TOP

جريدة المدى > محليات > مخاتير المثنى بين الإهمال وغياب الحقوق: قصص معاناة يومية

مخاتير المثنى بين الإهمال وغياب الحقوق: قصص معاناة يومية

نشر في: 16 أكتوبر, 2024: 12:03 ص

 المثنى / كريم ستار

يعمل المختارون في محافظة المثنى تحت ظروف صعبة، دون اهتمام من الجهات المعنية، رغم دورهم الحيوي في المجتمع. يقضون ساعات طويلة في العمل، يفوقون بها ساعات موظفي الدوائر الحكومية، ولكن دون رواتب ثابتة أو مكاتب مناسبة.
ويبحث الحاج أبو ياسين يوميًا، وهو مختار إحدى مناطق مدينة السماوة، عن مكان يؤويه أمام دائرة جوازات المثنى، لممارسة عمله اليومي الذي يستمر لوقت طويل دون كلل أو ملل. فساعات عمله تفوق ساعات عمل موظفي الدوائر الحكومية في محافظة المثنى، لكن شتان ما بين الاثنين؛ فالموظف يجلس في مكان محترم مجهز بكافة المستلزمات الضرورية لديمومة عمله.
أما المختارون في المثنى، والذين يُقدَّر عددهم بحوالي 180 شخصًا في عموم المحافظة، لم يلقوا أي اهتمام من الجهات المعنية رغم مهامهم الحساسة. فالبعض منهم استأجر على حسابه الخاص كرفانًا بمليون ونصف المليون دينار شهريًا، فيما الآخرون يجلسون أمام بوابات الدوائر الحكومية، على بساط الأرض وتحت رحمة الأحوال الجوية من حر الصيف وبرد الشتاء.
ويقول أبو ياسين، مختار منطقة المهدي في قضاء السماوة، خلال حديث لـ(المدى): «منذ أربعين عامًا وأنا على هذا الحال، أجلس على كرسي معدني أمام المكتبات الملاصقة لدوائر الدولة، والخاصة باستنساخ وطباعة الكتب الرسمية للمراجعين، لعدم وجود مكان مخصص وثابت يحمينا من الأمطار في الشتاء وأشعة الشمس في الصيف. كل واحد منا تراه جالسًا في بيته وهناك يأتيه المراجع، على العكس من بقية البلدان الخليجية ذات المجلس البلدي الحاضن لهم».
ويضيف: «نحن طبقة مهمشة ومسحوقة من بين فئات المجتمع المحترمة، لا أحد يكترث بنا، رغم أعمالنا الشاقة والصعبة التي ننجزها حتى في منتصف الليل أو خلال أيام العطلة الرسمية، حيث تكون الاستجابة فورية وحاضرة مع القوات الأمنية دون تكاسل أو تخاذل خدمة للصالح العام، وإلا سيكون مصيرك السجن والغرامة والفصل من المهنة من قبل رجال الأمن، بدعوى عدم التعاون معهم».
ويُعد «المختار» حلقة الوصل بين أجهزة الدولة بكافة مؤسساتها، خصوصًا الأمنية منها، والمواطن. ويضطلع بعدد من المهام الحساسة والخطرة حتى على حياته، منها تزويد الأجهزة الأمنية بالمعلومات الكاملة عن المحلة، وتأييد وجود المواطن في مكان سكناه، إضافة إلى مرافقته لأي عملية إلقاء قبض، وهو ما جعله في مواجهة أهالي المحلة الذين ينظرون إليه نظرة سلبية، أو حتى في بعض المرات تصل إلى حد المشاجرة والمشاكل العشائرية مع الشخص المتهم، بحكم العادات والتقاليد التي تسود النسيج الاجتماعي للمحافظة، لا سيما المناطق العشائرية منها، التي نفتقر فيها إلى الحماية اللازمة خصوصًا من المتهمين بالمخدرات.
ويروي مختار حي النصر الأول بالوكالة، ناجي سلمان خضر، خلال حديث لـ(المدى): «الكثير من المشاكل والمعوقات الصعبة تحدث معنا، لكن نتحملها لضعف حالتنا الاقتصادية ولا مفر لكسب لقمة الحلال غير هذه المهنة التعيسة. قبل شهر من الآن، رافقت مكافحة المخدرات باعتباري مختار المنطقة من أجل إلقاء القبض على متهم بالمخدرات، لكن الأخير سرعان ما أحس بقدوم الشرطة، فقفز على البيت المجاور وهرب منهم، فلحقت به الشرطة إلى داخل بيت الجيران دون استئذانهم، ما اعتبره صاحب البيت تعديًا على حرمة الدار أو كما تسمى شعبيًا بـ(دوسة بيت)».
ويضيف: «بعد فترة، قدم صاحب البيت دعوى قضائية ضدي في أحد المراكز وطالبني بالتعويض. فذهبت بدوري إلى مديرية المخدرات لكي يساندوني ويقفون معي لأنهم كانوا معي في ليلة القبض على المجرم، لكن تفاجأت بتهربهم من المسؤولية وتركوني وحيدًا أصارع هذا الشخص بعد اتصالهم بالقاضي، فكان الرد منه أنه يجب علي أن أذهب إلى المركز وأقدم بدوري دعوى أيضًا على صاحب البيت وأحضر معي شهودًا من غير أفراد مكافحة المخدرات، فاضطررت إلى أن أحل المشكلة معه عشائريًا».
