نركال في عام 612 قبل الميلاد.
الدكتور عمر جسام، عضو المجلس الدولي للآثار، أوضح في حديثه لـ(المدى) أن وجود بعثة التنقيب الألمانية التابعة لجامعة هايلدبرغ هو أمر إيجابي من مؤسسة عريقة. وأشار إلى أن نتائج عمل البعثة ممتازة جدًا رغم بطء العمل بسبب معوقات عديدة، مثل إزالة الأنقاض والمتفجرات والدخول إلى أنفاق كبيرة تحت جامع النبي يونس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.