صلاح الدين / محمود الجبوري
رغم زوال التهديدات والمخاطر الإرهابية بشكل كبير عن قضاء سامراء أو «سر من رأى»، الاسم الذي تشتهر به تاريخيًا، إلا أنها لا تزال تعاني من الإهمال الخدمي والحكومي منذ سقوط النظام السابق وحتى الآن. وقد أصبحت موردًا ماليًا لجهات متنفذة رغم نداءات الاستغاثة التي يطلقها الأهالي باستمرار لإعادة إحياء معالم ومكانة سامراء الدينية.
سامراء، ومنذ أحداث العنف والإرهاب في عام 2006، فقدت مكانتها الاقتصادية والتراثية، رغم أنها قبلة للسياحة الدينية وموطن لآثار العديد من الحضارات والحقب الزمنية في التاريخ العراقي.
تقع مدينة سامراء في محافظة صلاح الدين على الضفة الشرقية لنهر دجلة شمال بغداد، وهي واحدة من أهم المدن التاريخية العراقية، وتبعد عن بغداد حوالي 125 كيلومترًا. كانت عاصمة الدولة العباسية قديمًا بعد مدينة بغداد. وتحدها من الغرب مدينة الرمادي، ومن الشمال تكريت، ومن الشرق بعقوبة.
بُنيت مدينة سامراء عام 221هـ/835م من قبل الخليفة المعتصم بالله، وكانت تسمى «سُرَّ من رأى» لتصبح عاصمة له. ويبلغ عدد سكانها حسب إحصائيات وزارة التخطيط لعام 2013 أكثر من 190,000 نسمة، وتضم ثلاث نواحٍي هي المعتصم، الثرثار، ودجلة.وضمت منظمة اليونسكو سامراء ضمن قائمة التراث العالمي عام 2007، وما زالت آثارها قائمة حتى اليوم، حيث تحتوي على ضريح الإمامين الحسن العسكري وعلي الهادي، اللذين يقدسهما الشيعة الاثنا عشرية، وأيضًا الجامع الكبير ومئذنته الملوية.
الإهمال الحكومي المتعمد
رئيس المجلس المحلي السابق لقضاء سامراء، عمر محمد السامرائي، اعتبر أن سامراء مهملة حكوميًا وخدميًا بشكل واضح، رغم مكانتها الأثرية والحضارية والدينية، وذلك بسبب المشاكل المالية وقلة التخصيصات المالية التي تعد شبه معدومة، رغم الإيرادات المالية الوفيرة التي تمتلكها. ولكنه أشار إلى أن تلك الإيرادات تذهب بعيدًا عن استحقاق المدينة وسكانها.ويرى السامرائي في حديثه لـ (المدى) أن هناك إهمالًا حكوميًا متعمدًا لسامراء، واقتصار مشاريع الطرق والتأهيل على المناطق المؤدية إلى الإمامين العسكريين والمناطق المحيطة بهما، مع إهمال المناطق الأخرى بشكل واضح ومستغرب. كما أشار إلى أن المواطن السامرائي يستشعر منذ فترة طويلة محاولات لتغيير ديموغرافي في المدينة، في إشارة منه الى دوافع طائفية مبطنة.ووصف السامرائي المشاريع الخدمية في سامراء، وأبرزها مشروع المجاري، بأنها مشاريع تخريبية تدمر معالم المدينة العريقة دينيًا واقتصاديًا. وأبدى استغرابه من تلكؤ المشاريع ونقص الخدمات رغم إقرار سامراء كعاصمة للحضارة الإسلامية.
وتحدث السامرائي عن مشاكل أخرى تحاصر سامراء، أبرزها السياج الكونكريتي المحيط بالمدينة، والذي قلص التوسع العمراني وأضر بالمواطنين، بالإضافة إلى كثافة نقاط التفتيش التي ترهق السكان وتحد من النشاط التجاري والحياتي.
المتنفذون والفساد
من جانبه، كشف الناشط المدني ماهر العباسي عن مضايقات أمنية وملاحقات لأي مواطن ينتقد الخدمات أو يطالب بحقوقه المشروعة، ضمن سياسات تكتيم تمارسها جهات متنفذة تستحوذ على «المقاولات» لأهداف مادية بعيدة عن المصالح العامة للمدينة وسكانها.ويعتبر العباسي في حديثه لـ(المدى) أن سامراء مخنوقة خدميًا بسبب الفساد والإهمال وسطوة المتنفذين على مقدراتها العامة، مشيرًا إلى غياب التعاون بين مسؤولي المدينة والنواب الممثلين للمدينة في البرلمان، وانعدام التنسيق بين مدراء الدوائر وتضارب المصالح.وفي سياق متصل، يعزو قائممقام سامراء، أرشد عبد السلام محمود، ضعف الخدمات في المدينة إلى التوسع السكاني والهجرة المضطردة من الريف إلى المدينة وكثرة العشوائيات التي تحولت إلى ملاجئ للنازحين. كما أشار إلى نقص الآليات والدعم اللوجستي والتخصيصات المالية.وينفي محمود في حديثه لـ (المدى) وجود إهمال حكومي لسامراء، معتبرًا أن «المقدرات الموجودة في سامراء تحتاج لدعم وتدخل من وزارات خدمية، أبرزها وزارة الإعمار والإسكان». ولفت إلى أن سامراء تعاني من نقص كبير في الخدمات البلدية، إذ يعمل فيها 80 عاملًا فقط، بينما الحاجة الفعلية تتجاوز 880 عاملًا.
السور الكونكريتي ومعضلة التوسع
وأشار محمود إلى مشكلة السياج الكونكريتي الذي أُنشئ عام 2007، والذي قيد التوسع العمراني وعطل الاستثمار في المدينة. لكنه كشف عن إجراءات للتوسع بمسافة 6 كم، ما سيفتح أبواب الاستثمار في سامراء بمشاريع تليق بمكانتها الاقتصادية والدينية.أما عن مشروع سامراء عاصمة الحضارة الإسلامية، فأكد القائممقام أن المشروع مستمر بنسب إنجاز تتراوح بين 70% و85%.
وفي الجانب الأمني يؤكد محمود أن سامراء تتمتع باستقرار أمني كبير بفضل الخطط والإجراءات الأمنية والتنسيق العالي بين القوات الأمنية من الجيش والشرطة والحشد وسرايا السلام.
توجهت (المدى) إلى نائب محافظ صلاح الدين، هاشم عزاوي، الذي رفض الحديث عن وجود إهمال حكومي لسامراء، قائلًا: «الحكومتان المركزية والمحلية أبدتا اهتمامًا كبيرًا بسامراء، ولا يوجد تهميش حكومي، بدليل الزيارات المتكررة للمسؤولين الحكوميين، وكذلك إقرار قانون سامراء عاصمة الحضارة والبنى التحتية للمدينة».وعزا العزاوي في حديثه لـ(المدى) المشاكل الخدمية في سامراء إلى «التداخلات المتعلقة بالصفة الأثرية للمدينة، واعتراض دائرة الآثار على العديد من المشاريع، بالإضافة إلى عدم توفر الأراضي بسبب التجاوزات التي عطلت تنفيذ العديد من المشاريع».واتفق العزاوي مع القائممقام في اعتبار السور الكونكريتي المحيط بسامراء واقعًا غير طبيعي. ودعا القوات الأمنية إلى إعادة تقييم وجوده ورفع المعاناة عن الأهالي بصورة عاجلة.
العسكرة ومقاولات "المتنفذين" تطمس معالم عاصمة الحضارة الإسلامية
نشر في: 7 أكتوبر, 2024: 12:05 ص