نينوى / محمد العبيدي
تستمر الخلافات السياسية في محافظة نينوى بإعاقة مسار التنمية والمشاريع الحيوية، وسط استياء سكان الموصل من القرارات التي يعتبرونها «مستوردة» ولا تخدم مصلحتهم، في ظل صراع بين الكتل السياسية على النفوذ والسلطة.
وعلى الرغم من انعقاد جلسة للحكومة المحلية في نينوى الأسبوع الماضي، بعد توقف دام ثلاثة أشهر، إلا أن سجل الخلافات لا يزال حافلاً بالكثير من البنود التي تسببت بجفاء سياسي بين القطبين الحاكمين هناك: كتلة «نينوى الموحدة» وتحالف «نينوى المستقبل»، وكأن المدينة لا تزال تعيش الأيام الأولى لانتخابات مجالس المحافظات.
وتعطلت جلسات المجلس في يوليو/تموز الماضي، بعد مقاطعة الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف نينوى الموحدة للجلسات احتجاجاً على قرار إعفاء 20 مدير ناحية ورئيس وحدة إدارية في المحافظة بقرار اعتُبر غير قانوني.
ويتكون مجلس المحافظة من 29 مقعداً، مقسمة بين تحالفين رئيسيين: «نينوى الموحدة» التي تضم 13 مقعداً، بما في ذلك أربعة مقاعد للحزب الديمقراطي الكردستاني، و«تحالف نينوى المستقبل» الذي يضم قوى الإطار التنسيقي وأحزاباً أخرى بعدد 16 مقعداً.
امتداد لصراعات بغداد
ويرى عضو مجلس نينوى السابق، علي الخضير، أن «محافظة نينوى أصبحت انعكاساً لموقف المركز في ظل هيمنة قوى الإطار التنسيقي على مصدر القرار بحكم الأغلبية داخل مجلس المحافظة»، مشيراً في حديث لـ(المدى) إلى أن «الخلافات ستستمر، باعتبار أن الكتل السياسية أصبحت سمتها السائدة السعي للبحث عن الولاءات بعيداً عن المهنية، مستغلين حالة الفراغ السياسي التي تعيشها المحافظة». ولفت إلى أن «غياب القيادة السياسية من أبناء المحافظة جعل جميع القرارات تأتي مستوردة من خارجها، وبما يخدم مصالح الأحزاب لا مصلحة شعبها».
وبدأت الخلافات عندما صوت مجلس نينوى في يوليو/تموز الماضي على استبدال 14 قائممقام ورئيس وحدة إدارية، في جلسة استبدال شامل حضرها 16 عضواً، مع غياب 13 عضواً آخرين من أصل 29 مقعداً في مجلس المحافظة.
وتسبب توقف الجلسات بحالة من الشلل السياسي وحتى الخدمي في مدينة تتضمن الكثير من المشاريع العمرانية، مثل مشروع المطار، ومشروع مجاري الأيمن، والوحدات السكنية، وإكساء الطرق الخارجية، ومشروع توسعة الموصل، وغيرها من المشاريع المتلكئة التي تنتظر موافقات المجلس لاستئنافها أو إقرار موازناتها، فضلاً عن مراقبة سير الأعمال.
موسم الانتخابات
ويرى مراقبون أن محافظات نينوى، وديالى، وكركوك ترتبط بمعادلة كبيرة ومعقدة في بغداد، تتعلق بالتحالفات الانتخابية التي تُجهّز بهدوء خلف الكواليس استعداداً لانتخابات مجلس النواب المقبلة في عام 2025، فضلاً عن تعلقها بملف رئاسة مجلس النواب وما يترتب عليه من استحقاقات ومنافع ونفوذ.
كما أن أعضاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني يرون أن تحالف «نينوى المستقبل» يسعى لإقصائهم كونه صاحب أكبر جماهيرية في محافظة نينوى من بين الأحزاب الكردية، وكان يشكل رقماً صعباً داخل المعادلة، خاصة مع قدوم موعد الانتخابات النيابية، وذلك خدمة لحلفائهم من الاتحاد الوطني الكردستاني والأطراف المقربة مثل حزب العمال الكردستاني والفصائل الإيزيدية.
ويقول الباحث في الشأن السياسي أحمد أبو عباتين: إن «ما يجري في مجلس محافظة نينوى من تقاطعات وعدم انعقاد للجلسات هو نتيجة طبيعية لعدم التوافق على اقتسام المناصب، وفق النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، حيث يحاول كل طرف الاستحواذ على ما هو فوق استحقاقه الانتخابي، باعتباره يملك خيطاً من خيوط الضغط والتأثير، إما مركزياً حيث يجد من يسانده في ذلك تحقيقاً لمصالح انتخابية مشتركة قادمة ويضغط على أصحاب الاستحقاق، أو محلياً من خلال التأثير بضغوطات متنوعة».
وأضاف أبو عباتين في حديث لـ(المدى) أن «الأحزاب الفائزة المتصارعة تعي جيداً أن المناصب التي ستحصل عليها ستحقق لها مكاسب مالية من خلال المناصب، ومعنوية من ناحية السلطة والنفوذ، وانتخابية قادمة، حيث من يملك المال والسلطة والنفوذ سيكون هو صاحب الحظ الأوفر نيابياً، ولذلك تجد كل طرف يسعى إلى أخذ ما هو فوق استحقاقه».
ولفت إلى أن «السبب الرئيسي هو طبيعة الحكم المتمثلة بالتوافقية والتشاركية، والتي أحد أهم مفرزاتها الجمود، وهو ما نعانيه اليوم، ولا يمكن حل هذه المعضلة إلا بالديمقراطية الحقيقية المتمثلة بشقيها: الحكم والمعارضة في المجلس».