واشتكى عدد من المختارين من مشكلاتهم الإدارية وحقوقهم التي وصفوها بالضائعة، منها عملهم المتواصل مع أجهزة الدولة المختلفة، ولا سيما الأمنية والإدارية والقضائية لمدة 24 ساعة يوميًا، بينما يفتقدون إلى أبسط حقوقهم الضائعة مثل الراتب الشهري والرعاية أو التقاعد بعد انقضاء خدمتهم، بينما اكتفت الجهات المعنية بمنحهم مكافأة مالية قدرها 250 ألف دينار عراقي، ويتم قطعها عنهم لأشهر أو سنوات.
ويوضح مختار منطقة الغربي في مدينة السماوة، حسين مسلم، خلال حديث لـ(المدى): «منذ سنين طويلة لم نتقاضَ سوى منح مالية تعتمد على الموازنة التشغيلية، وليس راتبًا ثابتًا كباقي موظفي دوائر الدولة، حتى أننا لم نستلم مستحقاتنا المالية منذ بداية هذه السنة ولغاية الآن، ونعتمد في عملنا على ما نجنيه من المواطنين المراجعين للدوائر الحكومية من استنساخ وطباعة الكتب الرسمية التي يُقدَّر ثمنها بنصف ألف دينار عراقي أو ربعها، الذي لا يسد حاجة طفل في يومنا هذا، لكن ما باليد حيلة سوى الاستمرار من أجل إطعام عوائلنا المحتاجة».
وحول هذا الأمر، يبيّن مدير شؤون المواطنين في محافظة المثنى، محمد رحيم، خلال حديث لـ(المدى): «المشكلة في عمل المختارين ترجع إلى عدم إقرار قانون المختارين رقم 13 لسنة 2011، الذي يعني بتنظيم عملهم ويحدد مهامهم وينظم تعاملهم مع المواطنين، إضافة إلى تخصيص راتب شهري ثابت لهم ويضاف له تقاعد بعد وصولهم السن القانونية». مشيرًا إلى أنه «عُقد اجتماع في الأمانة العامة لمجلس الوزراء حول هذا الأمر وتم طرحه ومناقشته، وإن لجنة الأقاليم النيابية قد تبنت هذا الموضوع». وأضاف: «الحكومة المحلية في المثنى غير قادرة على توفير بنايات لموظفيها، فبالكاد المختارون! خصوصًا وأن مجلس المحافظة لم يقم بأي شيء تجاه توفير مكان للمختارين بسبب قلة التخصيصات المالية، سوى أن بعض نواب برلمان المثنى قاموا بتوفير مكتب في بناية مجلس النواب بالسماوة، يجمع ممثلي المختارين فقط من المحافظة».
ويكمل: «هناك تزاحم في القرار في الوحدات الإدارية، فمرجع المختارين يترنح ما بين القائممقام والمحافظة، وبذلك تتبعثر تفاصيلهم. فالقائممقام يصدر قرارًا لوحده ونحن ملزمون بقرارات المحافظة، مما يؤدي إلى تضارب ومشاكل في العمل، حتى أن بعض المشاكل وصلت لهيئة النزاهة في الحكومة السابقة».
ويوفر المختار قاعدة بيانات كاملة لكل مواطن، كما يقوم بتسهيل حاجتهم من تأييدات السكن والمطالبة بالخدمات، وكذلك يتولى مراقبة الآداب العامة، ويتحمل تكاليف عمله من قرطاسية وغيرها، وبالنسبة للمناطق النائية فإنه يتحمل تكاليف السفر إلى مركز المحافظة.
يواصل «المختارون» في العراق احتجاجهم على غموض طبيعة عملهم مع الأجهزة التنفيذية والقضائية، حيث غفل القانون الذي ينظم عملهم عن الوصف الدقيق لهذا العمل، فيما اكتفى بمنحهم مكافأة مالية يتم قطعها عنهم لأشهر أو سنوات.
وقبل أشهر، حصلت موافقة رئاسة مجلس النواب على إدراج قانون المختارين ضمن قائمة القوانين المعدة للقراءة الأولى في الأيام المقبلة، وأن القانون موزع بين لجنتي الأقاليم والمحافظات والقانونية، بحسب النائب أمير المعموري في تصريح سابق لوسائل الإعلام، منوهًا بأنه من الممكن أن تشترك لجنة الأمن والدفاع كشريك لإبداء الرأي.
ويذكر أن القانون شُرع عام 2011 برقم 32 لكن فقراته لم تنصف المختار، وفقًا لحديث المعموري، منبهًا إلى وجود مهام محددة يجب أن تكون للمختار، لأنه جزء من الجهة التنفيذية ومساعد لقيادة الشرطة والجهات الأمنية بجميع أشكالها وأصنافها.
ويواصل المختار توفير قاعدة بيانات كاملة لكل مواطن، كما يقوم بتسهيل حاجتهم من تأييدات السكن والمطالبة بالخدمات، وكذلك يتولى مراقبة الآداب العامة، ويتحمل تكاليف عمله من قرطاسية وغيرها، وبالنسبة للمناطق النائية فإنه يتحمل تكاليف السفر إلى مركز المحافظة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أخطار تحويل بحر النجف إلى صحراء.. تهديد للتنوع البيئي!

