TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إيران وسياسة الصبر الستراتيجي

إيران وسياسة الصبر الستراتيجي

نشر في: 9 أكتوبر, 2024: 12:03 ص

د. اياد العنبر

‎رغم أنه بدأ خطابه بنعي السيد حسن نصرالله، فإن خروج ‎المرشد الأعلى السيد الخامنئي في خطبة صلاة الجمعة بطهران وإلى جانبه بندقية، يعد بمثابة إعلان صريح بالتخلي عن سياسية «الصبر الاستراتيجي» التي تمسكت بها إيران منذ بداية عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر/تشرين الأول قبل عام. ‎ويبدو أن اغتيال نصرالله أجبر الإيرانيين على الدخول في حرب مفتوحه مع إسرائيل، بعد أن كان رأس الرمح فيها هو «حزب الله» الذي يقود المواجهة في جنوب لبنان بدعم إيراني. لكنها اليوم حرب ليس فيها قواعد اشتباك محددة، وهي مفتوحة على كل الاحتمالات، ما دام الاستعراض بالقوة حاضرا وموازين الردع غائبة. ‎اغتيال نصرالله، غيّر قواعد اللعبة. ولم تعد إيران قادرة على أن تكون خارج دائرة الاشتباك في الحرب ضد إسرائيل، رغم أنها تدرك جيدا أن دخولها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، هو الغاية التي تسعى إليها حكومة الحرب في تل أبيب بقيادة بنيامين نتنياهو. لكنها لم تعد تملك خيار التخلي أو الاكتفاء بدور المتفرج. ‎منذ 7 أكتوبر 2023، كانت التصريحات القادمة من طهران تشير إلى أن إيران لا ترغب في تصعيد التوتر أو تحوّله إلى حرب إقليمية. وحتى بعد أن هاجمت طهران بالصواريخ إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي، رداً على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، فإن إيران أكدت في بيانها أنها «استخدمت حقها المستمد من القانون الدولي»، مشددة على أنها «لا تسعى للدخول في حرب مع إسرائيل». ‎وأيضا مع بداية عمليات القصف الإسرائيلي ضد «حزب الله» في لبنان، كان خطاب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي، يؤكد أن إيران تسعى إلى «منع انتشار الحرب في المنطقة». وفي مؤتمر صحافي عقده عراقجي في نيويورك، أجاب فيه عن سؤال أحد الصحافيين حول «ما إذا كان (حزب الله) قد طلب من إيران التدخل عسكريا لدعمه؟»، أجاب أن «حزب الله» يتخذ قراراته بنفسه، «وهو قادر على حماية نفسه وحماية لبنان وشعبه». ‎لكن بعد اغتيال نصرالله، لم تغير طهران الخطاب فقط، وإنما الأفعال أيضا، حيث بدأ الانخراط الفعلي في الحرب، بعد الهجوم بعشرات الصواريخ التي انطلقت من إيران تجاه إسرائيل، رغم أن إيران تدرك جيدا أن قرار الدخول في الحرب مباشرة، قد تكون له تكلفه عالية، أو ربما يدفع باتجاه الدخول في حرب استنزاف حتى وإن ظلت في حدود الضربات المتبادلة إيران الآن تتخلى عن «الصبر الاستراتيجي» وعن «المرونة البطولية» في مواجهة الخصوم، وتعود بقوة إلى تأكيد حضورها في المعركة. إذ أصبحت متيقنة من أن الحرب ضد أذرعها في «محور المقاومة» الذي تقوده، هي حرب ضد نفوذها، أو ضرب لأمنها القومي الذي بات مرتبطا بالعناوين المسلحة التي تنشط في العراق واليمن وسوريا ولبنان. ولذلك فقد تدخلت بقوة بعد اغتيال نصرالله، على خلاف موقفها الدبلوماسي طوال الحرب ضد غزة.  هجوم إيران بالصواريخ على إسرائيل، يأتي في سياق رد الفعل على اغتيال حسن نصرالله وإسماعيل هنية وقيادات عسكرية إيرانية استهدفتها إسرائيل في لبنان وسوريا، وهدفه الحفاظ على مستوى الردع بعد الاستهداف العسكري المباشر لإيران. والإيرانيون يدركون جيدا أن حكومة نتنياهو لن تتوقف عند حدود الحرب ضد “حماس” في غزة، و”حزب الله” في لبنان، وإنما استراتيجيتها إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط بقوة السلاح. ومن ثم، فإن إيران حتى الآن تواجه استراتيجية فرض الواقع بالقوة العسكرية بالتكتيكات التقليدية نفسها، من خلال دعم الفصائل والأذرع المسلحة في هذه الحرب المفتوحة التي تقودها إسرائيل.  وربما الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني، يعيد نوعا من توازن الردع بين الجانبين، وذلك على الرغم من التهديدات التي أطلقتها إيران عبر نائب القائد العام لـ”الحرس الثوري” باستهداف “مصافي التكرير وحقول الغاز الإسرائيلية، إذا هاجمت إسرائيل إيران”. إلا أن كلتيهما لا تريد حربا شاملة بل حربا محدودة يمكن أن تكون ساحة المواجهة فيها بين تل أبيب وأذرع إيران المسلحة في المنطقة.  لذلك، فإن حسابات إيران الآن محددة، بين التخلي عن سياسة “الصبر الاستراتيجي”، والتفكير بأن تكون خسائرها محددة في التضحية بـ”محور المقاومة” أو القبول بإضعاف أذرعه. فـ”حزب الله”، وهو اللاعب الرئيس في استراتيجية الأمن القومي الإيراني في مواجهة إسرائيل، وفرض نفوذها في لبنان وسوريا، هو الآن يواجه معركته وحده، وقياداته الميدانية تواجه عمليات الاغتيالات الإسرائيلية. والحوثيون يستهدفون إسرائيل ويهددون بقطع طريق القوافل التجارية التي تمر بالبحر الأحمر، ولكن حتى الآن لم يتمكنوا من إشعال جبهة عسكرية ضد إسرائيل، لتخفيف الهجمات العسكرية ضد غزة أو “حزب الله” في لبنان.  أما الفصائل المسلحة في العراق، فهجماتها لا تزال ضمن حدود معينة، ولم تفتح جبهة قادرة على إشغال الإسرائيليين.
ويبدو أن “تنسيقية فصائل المقاومة المسلحة في العراق” لم تتخذ قرارا بالدخول المباشر في الحرب حتى الآن، ولا يزال سلوكها محددا بمهمة تأكيد الاستعداد للمشاركة فيها. صراع الاستراتيجيات بين طهران وتل أبيب، أصبح في أكثر مراحله وضوحا وصراحة. إيران تريد أن تبقي على نفوذها وسطوتها في بلدان المنطقة، ولكنها الآن في موقف المدافع عن هذا النفوذ ومحاولة الحفاظ على المكاسب التي تحققت طوال العشرين عاما الماضية. وهي تلوح بمنطق القوة، ولكنها لا تريد أن تتهور في استخدامها. ولعل هذا ما أكد عليه المرشد الأعلى في إيران في خطبة الجمعة بطهران، عندما قال: “نحن لا نتوانى في أداء واجبنا، لكن لن يقودنا التسرع والانفعال. ما هو منطقي وصحيح، وفقا لقرارات السياسيين والعسكريين، سيتم تنفيذه في الوقت المناسب. وفي المستقبل، إذا لزم الأمر، سنقوم بما هو مطلوب». ‎أما إسرائيل، فهي تريد فرض واقع جديد في المنطقة، يبدأ بتأمين حدودها، واستعادة قوة الردع، واستعراض فائض القوة العسكرية والتفوق المعلوماتي في الحرب. ومن ثم، تسعى إلى أن توجه هذه القوة ضد خصومها، وأن تضعف قدراتهم العسكرية. وهي تستغل فترة الانتخابات الأميركية، وغياب واشنطن عن مشهد الصراع في الشرق الأوسط، عدا التدخل لدعم إسرائيل، من أجل فرض واقع جديد في المنطقة، يكون الرئيس الأميركي القادم مجبرا على التعامل معه باعتباره أمرا واقعا. لذلك فإن معركة إسرائيل الآن هي معركة كسب الوقت حتى 5 نوفمبر/تشرين الثاني، موعد الانتخابات الرئاسية في أميركا، ليكون هناك شرق أوسط جديد برؤية إسرائيلية، ولكن ملامح هذا الشرق الأوسط ترسم بالدم والصواريخ والاغتيالات، وليس بالمفاوضات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

