TOP

جريدة المدى > سياسية > بغداد تصبح وتغفو على رائحة الكبريت: لجان وتحقيقات والمعالجات غائبة

بغداد تصبح وتغفو على رائحة الكبريت: لجان وتحقيقات والمعالجات غائبة

نشر في: 14 أكتوبر, 2024: 12:08 ص

بغداد / تبارك المجيد
تصاعدت في الآونة الأخيرة شكاوى سكان بغداد من انتشار رائحة كبريتية خانقة تغزو الأجواء، ما تسبب في مشاكل صحية وقلق واسع بين الأهالي. بالرغم من المحاولات الحكومية لمعالجة المشكلة، إلا أن الرائحة المستمرة أصبحت تهدد السلامة العامة، مما دفع المواطنين للتساؤل عن الأسباب الحقيقية وراءها والإجراءات التي اتخذتها الجهات المختصة للحد من آثارها السلبية على الصحة.
الأسر في بغداد تستيقظ على هواء محمل برائحة الكبريت التي تلتصق بكل مكان، وتجعل التنفس صعبًا والجو غير صحي. الأطفال وكبار السن هم الأكثر عرضة للمعاناة، فيما تتزايد الشكاوى من أزمات تنفسية مفاجئة وتفاقم لأمراض الرئة. في غياب حلول واضحة، يجد السكان أنفسهم محاصرين في مدينتهم، لا يعرفون كيف يحمون أنفسهم من تلوث الهواء الذي يبدو أنه سيصبح جزءًا من حياتهم اليومية.
البيئة المتدهورة في بغداد ليست ظاهرة جديدة، لكنها بلغت ذروتها مع هذه الرائحة الكبريتية التي يعزوها الخبراء إلى انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكبريت الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري في المصافي والمعامل الصناعية، إضافة إلى حرق النفايات العشوائي في مناطق متعددة من المدينة.
تقول وزارة البيئة العراقية أنها لا تزال تحقق في مصدر رائحة الكبريت التي أثارت قلقًا واسعًا في بغداد. ووفقًا للمعلومات المتوفرة من التحقيقات الأولية، يُعتقد أن الرائحة ناجمة عن عمليات حرق النفايات في المطامر الصحية، خاصة في منطقة معسكر الرشيد في الرصافة. بالإضافة إلى ذلك، تُسهم المخلفات الصناعية من معامل صهر الحديد والعبوات المعدنية في مناطق شرق القناة في زيادة انبعاثات هذه الروائح.
وتوضح الوزارة أن سكون الهواء أدى إلى تراكم الروائح وانتشارها في الأجواء بشكل أكبر. وتعمل حاليًا لجنة مشتركة من وزارة البيئة بالتعاون مع محافظة بغداد، أمانة العاصمة، ووزارتي النفط والكهرباء على معالجة هذه المشكلة والبحث عن حلول فعالة للحد من الانبعاثات وتحسين جودة الهواء في المدينة.
فقدان الغطاء النباتي
يبرز الخبير البيئي تحسين الموسوي التحديات البيئية الحرجة التي تواجه العاصمة العراقية بغداد، حيث تشهد المدينة ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات التلوث، ولا سيما غاز الكبريت. الموسوي يربط هذه المشكلة بعمليات معالجات الصرف الصحي القديمة وغياب تقنيات حديثة لمعالجة النفايات، مشيرًا إلى أن محطة معسكر الرشيد تعد أحد المصادر الرئيسية لهذا الغاز الضار.
ترافق هذه التحديات البيئية مع توسع سكاني كبير في بغداد، حيث بلغ عدد سكانها نحو تسعة ملايين نسمة. هذا النمو السكاني الهائل فرض ضغطًا كبيرًا على البنية التحتية، خاصة مع الطلب المتزايد على الطاقة. نظرًا لنقص إنتاج الكهرباء، تعتمد المدينة بشكل كبير على المولدات الأهلية التي تنبعث منها كميات كبيرة من الغازات السامة، مما يزيد من حدة التلوث في الهواء.
من بين القضايا الأخرى التي يثيرها الموسوي، فقدان الغطاء النباتي نتيجة التجريف واستغلال المساحات الخضراء. كانت الأشجار والمساحات الخضراء تلعب دورًا هامًا في امتصاص الغازات الضارة مثل ثاني أكسيد الكربون والكبريت، ولكن مع تراجع هذه المساحات، ارتفعت مستويات التلوث بشكل كبير، مما يهدد صحة السكان بشكل مباشر.
يشير الموسوي أيضًا إلى أن عدد السيارات في بغداد تجاوز أربعة ملايين سيارة، مما ساهم في زيادة انبعاثات العوادم الضارة نتيجة لعدم تطبيق معايير بيئية صارمة. هذا أدى إلى تفاقم مشكلة تلوث الهواء في العاصمة بشكل ملحوظ.
أما على صعيد الصحة العامة، فقد ارتفعت معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والسرطان الرئوي، وهو ما تؤكده تقارير وزارة الصحة. هذا الارتفاع في الأمراض مرتبط بشكل مباشر بزيادة مستويات التلوث في الهواء، ما يعكس الأثر البيئي الكبير على الصحة.
في ختام حديثه، حذر الموسوي من أن العراق يمر بمرحلة حرجة بيئيًا، وإذا لم يتم اتخاذ تدابير جذرية وسريعة، فإن البلاد قد تواجه تدهورًا بيئيًا يصعب التعامل معه في المستقبل. الحلول التقليدية المتبعة حاليًا غير كافية، والتدهور البيئي سيستمر في التفاقم إذا لم تحدث تغييرات جوهرية.
دور المصافي النفطية
تُعزى مشكلة رائحة الكبريت بشكل رئيسي إلى عمليات احتراق الوقود الأحفوري في المناطق القريبة من مصافي النفط، وهو ما يوضحه مدير إعلام الأنواء الجوية، عامر الجابري، لـ(المدى). وعلى الرغم من انتشار تفسيرات متباينة حول مصدر الرائحة، يؤكد الجابري أن السبب يعود إلى المصافي وليس مواقع الطمر الصحي كما يُشاع أحيانًا.
المشكلة لا تقتصر على العراق، بل تمتد إلى العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل السعودية، الإمارات، الكويت، وليبيا، حيث تشهد هذه الدول تركيزات مرتفعة من انبعاثات الكبريت. الجابري يشير إلى أن العراق يشترك مع هذه الدول في معاناة مشتركة تتعلق بالتلوث الناتج عن الصناعات النفطية، خصوصًا مع زيادة الطلب على الطاقة واستخدام المولدات الأهلية في ظل نقص إنتاج الكهرباء. هذه المولدات، التي تعتمد بشكل أساسي على الوقود، تُعتبر من أكبر مصادر التلوث في بغداد، حيث تنبعث منها كميات كبيرة من الغازات السامة التي تؤثر سلبًا على جودة الهواء.
التأثيرات الجوية
كما يوضح المتنبئ الجوي صادق عطية، فإن انتشار هذه الانبعاثات يتفاقم بسبب العوامل الجوية، خاصة في الأوقات التي تكون فيها الرياح الساكنة أو الجنوبية الشرقية. هذه الرياح تعمل على حمل الانبعاثات إلى المناطق السكنية في بغداد ومدن الفرات الأوسط، مما يجعل سكان هذه المناطق عرضة لمزيد من التلوث. ويشير عطية لـ(المدى) أيضًا إلى أن المعامل التي تعتمد على النفط الأسود، مثل معامل الطابوق، تسهم بشكل كبير في زيادة تركيز هذه الغازات في الهواء.
فيما يتعلق بالصحة العامة، تتفق جميع الآراء على خطورة استنشاق هذه الانبعاثات، خاصة على الفئات الضعيفة مثل كبار السن والأشخاص المصابين بأمراض الجهاز التنفسي كالربو. يوضح الجابري أن استنشاق غاز ثاني أكسيد الكبريت يمكن أن يؤدي إلى أمراض خطيرة مثل أمراض القلب، السكتة الدماغية، وسرطان الرئة. ويضيف عطية أن استنشاق هذا الغاز بكميات كبيرة قد يتسبب في تهيج القصبات الهوائية والتهابات الرئة، وهو ما يزيد من المخاطر الصحية على المدى الطويل.
