علي حسين
ما الفشل؟.. في التعريف اللغوي، هو الضعف، ويقول صاحب كتاب "المخصص" ابن سيده: فشل الرجل فشلا، وفشل: كسل وضعف وتراخى، ولان الفشل أنواع حسب معجم علم الاجتماع، منه الشخصي الذي يضر بصاحبه فقط، ومنه العام الذي يؤثر على المحيطين به.
هل يمكن ان نطبق هذا المفهوم على المسؤول الفاشل عندنا؟ لا أعتقد ان الأمر سينجح، فنحن نعيش في ظل مسؤولين لا يعترفون بالفشل ويعتقدون ان "الخطأ والصواب" لا علاقة لهما بالفشل. فالأمور عندنا لا تتعدى "تجارب تخطئ وتصيب"، وحين يتقدم بلد مثل العراق سُلّم البلدان الأكثر نهبا للمال العام.. فان الأمر يدخل أيضا في قائمة "تجارب الهواة".. فلا مشكلة ان يتدرب "الفاشلون" على إدارة مؤسسات الدولة؟ وأين المشكلة حين يدير أمور العباد، أناس لا يقرأون سوى دعاء الرزق، ولا يحفظون سوى أرقام حساباتهم في الخارج، ولا يفرقون بين كتاب الطبخ، وكتاب الفلسفة، ويعتبرون الاعتراض على المسؤول رجساً من عمل الشيطان فاجتنبوه، ونراهم يوما بعد اخر يفقدون اتصالهم بالواقع يوميا لأنهم مهمومون بالامتيازات والصفقات السياسية والأهم بالضحك على الناس البسطاء، ولهذا يجدون في السلطة فرصتهم لتصفية الحسابات مع الجميع، فلابد من استخدام كرسي الحكم في هزيمة "الخصم".. فهواة السلطة لا يعرفون شيئاً سوى ان الدولة ومؤسساتها وبيوتها وناسها وأطفالها هي ملك خاص لهم.
اليوم نعيش في ظل ساسة ومسؤولين وصلوا إلى السلطة ليديروا نفس الماكنة التي أدارها صدام على مدى أربعة عقود وبنفس الآليات وفي خدمة شيء واحد: "كرسي المنصب".. واحد وعشرون عاما وماكينة السلطة القديمة نفسها، لا ترى في الدولة غير الساكنين في المنطقة الخضراء.. لا شيء تغير، لم يفعل قادة العراق بعد 2003 شيئا سوى تفصيل الكرسي على مقاسهم.. كلهم تعاملوا بمنطق ورثة نظام صدام.
يصنع الناجحون تاريخا جديدا لبلدانهم. لم يتوقع العالم ان خروج مانديلا من السجن، سيفتح صفحة جديدة للتقدم والرقي والحياة الحرة الكريمة لكل أبناء جنوب أفريقيا البيض قبل السود، لم يحرر الناجحون بلدانهم فقط، بل حرروا نفوس مواطنيهم من الثأر والضغينة. أهم ما في سجل الناجحين، أنهم صفحوا عن أعدائهم ولم يطلقوا سوى جملة واحدة: "تعالوا نبني المستقبل ونعلن موت الماضي".
في هذه اللحظات العصيبة يحتاج العراقيون الى سياسيين ناجحين وشجعان لا يمارسون لعبة قذف التهم بينهم، ولا تعليق المشاكل على شماعات وهمية. هذه مسؤوليات لا تحتاج إلى دفاع عن المخطئ لتقويته أو لحمايته. فالأمر في النهاية يتحول الى منظومة فشل. والخطأ يولد خطأً اكبر، وان لا يتصور احد انه سيجلس في مقاعد المتفرجين، المواطن يحتاج إلى مسؤول يطمئن العراقيين على بلدهم ومستقبلهم. واهم من ان يطمئن البعض على استمراره في المنصب، والسعي لعودة محمود المشهداني إلى كرسي رئاسة البرلمان، هو ان نطمئن جميعا على امن البلد واستقراره ومستقبله.. العراقيون انحازوا للديمقراطية، لكن الفاشلين انحازوا لمصالحهم الشخصية، فخلطوا شعارات مصلحة الوطن بأطماعهم السياسية.
في النهاية، الناجح من يصدق وطنه وشعبه، لا اقاربه واحبابه، ومن ينصرف منذ اليوم الأول إلى البناء والتنمية وبث الطمأنينة والاستقرار، لا إلى التجهيز لحروب الطوائف.