علي حسين
قبل ما يقارب 60 عاما أعلنت سنغافورة الاستقلال، كانت آنذاك مستنقعًا للبعوض، فتحولت اليوم إلى واحدة من أهم اقتصاديات العالم، المواطن فيها يحصل على أعلى دخل سنوي في العالم، وفي كل احتفالية بعيد الاستقلال يكون خطاب رئيس الوزراء واحدًا:
تحقيق حياة أفضل للمواطنين والإسراع بمعدلات النمو خلال العام المقبل.. نحن في العراق حققنا الاستقلال قبل سنغافورة بثلاثة وثلاثين عامًا، ثم انتفضنا على الملكية قبل سنغافورة أيضًا بسبعة أعوام بالتمام والكمال. لكننا اليوم في "جعب" الدول التي حققت رفاهية لشعبها، أما في الاقتصاد والصناعة فقد وقفنا "محلك سر"، نشتم الإمبريالية التي تريد أن تسرق ثرواتنا، ونرفض أن تُبنى مصانع أجنبية في البلاد خوفًا على قيم الفضيلة.. سنغافورة تحولت إلى أهم مركز للشركات العالمية، وليس على أراضيها عشائر تستخدم الهاونات، ولا صواريخ كاتيوشا تنطلق في كل الاتجاهات. لكي تفخر بيومك الوطني يجب أن تكون مستقلًا ماليًا ومرفها اجتماعيا، لا تعتبر توزيع الرواتب منجزًا وطنيا..
قبل 60 عاما وقف المرحوم "لي كوان يو" وسط قبّة البرلمان السنغافوري ليعلن أنهم لا يستطيعون تسديد الرواتب لموظفي الدولة، ثم يُخرج ملفًّا يضمّ تصوره لبناء دولة قوية شعارها "بناء مجتمع عادل وليس مجتمع رعاية اجتماعية" كان الناتج السنوي أقل من مليار دولار، ويوم ودّع لي كوان الحياة قبل خمسة أعوام، كانت الأرقام التي نشرتها الإيكونومست عن مؤشر جودة الحياة، على النحو الآتي: "حصلت سنغافورة على الدرجة الأولى في آسيا والمرتبة الخامسة على مستوى العالم، وتمتلك ثامن أعلى احتياطي في العالم"
تخلصت سنغافورة من المستعمر البريطاني، لكنها أنشأت من خلال مستشاريه أكبر الشركات العالمية، وبالاستثمارات الأجنبية تتحول فيتنام الآن إلى واحد من أبرز اقتصادات العالم. مضى زمن النابالم والخطب الرنانة .
في كل حديث عن العيد الوطني لهذه البلاد يشتعل صراع تاريخي بين عشاق الملكية وأنصار الجمهورية.. وتختفي أزمة الكهرباء والخدمات واكتشفنا أن السبب في ما جرى خلال العشرين سنة الماضية هو بسبب ماحدث قبل 66 ?عامًا.. ولم نلتفت إلى ما فعلته عديلة حمود قبل سنوات قليلة من خراب في القطاع الصحي.. ونسينا ما نُهب من أموال، لننشغل بسؤال أيهما كان أنفع للعراق الملكية أم الجمهورية؟
الذين يقلبون صفحات التاريخ، لا يريدون أن يلتفتوا لقضية مهمة جدا، لكي تحتفل بعيدك الوطني يجب ان تكون متحرراً من العوز والفقر والخوف، لا يوجد عيد وطني من دون مستقبل مشرق للبلاد.