السِّجن السّياسيّ: المطبِق وبيت البراغيث إلى قصر النّهاية وصيدنايا

العمود الثامن: اقفاص الأسد في يومها الأخير

العمود الثامن: أهلا بكم في الديمقراطية العراقية

العمود الثامن: تذكروا أنكم بشرٌ

قناطر: تحت طائرة بلنكين

العمود الثامن: تذكروا أنكم بشرٌ

 علي حسين كعادتي كل صباح اقرأ عمود الكاتب الصحفي سمير عطا الله في الشرق الأوسط، وهو يجمع بين السياسة والأدب والفلسفة ، وفي عموده قبل يومين تناول موضوعة القادة الذين يتوهون ان عقولهم...
علي حسين

كلاكيت: ترامب في معاركه مع السينمائيين

 علاء المفرجي مرة أخرى، يُجدّد الأميركيون انتخابهم دونالد ترامب. ومرّة أخرى تحظى الانتخابات الأميركية بمثل هذا الاهتمام العالمي، لأسباب عدّة، لعل في مقدّمتها انسحاب المنافس الرئيس لترامب، جو بايدن، والانسحاب كان لصالح نائبته...
علاء المفرجي

احمد الشرع..بمنظور علم نفس الشخصية

د. قاسم حسين صالح تنويههذه المقالة، او الدراسة، لا علاقة لها بالسياسة، انما هي سيكولوجية خالصة تدخل ضمن تخصص في علم النفس بعنوان (علم نفس الشخصية Psychology of Personality)..تهدف الى تقديم حالة واقعية في...
د.قاسم حسين صالح

" البعث" بدِمشق وبَغْداد.. غساسنة ومناذرة

رشيد الخيون بعد إزاحة "البعث" في 9 أبريل 2003 مِن سدة السُّلطة ببغداد؛ ظل جناحه السُّوريّ قائماً بدِمشق حتَّى 8 ديسمبر 2024، يحكمها على قلق، حتى انتهى بعد 61 عاماً. كان الأسد يعرف النتيجة،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram