نينوى / سيف الدين العبيدي

في ظل الظروف الصعبة التي عاشتها نينوى بعد التحرير، برزت مبادرات ثقافية تساهم في إعادة بناء المجتمع وتعزيز الوعي. ومن بين هذه المبادرات، مشروع المكتبات المجانية الذي أطلقه ابن سنجار كاميران كمال، والذي حظي بدعم وتكريم من مؤسسة (المدى) تقديراً لجهوده في نشر الثقافة وتشجيع القراءة.

بدأ كاميران بمكتبة صغيرة تحتوي على عدد محدود من الكتب، لكن شغفه بالقراءة وحماسه لنشر الثقافة دفعه لتشجيع أبناء المخيم على القراءة واستغلال أوقات فراغهم في شيء مفيد. وبعد تحرير ام الربيعين، عاد إلى قضاء سنجار وافتتح أول مكتبة في المدينة، وهو إنجاز كبير بالنظر إلى أن المدينة لم تحظ بمكتبة منذ 25 عاماً. كاميران لاحظ إقبالاً كبيراً على القراءة، خصوصاً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ما دفعه للاستمرار في مشروعه الثقافي.

تأسيس مكتبة سنجار
في حديثه لـ(المدى)، أشار كاميران إلى رغبته في افتتاح المكتبة في سنجار منذ عام 2017، إلا أن الأوضاع حينها لم تكن تسمح بعودة الحياة إلى المدينة. وعندما عاد في عام 2020، افتتح المكتبة وأطلق نظام الاستعارة المجانية. اليوم، تضم المكتبة أكثر من 20 ألف كتاب بعدما كانت تحتوي على 10 كتب فقط في بداياتها، وذلك بفضل دعم دور النشر العراقية والعربية والمؤسسات الثقافية ومحبي القراءة.
كاميران كرس جهوده لتعزيز الجانب الثقافي وإعادة البناء الفكري في نينوى، خاصة بعد التفكك الذي عانت منه المحافظة. نظم مهرجانات ثقافية وندوات حوارية في سنجار، وحاز على «جائزة الحلم الذهبي» في عام 2021. كما كُرم مرتين من قبل مؤسسة (المدى) بدعوة من الدكتورة غادة العاملي في معرض العراق الدولي للكتاب لعامي 2022 و2023.
تحدث كاميران عن التنوع الكبير بالكتب المتاحة في مكتبته، حيث أرسلت دور النشر في العراق، بما في ذلك (المدى)، كتباً تغطي مجالات مختلفة. وأوضح أنه حريص على المشاركة في الفعاليات الثقافية التي تقام في نينوى لإثبات أن الكتب ليست حكراً على شارع المتنبي في بغداد أو شارع الفراهيدي في البصرة أو شارع النجفي في الموصل، بل أن الثقافة منتشرة في جميع أنحاء العراق.

افتتاح مكتبة في البعاج
لم يتوقف كاميران عند افتتاح مكتبة في سنجار، بل افتتح مؤخراً أول مكتبة في تاريخ قضاء البعاج، جنوب غربي نينوى. تضم المكتبة 1000 كتاب متنوع وتعمل أيضاً بنظام الاستعارة المجانية، مع توفير الكتب للبيع بأسعار مناسبة.
كاميران أكد أن نسبة القراءة ضعيفة في الوقت الحالي، رغم انتشار المثقفين، ويعود ذلك إلى قلة رأس المال لدى المكتبات وارتفاع أسعار الكتب، مما أدى إلى انتشار النسخ غير الأصلية في السوق العراقي، وهو ما أثر سلباً على مبيعات الكتب.
يطمح كاميران إلى تحويل مكتبته في سنجار إلى مؤسسة ثقافية متكاملة، ويواصل جهوده لزيادة الوعي بأهمية الاستعارة المجانية للكتب. ويعتبر مكتبته مكتبة عامة للجميع، ويعمل متطوعاً لتحقيق هدفه في أن تكون الثقافة والقراءة في متناول يد كل شخص.
ورغم مبادراته الثقافية، فإن كاميران لم يتمكن من إكمال دراسته الجامعية بسبب النزوح. فقد التحق بالتخصص البايولوجي في جامعة الموصل عام 2014، لكن دخول داعش ونزوحه إلى دهوك منعه من مواصلة دراسته. كما لم يتمكن من استكمال دراسته في كركوك خلال فترة النزوح بسبب الظروف المعيشية الصعبة. ومع ذلك، استثمر كاميران وقته في مشروعه الثقافي، الذي بات اليوم ركيزة أساسية لإعادة بناء الفكر والثقافة في نينوى.