مطالبات بتحديث منظومة تخزين القمح وفتح منافذ لتصدير الفائض

"بعد شكاوى المواطنين".. سامراء تلتزم بموعد حاسم لإنهاء مشروع المجاري

موقع أثري في الأنبار يكشف أسرار حضارة مفقودة!

تشكيلة منتخبنا الوطني أمام كوريا الجنوبية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الصراع يشتد على رئاسة مجلس ذي قار: هجوم مسلح تقابله دعوى قضائية

الدعاوى الكيدية ومداهمات دور المتظاهرين تشعل التظاهرات في الناصرية

لماذا تأخرت السلة الغذائية؟

العراق على موعد مع "أمطار وبرد"

الزخم المروري يخنق الكوت: مدينة غاضبة على دجلة!

مقالات ذات صلة

ارتفاع سعر صرف الدولار يعمّق الركود الاقتصادي في أسواق كردستان
محليات

ارتفاع سعر صرف الدولار يعمّق الركود الاقتصادي في أسواق كردستان

السليمانية / سوزان طاهر عادت أسواق مدن إقليم كردستان إلى حالة من الركود الاقتصادي مجدداً، نتيجة تأخر صرف رواتب الموظفين لأكثر من 55 يوماً وارتفاع سعر صرف الدولار، ما أدى إلى شلل تام في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram