حازم مبيضينترك الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وطنه المحترق دون أن يحسم شيئاً، فهو فوض صلاحياته لرئيس وزرائه بصفة مؤقتة رغم أنه كان أقاله من موقعه،،ورغم أن رئيس البرلمان لم يعد قادراً على أن يحل محل الرئيس بحكم حله، وبما يعني استناداً الى المادة 57 من الدستور أن بامكانه العودة في أي وقت، واسترداد سلطاته كاملة، لأنه لم يتنازل عنها، وهو في خطوته الأخيرة قدم نموذجاً للسنوات التي قضاها حاكماً لتونس الخضراء، فقد خرق متعمداً الدستور، لم يقدم استقالته ليتيح لشعبه اختيار نظام حكم عادل ونزيه،
وخال من ملفات الفساد التي تضخمت في عهده، حتى فجرت الشارع بتظاهرات أطاحته دون أن يعترف بذلك، أو يقدم ولو خدمة واحدة لأبناء وطنه، باللجوء إلى خطوات دستورية واضحة، تتيح لهم بناء وطنهم مجدداً، في ظروف أفضل وتحت سماء حرة وفي مدن خالية من سجون القمع وكبت الحريات لم يتفهم بن علي قبيل مغادرته الإجبارية أن إطاحته على وقع هدير الشارع والرصاص، تعني إلغاء حقبة من حياة التونسيين بما فيها من أجهزة وأنظمة وقوانين ودستور، وأن بإمكان أي ضابط إعلان تجميد الدستور أو تعليق بعض مواده، لمنع الالتفاف على ثورة الشارع التونسي، التي لاترفض بن علي شخصياً فحسب وإنما كل نظامه، وبما يعني رفض تولي أي من مساعديه المسؤولية بعده، لأن ذلك سيعني حتماً أنه يواصل الحكم من خلال هؤلاء، وبما سيدفع حتماً إلى تجدد الثورة، للوصول بها إلى غاياتها التي تعيد للشعب حقه في المشاركة بصنع القرار، ويكفيهم بالتأكيد نصف قرن، حكمهم فيه شخصان تميزا بالقمع ورفض الآخر ومحاربة الحريات.لسنا بالتأكيد مع تدخل الجيش في الحياة السياسية، لكن الوضع الراهن الذي انطلقت فيه عصابات تنهب وتدمر، رغم حالة الطوارىء وحظر التجول، يستدعي التدخل لحماية المواطنين، بغض النظر عن الحراك السياسي المنحصر حتى اليوم بمشاورات يجريها الغنوشي مع الاحزاب السياسية والاطراف الاجتماعية، وعلى قاعدتين مختلفتين تتمثل الأولى في فهم استحالة عودة بن علي حتى لو لم يستقيل، ويخشى الكثيرون أن تستند الثانية التي يمثلها الغنوشي إلى إمكانية عودته، والمهم اليوم عدم التأخر في الاصلاحات، وانتخاب رئيس للدولة، وربما كان تشكيل لجنة وطنية للخروج من الازمة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، الخطوة التي تقطع كل أمل لبن علي بالعودة الى قصر قرطاج، مع فساد أصهاره وأفراد عائلته، وتحضر لانتخابات رئاسية وتشريعية حرة وديمقراطية بمراقبة دولية فاعلة تضمن نزاهتها.رئيس وزراء بن علي الذي يتولى الرئاسة بشكل مؤقت نيابة عن رئيسه مدعو للخروج من إرهاب النظام السابق، ودعوة الجيش لحفظ النظام في ظل انعدام الثقة بالشرطة، وهو مدعو للخروج من الصورة السياسية بأقل الخسائر الممكنة دون التفكير بمحاولة الالتفاف على نتائج الثورة الشعبية، التي ستستمر حتى محو آخر أثر من آثار حكم بن علي المأساوية، وتعيد للشعب سيادته التي يبدو أن بعضاً من رموز النظام السابق حاول سرقتها من جديد، عبر اطلاق مجموعات اجرامية في الشوارع للقيام بعمليات سلب ونهب والعربدة في الشوارع والاعتداء على أملاك الدولة والمحلات العمومية، وعلى المواطنين بالدرجة الاولى، في محاولة للإيهام بأن دكتاتورية بن علي أفضل من هذه الفوضى والفلتان الأمني.حين انقلب بن علي ضد رئيسه الحبيب بورقيبه، فإنه استبدل تمثاله الذي كان يطل على شارع يحمل اسمه في العاصمة، بساعة ضخمة موحياً باستبدال حالة الجمود التي كانت سائدة، برمز يؤكد على استمرارية الحياة من خلال عقارب الساعة التي تواصل الدوران، لكنه بعد أن استطاب المقام في قصر قرطاج حاول وقف دوران عقارب الساعة، لكن التونسيين يصرون اليوم على استمرار دورانها وسيمنعون عودتها إلى الوراء.
خارج الحدود: بن علي يترك تونس في الفراغ

نشر في: 15 يناير, 2011: 06:32 م