عبدالله السكوتي دخل حسين الخلف الى مضيف الشيخ (احمود المغامس) وعيناه تتطاير بالشرر وبمزاج لايحسد عليه، وتناول فنجان القهوة من يد مرسول بعصبية واضحة، وهو يبعث الحسرات والآهات، فما كان من الشيخ الا ان يتوجه اليه ويسأله:(ها ابو علي شنهي القضيه، اليوم مو على عوايدك)، فاجابه حسين: بأنه
ذهب بالامس الى العلوة، ليبيع بعضا من محاصيله، واصطحب معه (مناتي) ليكون مشرفا على وزن المحصول، واوقف مناتي بقرب الوزّان، وذهب ليقضي بعض اعماله، ولما عاد سأل مناتي عن الوزن لانه لم يجد الوزّان فقال مناتي: (شرد وزانها وتاه الحساب) فضحك الشيخ وطمأنه ان اجرة السيارة لاتعني شيئا وسوف يخرج معه سيارة حمل من سياراته لكي تذهب بالمحصول ثانية، ولكن بالمقابل طلب الشيخ من مناتي بعد ان ارسل اليه رواية القصة كاملة ولماذا هرب الوزّان، فقال مناتي: بدأ الوزّان بالوزن، وكان من عادة الوزانين اذا عدّ احدهم يذكر الارقام بشكل مختلف فيقول: واحد، واحد الله، (اثنين)، ماله ثاني، (ستة) ستار الله، اما اذا تجاوز الرقم الثاني عشر فيعد، ثلث طعش، خمس طعش، وهو يلفظ الكلمة التي تسبق (طعش) باخفاء بعض حروفها وبصوت غير مسموع، ويظهر (طعش) عاليا، ويكاد السامع لايسمع الا تكرار (طعش)، واثناء ماكان يزن نال منه التعب والاعياء فحدث امر ما، خجل الوزّان منه فترك الميزان وهرب لا يلوي على شيء، (وآنه شيخنا كل شي ما افتهمت، بس جنت اسمع طعش ورا طعش، ومن اجه ابو علي سألني اشكثر الوزن كتله: شرد وزّانها وتاه الحساب)، ضحك الجميع فضحك حسين الخلف معهم وتبخرت احزانه وهمومه عائدا الى هدوئه؛ وهذا القول يقال عندما تضطرب الامور وتحدث الفوضى، فلا ينتهي الامر عند هروب الوزّان الاول، وهناك غيره من الوزانين الذين سيتابعون الوزن، وما حدث لحسين الخلف ممكن اصلاحه بعد ان تبرع الشيخ باحدى سياراته لنقل المحصول مرة اخرى، لكن الصعوبة تكمن في تكرر الحالة، عندها سيكون الاعتذار صعبا، ومن المؤكد ان مساءلة الوزان التالي ستختلف عن الذي سبقه، على اعتبار خجل الاول وهروبه وتلك تجربة مرت، (والمرة اللي علمت ماضرت على قول شيخ احمود المغامس)، لانها ستكسب التجربة، والمعرفة للقائمين على الامر وهيهات ان يلدغ المؤمن من جحر مرتين، واذا لدغ مرتين، فلايمكن ان يلدغ ثلاث. نحن بانتظار اقرار الموازنة، لنعلم مابجعبة الوزراء الجدد، وماهي مشاريعهم، وهل سيكون هذا العام عام اعمار هو الاخر كسابقه ام لا! واين سيضعون تخصيصات الوزارات؟، وهل ستبقى الخدمات متخلفة، وبغداد تعاني من مطر الساعة والساعتين لتتحول في ارقى مكاناتها الى (هورة من مياه الامطار المختلطة بمياه الصرف الصحي)، وهل سيبقى الدواء الصيني يملأ المستشفيات وهو لايعالج صداع الرأس المزمن لدى العراقيين؟ متى سنرى مناشئ عالمية فقد ترسب الجص داخل احشائنا، نريد دواء حقيقيا، ونريد خدمات حقيقية، فنحن لسنا في مسرح لنضع ديكورا من الورق، ونأخذ مخيلة المشاهد الى عوالم رومانسية تساعدنا الاضواء في التأثير على عينيه، يكفي ان عددا من الوزانين قد هربوا بلا حساب ولاكتاب، ولنر مايفعل من وضعنا ثقتنا به ونحن معه نشد من ازره ونبارك خطواته في الصحة والتربية والتعليم والداخلية والدفاع، و الرياضة لنكن بقدر حجمنا الحقيقي ونرفع من شأن بلادنا، ونرصد المفسدين ليتم تسليمهم الى العدالة ونترك الكلمات الرنانة التي يختفي البعض خلفها، ونغادر الادعاء الذي يدعيه البعض ليسلم من المحاسبة، ولتكن الكتلة اول من يدين الباطل حتى وان صدر عن احد افرادها، لا ان تدافع عنه فالوطن اكبر واشمل من الحزب والجماعة والكتلة، نتمنى ألا يهرب اي وزان بعد عمل يخجل منه وان يظهر ليقول فعلت كذا وكذا.
هواء فـي شبك :(شرد وزّانها أو تاه الحساب)

نشر في: 16 يناير, 2011: 07:42 م