السليمانية / سوزان الطاهر
تستمر الأزمة المالية في إقليم كردستان بإلقاء ظلالها السلبية، ليس فقط على الجانب الإنساني وصعوبة المعيشة، بل تتجه نحو ضرب توازن جودة ومستويات العملية التعليمية بين القطاعين الحكومي والأهلي، مع استمرار هجرة المتميزين من المدارس الحكومية إلى المدارس الأهلية التي لا تزال قادرة على توفير رواتب موظفيها.
وقررت المحكمة الاتحادية في شباط/فبراير الماضي إلزام الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان بتوطين رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام وصرفها بشكل منتظم. إلا أن أزمة الرواتب ما تزال مستمرة، وتتأخر لأكثر من خمسين يومًا، مما أثر على مفاصل الحياة العامة، وأبرزها التعليم.
وتشهد المدارس الحكومية في إقليم كردستان تراجعًا في الأداء نتيجة الإضرابات السنوية عن الدوام من قبل الكوادر التربوية بسبب تأخر صرف الرواتب، ومطالبتهم بإعادة العمل بالعلاوات والترقيات.
أسباب متعددة
وأكد المشرف التربوي سالار عزيز أن أداء المدارس الحكومية تراجع بشكل مخيف بسبب الأزمة المالية.
وقال عزيز في حديثه لـ (المدى): «المعلم والمدرس الذي لا يستلم راتبه إلا مرة واحدة كل شهرين، وراتبه بقي كما هو منذ عام 2014، من المؤكد أنه لن يكون مؤهلًا من الناحية النفسية لتدريس المادة العلمية بجدية».
وأضاف: «المعلم الذي لا يمتلك أجرة السيارة التي يأتي بها إلى المدرسة، كيف نريده أن يتفاعل ويقدم المواد الدراسية بمهنية وإخلاص».
وأشار إلى أن «قطاع التربية والتعليم في الإقليم يعاني من جملة مشكلات وعقبات، أهمها قلة الكادر التربوي والتعليمي في عدة اختصاصات، فمنذ 2014 لم تقم حكومة الإقليم بتعيين الخريجين الجدد».
بالتالي، أدى هذا الأمر إلى انتعاش التعليم الأهلي، حيث يضغط أولياء الأمور على أنفسهم لتسجيل أبنائهم في تلك المدارس، لمعرفتهم بأن المدارس الحكومية لا تقدم نفس الأداء الذي تقدمه المدارس الأهلية.
وخلال العام الماضي، شهدت محافظتا السليمانية وحلبجة إضرابًا عامًا عن الدوام بسبب عدم صرف الرواتب، واستمر لمدة ثلاثة أشهر، مما أثر على نتائج الامتحانات، خاصة لطلبة المراحل النهائية الوزارية.
وانطلق العام الدراسي الجديد في إقليم كردستان في 25 من الشهر الحالي، وسط أمنيات بتغير الحال، لكن هناك تلويحًا بالإضراب من قبل مجموعة كبيرة من التدريسيين نتيجة عدم استلام رواتبهم حتى الآن.
غياب الخدمات الأساسية
وفي ذات السياق، تشير الباحثة والأكاديمية في جامعة السليمانية نرمين زنكنة إلى أن العملية التربوية في إقليم كردستان تشهد انهيارًا متواصلًا منذ أكثر من عشر سنوات.
وأكدت في حديثها لـ (المدى) أن «أولياء الأمور باتوا لا يثقون بالتعليم الحكومي لجملة أسباب، أهمها نقص الكوادر، والإضرابات المستمرة عن الدوام، والبنايات القديمة التي تفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية من أجهزة التبريد والتدفئة، والماء الصالح للشرب، والنظافة العامة».
وأردفت أن «ما يدفع أولياء الأمور لتسجيل أبنائهم في المدارس الأهلية، بالرغم من ارتفاع أجورها، هو الخدمات التي تقدمها، فضلًا عن الاهتمام والرعاية في تلك المدارس مقارنة بالمدارس الحكومية».
كما أن الدوام مستمر في المدارس الأهلية حتى في أوقات الإضرابات والتظاهرات، ولا توجد عطلة إلا في المناسبات الرسمية التي تعلن عنها حكومة الإقليم، وأوقات الدوام في تلك المدارس أطول مما هو موجود في المدارس الحكومية، بفارق ثلاث ساعات.
وكل تلك العوامل تشجع الأهالي في إقليم كردستان على تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة والمدارس الدولية.
ملايين الدنانير
أبدى مواطنون امتعاضهم من عدم الاهتمام بالتعليم الحكومي، واضطرارهم لدفع مبالغ كبيرة جدًا لغرض تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة.
وأشارت لارا محمود إلى دفعها مبلغ مليونين ونصف المليون دينار عراقي سنويًا فقط كقسط سنوي، بينما تُدفع مبالغ أخرى كأجور نقل وملابس ومستلزمات دراسية وغيرها.
وبينت في حديثها لـ (المدى): «لو وفرت الحكومة مدارس محترمة ونظيفة وفيها جودة تعليمية، فمن المؤكد أننا سنسجل أبناءنا فيها، ولكن هناك تقصير واضح وإهمال للتعليم الحكومي، ويجب على الحكومة مراجعة هذا الأمر».
وتبلغ رسوم الدراسة في المدارس المحلية الخاصة بين 1500 إلى 2000 دولار سنويًا، بينما تتراوح رسوم المدارس الخاصة الدولية ما بين 3000 إلى 4500 دولار سنويًا، وهو ما قد يفوق قدرة الكثير من أهالي الطلبة.
وطالب عضو برلمان إقليم كردستان عن الدورة السابقة أحمد دبان بمراجعة شاملة من قبل حكومة الإقليم للملف التعليمي في كردستان.
وأوضح دبان في حديثه لـ (المدى): «منذ عشر سنوات والتعليم يعاني في الإقليم من تراجع كبير، وأصبحت هناك فجوة بين طبقات المجتمع نتيجة اتجاه مجموعة كبيرة من المواطنين للمدارس الخاصة».
فيما بقيت شريحة الفقراء وذوي الدخل المتوسط والمحدود في المدارس الحكومية، وهذا خلق فجوة طبقية، فضلًا عن تراجع غير مسبوق في العملية التعليمية، يجب الوقوف عنده بشدة ومعالجته بخطة استراتيجية من قبل الحكومة، كون التعليم الحكومي يتعرض لشلل تام.
ويشير المعلمون إلى مشكلة أخرى تتمثل في تراجع الاهتمام باللغة الكردية الأم داخل المدارس، حيث يُفرض على الطلاب تعلم لغات أجنبية منذ الصغر، مما يشكل خطرًا على الهوية الثقافية لإقليم كردستان.
الأزمة المالية تهدد التعليم الحكومي في كردستان وتنعش المدارس الأهلية!
نشر في: 9 أكتوبر, 2024: 12:25 ص