"أنْ تكتب عملاً كبيراً ومهماً أفضل من أنْ تكون بصحة جيدة"
سارتر
طالب عبد العزيز
هذا الخريف الذي مازال نصفه في الصيف يجعلني أكثر حنقاً، أما الشتاء فيشيخ وحيداً في قرية بعيدة، وآراء أولادي في الدين والسياسة والطوائف تثير رغبتي في الصمت، وشوارع المدينة التي تمشي بي في النهار فهي قلما تنتهي بالمكان الذي اريد. المقهى، حيث يجلس الأصدقاء مأوىً ما عدتُ انتظر بلوغه بشوق، أحبُّ المدينة هذه، لكنني أتطلع الى العيش في أخرى، دائماً ثمةَ مكان أجمل، أقلَّ صخباً، وأليق بالإنسان.
أعرفُ أنَّ الشعرَ، الخلاص الاخير لن يعثر في قلبي على ضالته، وأنا في سوْرة الضجر هذه، هو في مكان بعيدٍ أيضاً، مثل الشتاء، الذي تأبّى السنةَ هذه، لكنني سأحاوله، كأسُ النبيذ حمراء وزجاجيّة أحياناً، فهي تمتلئ وتفرغ، بحسب ما أسمعُ، وأقرأ، وأعاين. الصفحاتُ الزرقُ أكثر من سخيفة، والأصدقاء المكررون في الهاتف يبعثون برسائل مقززة، “صباحات الخير” قاتلة أيضاً، وأشد قتلا منها “المساءات” أما “الجُمعات المباركة” فلفرط كراهتي لها كثيرا ما أذهب الى الفراش، أعيدُ حسابي مع الأيام، أحصي أصابعي، علني أجدُ فيها ما يجعلُ الأسابيع بلا جمعات. كان أبو حيّان التوحيدي يسمي افلاطون وارسطو وسقراط رهطاء الكفر.
في مثل حالات كهذه يتوجب على المرء أنْ يفضفضْ، يفضفضُ فضفضةً، وسحابةٌ فضفاضةٌ كثيرةُ الماء، وامرأةٌ فضفاضةٌ كثيرةُ اللحم، والفضفضةُ تعني أيضاً أنها طاقةٌ زائدة داخل الانسان.. يالها من مفردة عظيمةٍ، إذن فلأفضفض، فوالله، لا أجدني غير ذلك. في مصنفه الأعظم (أدبُ الكاتب) الذي احتفظ بنسختي منه قبل نصف قرن ويزيد، يكتب ابن قتيبة الدَّينوَري:” رأسُ الخطِّ النقطة، والنقطة لا تنقسم، والكلام أربعة: أمرٌ وخبرٌ واستخبارٌ ورغبةٌ. ثلاثة لا يدخلها الصدقُ والكذبُ، هي الامرُ والاستخبارُ والرغبةُ، وواحدٌ يدخله الصدقُ والكذبُ وهو الخبر” . لكنهُ، وبما انطوت عليه نفسه كان يقول:” صارَ العلمُ عاراً على صاحِبه، والفضلُ نقصاً، وأموالُ الملوك وقفاً على شهوات النف
حين تعصف بروحك الرغبات القِ بنفسك من النافذة، وعندما يتحول لون الغيم الى الأسود دع الستارة على اليمين، المصادفة حسب هي جعلتك آمناً، الى غرفةٍ في الطابق الثاني أخذتُ ديوان المعرّي، كان النحيبُ كافياً لتحترق غابة النخل. ظلّت الريحُ تُعْولُ ولم تتغير الطريق الى منزلها. يا نيكول كيدمان، الأزرق لا يعني علبة الدواء التي في حقيبتك. ليس السكرُ تطفلاً على الواقع، وما هو محاولة في نسيانه، إنهُ إرادةٌ في نبذه، وتجاوزه، ما تفعله الخمرة في نفوس البعض هو محاولة في تجاوز الزمن. هناك أمكنة تضيق بساكنيها، الدين والسياسة والطوائف والقبائل أسلاك شائكة تسوّر حياة البعض، تطرد البلابل والزهور والألوان ومناديل الحرير عنها، وحيث هي كذلك، لا سبيل لاستردادها إلّا بما تجود به ابنةُ الكرم.
لقد شحُبتَ كثيراً، مَنْ الذي قذف بكلِّ هذا الليمون عليك! أجلسُ مثلَ أصيص وحيد، استلقي مثل سلة قرنابيط، ذلك ما تفعله القصائد التي لا تجيء، ما ينتجه الجسد الغريب، ما اتنفسه وأنا ميت. أنْ ترصفَ المكعبات فوق بعضها بيسر ذلك ما تريد. الطفولة مكعبٌ لا يسقطُ حين تضعه على آخر يترنح. هو سارتر الذي يقول:” على الكاتب أن يتحدث عن نفسه كلها حين يتحدث عن العالم».