TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: أيها التونسيون.. احذروا دولة القانون

العمود الثامن: أيها التونسيون.. احذروا دولة القانون

نشر في: 16 يناير, 2011: 07:17 م

علي حسينخدعني الشعب التونسي فقد راهنت العديد من الأصدقاء على أنه لن يستطيع الاستمرار في احتجاجاته، وان أقصى ما سيحصل عليه هو تخفيض للأسعار وإطلاق بعض الحريات، ولكن ما أن دارت عجلة الأحداث حتى خسرت الرهان ولم اصدق أن شعبا عربيا باستطاعته إزاحة أكثر الرؤساء العرب استبدادا وقمعا وشراسة.إذن رحل بن علي بأسرع مما توقع كثيرون،
 مؤكدا صحة المقولة الشهيرة "الدكتاتورية تبنى في سنين و تسقط في لحظات"، لكن الأهم أن تطور ونضوج التجربة التونسية بهذا الشكل الدراماتيكى المثير أثبت أن التغيير ممكن وبأبسط الأدوات، المهم أن تتوافر الإرادة الشعبية المخلصة، وأن يكون هناك استعداد لدفع الثمن، وساعتها سيكون التغيير سهلا، رغم ما يسببه أحيانا من آلام وخسائر في الأرواح والممتلكات."لا خوف بعد اليوم" شعار شاهدناه من على شاشات التلفزيون يحمله نسوة ورجال، شبان وفتيات، الخوف،هذا الوحش الفظيع الذي يكبّل الشعوب، ويتركها تتخبّط في مستنقع البؤس والعصبية والتخلّف، يمكن الانتصار عليه في النهاية، في تونس دقت الساعة بعد ربع قرن من الانتظار على الأقل، صرنا خلاله لا نجرؤ على الحلم. ما إن تتحدّث عن التغيير، حتى يخيّرك حراس الهيكل بين حذاء الديكتاتور وشعارات الساسة الجدد.اليوم في شوارع تونس مواطنون يطالبون بالرغيف والحريّة. أقرأ بيانهم الهادر، باسم مطالب الشعب واحترام حقوق المواطن والإنسان في إطار دولة القانون. وضعت يدي على قلبي وأنا اسمع عبارة "دولة القانون" وأتساءل هل سيخدع التونسيون مثلما خدعنا، وهل تصبح أقصى أحلامهم موافقة المسؤول على السماح بإقامة ناد اجتماعي للأدباء، أو السماح بإقامة حفلة غنائية على إحدى المسارح، وهل ستنتهي تضحيات التونسيين بمثل ما انتهت إليه تضحيات إخوة لهم في العراق لا يستطيعون القيام بمظاهرة أو احتجاج إلا بموافقة السلطات الرسمية، وهل سيضع أولو الأمر قانونا للأخلاق العامة مثلما يحاول اليوم رجال دولة القانون تشريعه لنا، وهل سيستجدون الحرية مثلما نستجديها اليوم.النظام التونسي الذي أحكم بن علي قبضته عليه مع صهره وأفراد عائلته قد سخر موارد تونس وميزانيتها لغرض الإثراء غير المشروع له ولأتباعه الذين كبتوا الحريات وقمعوا الشعب وأذلوه، وسيتساءل العراقيون كم تبلغ ميزانية تونس التي نهبها بن علي وجلاوزته، أنها 13 مليار دولار وهي لا تعادل ميزانية وزارة الداخلية العراقية.كما أن تونس تتمتع ببنى تحتية جيدة مثل الكهرباء والماء والخدمات في أحسن حال وكذلك الجامعات والنظام التعليمي والصحي ولذا فإن جزءا كبيرا من تلك الميزانية يصرف على هذه الخدمات إلا أن الجزء الآخر المخصص لتحسين المستوى المعيشي للمواطن التونسي يذهب إلى جيوب الزمرة الفاسدة الحاكمة في تونس وعلى هذا الجزء المسروق ثار الشعب.. فماذا لو كانت ميزانية تونس 87 ملياراً، وتفتقر إلى الكهرباء والخدمات والطرق النظيفة وتعاني أزمة سكن وبطالة. ولهذا أخشى على أشقائنا في تونس من شعارات تنادي بدولة القانون، لأنها شعارات براقة سرعان ما يلتف الساسة حولها فيفرغونها من مضامينها الحقيقية، فينتشر الفساد المالي والإداري وتكشر المحاصصة عن أنيابها لتتقاسم الأموال والمنافع لتحرم الشعب منها. بادرت النخب السياسية عندنا قبل الانتخابات بالعمل على تعزيز الخطاب الوطني العراقي واتخذت جملة من الإجراءات في إطار إشاعة مفهوم الدولة المدنية و روح المواطنة لدى قطاعات كبيرة من العراقيين.فما الذي حدث بعد ذلك؟قرروا نسف اللعبة  الديمقراطية بأكملها والانقلاب على هذه الخطة، والعودة بالبلاد إلى زمن القرون الوسطى وتمكين رجال من شاكلة كامل الزيدي من التحكم في مصائر العراقيين. فيا إخوتنا في تونس. لا ترفعوا شعارات دولة القانون واعملوا على بناء دولة المواطن لا دولة السياسي، وتعلموا من تجربتنا نحن المساكين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram