الكتاب/ لويزا مي آلكوت "سيرة ذاتية"كتابة/ سوزان شيفرترجمة/ ابتسام عبد اللهإن معظم قرّاء رواية"نساء صغيرات" يظن أن مؤلفتها لويزا مي ألكوت هي إحدى الشخصيات الأربع لها: فقد تكون ميغ أو جو أو بيث أو أمي، وبعد قراءة سيرة حياتها في كتاب لسوزان شيفر، فإن القرّاء سيغيرون بالتأكيد بعض الأماكن التي جاء ذكرها في هذه السيرة مع تلك التي وردت في الرواية.
وألكوت كاتبة، لديها ثلاث شقيقات، بدأت الكتابة بروايات ذات أحداث مثيرة للانفعالات قبل أن تصبح شهيرة بأعمالها التي تتناول العلاقات الأسرية. وهي على العكس من جو (إحدى شخصيات نساء صغيرات)، لم تتزوج قط، متواصلة إلى قرار:(أن الحرية زوج أفضل من الحب). وهناك اختلاف آخر بين الرواية والحقيقة، ففي حين تنتظر الفتيات ووالدتهن عودة. الوالد من الحرب الأهلية، فإن لويزا ألكوت نفسها تركت بلدتها عام 1861 من أجل العناية بالجنود الجرحى.ومع النجاح المذهل لرواية،"نساء صغيرات"، لم يقف النقاد بجدّية في تناولها إلاّ بعد مرور بعض الوقت. أما الكتّاب المعاصرون لها، فكانت رواياتهم تتناول آنذاك صيد الحيتان والمعارك العسكرية، وبدت أحداث،"نساء صغيرات"بالنسبة إليهم كئيبة ومملّة. مع مجيء أعوام السبعينيات، بدأت الحركة النسوية باعتبار ما يدور في البيت،"ساحة قتال" أيضاً.ولويزا لم تكن تميل إلى الزواج وإنجاب الأطفال ومع ذلك فإنها تبنّت ابنة أختها، بعد أن بلغت الـ48 من عمرها. وكان والدها برونسون ألكوت مثلها، لا يحب الإنجاب، ولكنه تزوج وأنجب بعدئذ. وفي سيرة حياته التي كتبها ريتشارد فرانيس، نجده فلاحاً علّم نفسه بنفسه، ترك الدراسة وهو في الـ13 من عمره، وأصبح بعد ذلك محاضراً متميزاً ومصلحاً في مجال التعليم، وعلى الرغم من غرابة طباعه، تمكن من إقناع أفضل العائلات في بوسطن لإرسال أبنائهم إلى مدرسته التجريبية.وبرونسون ألكوت، مثل غيره من أصحاب النظريات التعليمية، وجد أطفاله يسيري التحكم فيهم، وشأنهم أيضاً، لم ينجح في التمسك بوظيفة واحدة. ونتيجة لذلك، انتقلت العائلة 29 مرة من مكان إلى آخر. وفي عام 1843، اشترك برونسون في تأسيس مجمّع،"فروت لاند"، للحياة المثالية يبعد عن مدينة بوسطن بـ15 ميلاً ويضم 13 شخصاً، مطالبين بإلغاء الرّق والعبودية، ومساواة المرأة بالرجل، وإلغاء سلطات الحكومة، ينكرون تناول اللحم والكحول، وربطة العنق، وقص الشعر والقطن (لأن العبيد يرغمون على العمل في مزارعه) والجلد(لأنه يأخذ من الحيوان) وقد أدى قرارهم في منع استخدام السماد إلى تناقص عددهم وفشل المجمع بعد ثمانية أشهر: وجنة عدن الجديدة هذه أصبحت عقيمة في غياب ما يجعلها مثمرة.وتعتمد سيرة حياة لويزا ألكوت على اليوميات التي حافظت على كتابتها في (فروت لاند)، وكانت والدتها هي المرأة الوحيدة الموجودة فيه، وتقوم بتأدية اغلب الواجبات الملقاة على المرأة عادة، وأحياناً على الرجل أيضاً، ولذلك أرغمت عائلتها على الانتقال من ذلك المكان، قبل حلول الشتاء الأول.فهل كان برونسون عبقرياً لم يفهمه معاصروه، أم شخصاً نرجسياً، لا مال، مما دفع بابنته إلى الانهماك في الأعمال المنزلية وكتابة أعمال مثيرة للعواطف الجياشة والتي لا تصنف ضمن الكتابات الأدبية؟ وتنافس سوزان شيفر الفرضيتين. وهي مع ذلك في وصفها لويزا بطلة تلّقت معاملة سيئة، تقلّل من الفوائد التي حصلت عليها من الروابط العائلية. وروايتها الشهيرة،"نساء صغيرات"، ما كانت ستطبع من دون موافقة الناشر الذي تولّى إصدار كتاب،"ألواح"، التي تتضمن مختارات من مذكرات والدها والمترتّبة حسب دائرة الأبراج. وقد تم الاتفاق على طبع"نساء صغيرات" كجزء من الصفقة التي تضمنت نشر الكتابين.وفي تلك المرحلة التي سبقت المرحلة الفرويدية، كانت اليوميات عادة تسرد مراحل الطفولة القاسية، ومعاناة بطلتها. وشيفر ليست كاتبة السيرة الأولى التي تحتفي ببطلة تجاوزت عصرها، وتصف نبوغاً يثير إعجابنا وتقديرنا أكثر من أسماء معاصريها من الكتاب. وعلى الرغم من ذلك، فإن السجلاّت التاريخية تقول إن"نساء صغيرات" ظهرت بان ازدهار الثقافة الأميركية في القرن التاسع عشر ومتأثرة بها. وقد أكدت لويزا ألكوت في عملها المتميز أهمية الحياة الخاصة للفتيات، لأن مدينة بوسطن كانت خميرة لحقوق المرأة. وهي قد تمكنت من طبع روايتها تلك بسبب انتمائها إلى الصفوة المثقفة فيها. لقد نُشرت،"نساء صغيرات"، في مرحلة تاريخية شهدت تغييرات شتى في المجتمع وثقافته. ففي باريس كان ديغا قد بدأ في رسم راقصات الباليه، ومونيه يرسم المناظر الطبيعية وكوبريه يرسم النساء وبودلير يكتب الشعر وإميل زولا يكتب الروايات. وفي أمريكا، بدأ التغيير يشمل المدن والبناء يرتفع فيها والعمارة تتقدم. وقد انعكست هذه التغييرات الشتى على لويزا ألكوت، وتغيّر أسلوب كتابتها. إنها تصف في عملها المتميز، والداً يهتم بكتاباته أكثر من أسرته، ينتقل باستمرار من مكان إلى آخر دون أن يجد الاستقرار المنشود. وهو قد أسس مجمع،"فروت لاند" من اجل الاستعاضة عن علاقات القرابة والاستغناء عنها. واليوم إن تذكرنا بروسون ألكوت فإن الذكرى ترتبط بلويزا ابنته أولاً وكاتبة في الدرجة الثانية
آلكوت والبحث عن عالم مثالي
نشر في: 17 يناير, 2011: 06:39 م