خاص/المدى
شهدت أسعار النفط انخفاضًا ملحوظًا في الأسواق العالمية خلال الأيام الأخيرة، وسط تصاعد حدة التوترات بين إيران وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط. يأتي هذا الانخفاض على وقع المخاوف من تأثر إمدادات النفط في المنطقة نتيجة للتصعيد العسكري والسياسي بين الطرفين، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار التي تؤثر إلى حد بعيد على الأسواق النفطية.
والتصعيد بين إيران وإسرائيل يحمل أخطاراً عديدة على حركة تصدير النفط عبر مضيق هرمز، وهو شريان حيوي لتصدير النفط العراقي ودول الخليج. ومع تزايد حدة التوترات، يخشى المستثمرون من إمكانية تعطل الإمدادات أو حتى وقوع هجمات على المنشآت النفطية أو ناقلات النفط، مما دفع إلى تقلبات كبيرة في الأسعار.
في السياق ذاته، تعتمد العراق إلى حد بعيد على صادرات النفط لدعم اقتصادها الوطني، ويشكل أي انخفاض في أسعار النفط تهديدًا مباشرًا لميزانية الدولة، حيث تعتمد بغداد على العائدات النفطية لتمويل القطاعات الحيوية والخدمات العامة. وفي ظل هذه الظروف، تواجه الحكومة العراقية تحديات إضافية تتعلق بكيفية إدارة الاقتصاد في ظل تقلبات الأسعار العالمية.
من جهة أخرى، تشير بعض التقارير إلى أن الانخفاض الحالي في أسعار النفط قد يعود جزئيًا إلى زيادة الإنتاج في بعض الدول النفطية، بما في ذلك الولايات المتحدة، مما يسهم في تعزيز العرض العالمي وتقليل الضغط على الأسعار.
قال المختص في الشأن الاقتصادي، علي الكبيسي، خلال حديث لـ (المدى) إن "الانخفاض الحاد في أسعار النفط العراقي جراء التصعيد بين إيران وإسرائيل يمثل ضربة قوية للاقتصاد العراقي الذي يعتمد في المقام الأوّل على عائدات النفط".
وأوضح أن "استمرار هذا الانخفاض يهدد بتفاقم العجز في الموازنة العامة، ويضع الحكومة أمام تحديات كبيرة في تأمين الرواتب والتمويل اللازم للمشاريع الأساسية والبنية التحتية".
وأكمل، أن "الأضرار لن تقتصر على المالية العامة فحسب، بل ستؤثر سلبًا في الاستثمارات الأجنبية وثقة المستثمرين في الاقتصاد العراقي، حيث يعتمد الاقتصاد على نحو مفرط على الاستقرار في أسعار النفط العالمية".
وفيما يتعلق بطرق معالجة هذا الوضع، أمد الكبيسي على "ضرورة تنويع مصادر الدخل الوطني لتقليل الاعتماد المفرط على النفط، من خلال تعزيز القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة والسياحة".
كما دعا إلى "الإسراع في تطوير البنية التحتية للطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحديثة لتعزيز الكفاءة وتقليل النفقات التشغيلية في القطاع النفطي"، مؤكداً على "ضرورة تفعيل سياسات اقتصادية طويلة الأمد تعتمد على الإصلاحات المالية وتقليص الاعتماد على الأسواق النفطية المتقلبة".
من جهته، حذر الخبير في الشأن النفطي حيدر البطاط، الدول المنتجة للنفط، فيما أشار إلى أن "إنتاج النفط الصخري يكون أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية".
وقال البطاط في تصريح صحفي تابعته (المدى)، إن "ارتفاع أسعار النفط يؤدي إلى تباطؤ النمو الصناعي وانخفاض الطلب على النفط مع زيادة التوجه نحو استخدام الطاقة البديلة، وهذا يمثل تهديداً للدول المصدرة للنفط والمستفيد الأساسي من هذا الوضع هي الولايات المتحدة الأمريكية".
وأضاف، أن "إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري يكون مجدياً من الناحية الاقتصادية فقط عندما يتجاوز سعر البرميل 65 دولاراً، أما في حال انخفاض سعر النفط أقل من 65 دولاراً، فإن إنتاج النفط الأمريكي يصبح غير مجدٍ اقتصادياً".
وأكمل، أنه "بذلك تُجبر أمريكا على خفض إنتاجها من النفط الصخري مما يجعل السوق بحاجة إلى 10 ملايين برميل نفط، وهذا يؤدي إلى زيادة الطلب على النفط المنتج من الدول الأعضاء في منظمة أوبك لتعويض الفجوة الناتجة عن تراجع الإنتاج الأمريكي".
وختم الخبير النفطي قوله إن "هذا السيناريو يُعد حلاً وحيداً لمواجهة انخفاض استهلاك النفط والتحول إلى الطاقة البديلة ثم إنَّه سوف يزيد النمو الصناعي وبذلك يدفع الدول المنتجة للنفط لزيادة إنتاج النفط لمواكبة الطلب العالمي المتزايد وبذلك يعوضون الانخفاض بالسعر من خلال زيادة الكميات، وهذا بدوره يزيد من كلف استخدام الطاقة البديلة التي تكون بالنتيجة أعلى من سعر الطاقة الأحفورية بكثير فيؤدي إلى عزوف المستهلكين عنها والاستمرار في الاعتماد على الطاقة الأحفورية مع تطويرها وترقيتها لتكون صديقة للبيئة".
ووفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تمتلك الولايات المتحدة أكبر مورد قابل للاستخراج من النفط الصخري على مستوى العالم، حيث يبلغ حتى الآن 78.2 مليار برميل.
ورغم كون الصين وافدًا جديدًا نسبيًا على الساحة، فإنها تحتل مكانة مهمة باحتياطي يبلغ 32.2 مليار برميل، مما يسهم بنسبة 7.7% من الحصة العالمية.
كما وصلت الأرجنتين وليبيا والإمارات العربية المتحدة إلى مراتب متقدمة، مما يشير إلى التوزيع المتنوع لموارد النفط الصخري في جميع أنحاء العالم.
وتراجعت أسعار النفط، اليوم الجمعة، بعد ارتفاع في اليوم السابق، ولكنها ظلت محددة لتحقيق مكاسب للأسبوع الثاني على التوالي.
وبحسب وكالة رويترز، يوازن المستثمرون تأثير أضرار الإعصار على الطلب الأمريكي، بالتزامن مع أي انقطاع واسع في الإمدادات في حال هاجمت إسرائيل مواقع النفط الإيرانية.
وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 29 سنتا، أو 0.4٪، إلى 79.11 دولارا للبرميل بحلول الساعة 0430 بتوقيت جرينتش. كما هبطت العقود الآجلة للنفط الخام الوسيط في غرب تكساس بمقدار 21 سنتا، أو 0.3٪، إلى 75.64 دولاراً للبرميل، في وقت كان كلا المعيارين يتجهان إلى زيادة بنسبة 1٪ -2٪ خلال الأسبوع الجاري.