غياب الإجراءات الحكومية الفعالة
ورغم تكرار هذه الظاهرة لثلاث مرات خلال السنوات الأخيرة، يعبر الجابري عن استيائه من عدم اتخاذ الجهات المعنية، وخاصة وزارة البيئة، إجراءات فعالة لمعالجة هذه المشكلة المتفاقمة. وأشار إلى أن العراق بحاجة إلى أجهزة متخصصة لقياس نسبة التلوث في الهواء، ما سيساعد في وضع خطط مناسبة لحماية المواطنين من التلوث المتزايد. يشدد الجابري على أن المؤسسات الحكومية، وعلى رأسها وزارة البيئة، تتحمل مسؤولية كبيرة في معالجة هذه المشكلة التي باتت تؤثر بشكل مباشر على صحة المواطنين.
يختتم الجابري حديثه بالتأكيد على أهمية التحرك السريع لمعالجة هذه الانبعاثات، محذرًا من أن استمرار التدهور البيئي في العراق قد يؤدي إلى آثار كارثية في المستقبل القريب إذا لم تُتخذ خطوات جذرية لحل المشكلة.
وفي حديث متلفز تابعته (المدى)، أكد علي الوائلي، رئيس مراقبة جودة الهواء في وزارة البيئة العراقية، أن مشكلة رائحة الكبريت في بغداد ليست جديدة بل تتكرر سنويًا، حيث ترجع جذورها إلى عدة عوامل بيئية وصناعية. وأوضح الوائلي أن الوزارة قامت منذ عام 2018 برصد عدد من مسببات هذه الرائحة، وخصوصًا في المناطق القريبة من مصفى ومحطة كهرباء الدورة، التي تعد من المصادر الأساسية لهذه الانبعاثات.
أشار الوائلي إلى أن هناك حالات صيانة في وحدات مصفى الدورة تؤدي بشكل دوري إلى انبعاث رائحة الكبريت. وتفاقمت المشكلة هذا العام بشكل خاص نتيجة التغيرات الجوية، حيث ساهمت الرياح الساكنة وزيادة طبقة الانعكاس الحراري في ساعات الصباح الأولى في تجمع الغازات والروائح في المناطق السكنية، ما زاد من شعور السكان بالاختناق.
وأضاف الوائلي أن هناك مصدرًا جديدًا لهذه الرائحة تم رصده هذا العام، وهو مرتبط بصناعة الأسفلت. تعتمد هذه الصناعة على استخدام مواد أسفلتية تعتمد على حرق الوقود الأحفوري، مثل النفط الأسود أو الخام الذي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت. ومع عدم توفر تقنيات حديثة للسيطرة على هذه الانبعاثات، وعدم تحقيق المتطلبات البيئية، تزداد المشكلة تعقيدًا.
مؤشر أداء العراق البيئي
وفيما يتعلق بجودة الهواء بشكل عام، أوضح الوائلي أن أكثر من 50 في المائة من هواء بغداد ملوث، حتى في غياب رائحة الكبريت.
وحصل العراق على المرتبة 178 من بين 180 دولة في مؤشر أداء الحفاظ على الطبيعة لعام 2024، بمجموع نقاط بلغ 43 نقطة. وعلى المستوى العربي، جاء العراق في المرتبة الأخيرة.
يستخدم هذا المؤشر 25 مؤشرًا رئيسيًا لتقديم نظرة شاملة على أداء الدول في مجال الحفاظ على التنوع البيولوجي والبيئة، ويشمل التحليل عوامل متعددة مثل تغطية المناطق المحمية، الأنواع المهددة بالانقراض، القوانين المتعلقة بالحفاظ على الطبيعة، والاتجاهات المستقبلية في هذا المجال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

بغداد تتلقى طلباً أمريكياً بـ
سياسية

بغداد تتلقى طلباً أمريكياً بـ"حل الحشد".. و"الإطار" يناور

بغداد/ تميم الحسن عندما دعا مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري المعتكف عن السياسة منذ أكثر من عامين، إلى "دمج الحشد" في عام 2017 - وهو مطلب كرره لاحقًا عدة مرات - وُصف حينها مطلبه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram