بغداد / محمد العبيدي
تواصل أزمة ارتفاع أسعار صرف الدولار الأمريكي أمام الدينار العراقي في زعزعة الاستقرار الاقتصادي، مما ينعكس سلباً على معيشة المواطنين. يتزامن هذا مع تصاعد التوترات الإقليمية وتزايد الإقبال على شراء الدولار، في وقت يعزو فيه الخبراء الأسباب إلى عوامل ثلاثة رئيسية تزيد من تعقيد الموقف.
في وقت كانت أسعار صرف 100 دولار أمريكي تتراوح بين 145 و149 ألف دينار قبل أيام، فإن سعر الصرف تخطى مؤخراً حاجز 155 ألفاً، بزيادة بلغت أكثر من 23 ألف دينار عن السعر المحدد من قبل البنك المركزي، والذي يبلغ 1320 ديناراً.
القلق من الحروب
الخبير المالي والمصرفي، مصطفى أكرم، يوضح أن «القلق من الحروب في المنطقة دفع التجار والمواطنين إلى المبالغة في المشتريات والمستورَدات، كما دفعت هذه الأوضاع المواطنين إلى ادخار الدولار». ويشير أكرم إلى «عدم وجود مشاكل في سلاسل الإمداد العراقية من دول مثل تركيا، كندا، أستراليا، الصين، والهند، وكذلك عدم وجود مخاوف حول سيولة الدولار في العراق».
تآكل قيمة الرواتب
في ظل تصاعد الميزان التجاري بين العراق وسوريا من جهة، والعراق وإيران من جهة أخرى، وهما بلدان يعانيان من مشاكل تتعلق بضعف الامتثال للمتطلبات الدولية، يؤكد أكرم لـ(المدى) أن «تنامي هذه التجارة أسهم في ارتفاع أسعار الدولار، نظراً لعدم تغطية تلك الاستيرادات من مزاد العملة الرسمي، وإنما من السوق السوداء». ويضيف أن «هناك تجاراً صغاراً لا يمتلكون شركات أو إجازات استيراد، وهؤلاء يحتاجون إلى الدولار لتمويل تجارتهم».
ولفت أكرم إلى وجود آلاف المسافرين إلى دول مثل سوريا وإيران وروسيا وبيلاروسيا، الذين لا يحصلون على الدولار بالسعر الرسمي، بل بالسعر الموازي. ويؤدي انخفاض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار إلى ارتفاع الأسعار، وشلل في حركة السوق، وتآكل القدرة الشرائية للرواتب. الموظفون والعاملون في القطاع الخاص يتكبدون خسائر كبيرة بسبب فرق السعر، وسط حالة من القلق بشأن الحفاظ على المدخرات أو الدفاع عن القوة الشرائية.
رغم تجاوز مبيعات البنك المركزي خلال الأسبوع الماضي حاجز المليار دولار، لم تنجح المحاولات حتى الآن في السيطرة على سعر الصرف وإعادته إلى السعر الرسمي. هناك مخاوف متزايدة من ارتفاع سعر الصرف إلى 160 ألف دينار لكل 100 دولار، وربما أكثر، حيث يؤكد خبراء الاقتصاد أن ذلك سيتسبب بارتدادات خطيرة على الاقتصاد العراقي، الذي يعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط.
المتخصص في الشأن الاقتصادي، سرمد الشمري، يحذر من احتمال ارتفاع الدولار إلى ألفي دينار، الأمر الذي سيضع العراق أمام مشهد اقتصادي جديد. وبيّن لـ(المدى) أن «تآكل قيمة العملة المحلية سيؤدي إلى زيادة تكلفة السلع المستوردة، مثل المواد الغذائية والأدوية، ما يثقل كاهل المواطنين ويؤثر بشكل مباشر على مستوى معيشتهم».
ارتفاع التضخم وتداعياته
يشير الشمري إلى أن «زيادة معدلات التضخم نتيجة ارتفاع سعر الدولار سيؤثر على الشركات التي تعتمد على المواد الخام أو المنتجات المستوردة، مما سيضطرها إما إلى رفع أسعار منتجاتها النهائية أو تقليل حجم إنتاجها». ويُشدد على أهمية فتح الحسابات المصرفية للتجار الصغار وتشجيعهم على التعامل بالطرق الرسمية، من خلال تخفيف الإجراءات البيروقراطية وتقديم حوافز.
كما يجب معالجة ملف «دولار المسافرين»، حيث يواجه الكثير منهم صعوبة في الحصول على الدولار المخصص لهم، والذي يبلغ 3 آلاف دولار. يستغل البعض هذه الحصص للحصول على الدولار بهدف بيعه في السوق السوداء بعد العودة، مما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي.
ثلاثة أسباب وراء «فتنة» الدولار.. الدينار العراقي في مواجهة أصعب المحن!
نشر في: 9 أكتوبر, 2024: 12:08 ص