عبد الكريم البليخ
أصبحت الساحة الثقافية تتيح لنا ظهور شخصيات لافتة تبحث عن مكان آمن لها في عالم الأدب والثقافة والاجتماع والفلسفة والعلوم، وغيرها من الثقافات والاجتهادات المختلفة، وهذا من حقها الطبيعي ولكن؟ ومن بين هؤلاء يظهر للعلن أشخاص مجهولون ممن يدعون الخبرة والوعي الكامل، والثقافة التي لا حدود لها بأخذ دورهم في المجتمع وبقوة، وبتجاهل دور غيرهم من خلال ما لديهم من إمكانات مادية تيسّر أمورهم، وتفتح أمامهم آفاق كثيرة، ويخدمهم في ذلك صراخهم غير المحدود ودون فائدة، وتجاوز حدودهم في استلهام صور الماضي والحاضر والمستقبل، وتجسيد ذلك من خلال انعكاسه على واقع حياة صارت مثار شك وريبة أمام مدّعي الثقافة، ومنهم من صار يغني على ليلاه بترأسه تحرير موقع إلكتروني وصفحات على فيسبوك، وهم في الواقع لا يملكون أي ثقافة، أو أي معلومة تجعل منهم قادرين على شغل هذه المكانة، وأن تصل بهم إلى المكانة التي يتسيّدونها ويفاخرون أمام أصدقائهم على أنهم صاروا يديرون مواقع لها شأنها في المحيط الذي يعيشون فيه.
أمثال هؤلاء صاروا بحاجة إلى قصّ جناحه كي لا يطير ويُحلق بعيداً، ظناً منه أنه صار مثقفاً كبيراً وصحافياً عملاقاً له مكانته وشهرته، وأنَّ مشوارهم في عالم الميديا، والصحافة الإلكترونية والورقية قصير جداً، ولا يمكن أن يتجاوز حدوده أرنبة أنفه، لأنهم في الواقع يظلون محدودي الأفق، ولا يمكن له أن يصلوا ويحققوا رغباتهم في إيصال المعلومة إلى أذهان الناس، لأنه هو بالأصل غير قادر على كتابة جملة مفيدة يمكن أن تسعفه، وتستأنس حضوره وإطلالته البهية، فضلاً عن أنه غير مقنع في إطلالته، وفي إعداد جملة صحيحة.
أخطاء ترتكب بالجملة. إملائية ونحوية، وتركيبات غير واضحة، ويحاول تحقيق رغبته في إقناع الناس ومعارفه الذين يتابعون ما ينشر، ناسياً أن ما يخلفه من صور في كتاباته فيها الكثير من الأخطاء التي لا يمكن لها أن ترتكب من قبل طالب ما زال في بداية مشواره الدراسي!.
أمثال هذه النخبة صار ت تنتشر وبكثرة، وظاهرة للجميع.. والأنكى أنَّ المثقفين أنفسهم يعلمون ما يفعلونه ويدركون إمكانياتهم الضحلة، ويعرفون ما يرمون إليه، وبالرغم من ذلك يقرأون لهم، ويتابعون ما ينشرون، ويطبّلون ويزمّرون وينفخون بإنتاجهم المقيت المكرّر والساذج!.
إنّ أمثال هؤلاء صاروا يفعلون أفعالهم باستصدارهم صحف ورقية، وصار لهم اسمهم ووزنهم، ويأخذون مكانتهم وبكل رحابة صدر. يظنون أنفسهم أنهم أصبحوا رؤساء تحرير فعليين، ولهم موقعهم ومكانتهم وصولاتهم وجولاتهم في عالم الصحافة. عالم راق لا يمكن لأي أحد تجاوزه إلا بشرف وصدق وحب، وهذا لا شك لا يمكن أن يكون بلمسة سحرية، ولكن يلزمه المعرفة، الرغبة والهواية والمتابعة واللغة الصحافية التي تنقل هموم الناس، وتقف عليها بصدق.
إن أمثال هؤلاء ما زالوا يصرخون، وبصوتٍ عال، على الساحة الإعلامية، دون فائدة، وينشرون ما يرغبون به، وبالتأكيد كل ذلك بمساعدة آخرين لهم رؤيتهم في الصحافة، ويدفعون لهم مقابل ما يكتبون على أن ينشر نشاطهم بأسماء هؤلاء الأميين الذين وصل بعضهم إلى القمّة، ومنهم من استغل مكانة والده، أو أحد أقاربه، ولا يعرف "فكّ الخط" تماماً.
وفي هذا ماذا يمكن أن نقول عن أمثال هؤلاء الذين أساءوا للصحافة صاحبة الجلالة التي يظل لها مكانتها واحترامها وقدسيتها ورؤيتها حيال ما يحدث اليوم على الساحة العامة من احترام ومجريات وألوان مزركشة في أغلبها، وتستدعي من الجماهير العارفة ما يجري حولها من وضع النقاط فوق الحروف بالعمل على فرملة نشاطهم، وإيقاف دورهم وردعهم إن تطلب الأمر عن إكمالهم في هذا الطريق الذي يضحكون به على عباد الله.
دور الصحافي، وكما يعرفه الكثيرون كبير ومهم في الحياة، ويؤسس لقاعدة أهمها الصدق مع النفس، ومع الناس الذين يتابعون ما يحدث، ويقرأون ما بين أيديهم من منشورات في عالم الصحافة الورقية، والميديا وعالمها الصارخ. وهذا الدور يشبه إلى حد ما دور المقاتل في المعركة.
إلى ذلك الصحافي المتواضع الذي يقبع خلف الكواليس، الذي يقدم نفسه من خلال قلمه ونشاطه وأفكاره للقارئ، ويقف متبرماً بالصدق كمبدأ بالدرجة الأولى؛ لأنه هو الأساس في منهجه.. نؤكد أن الصدق في العمل يظل مقياس النجاح، ومن خلاله يمكن تحقيق الأمل والطموح والاحترام بين الناس، وتخفيف الكثير من العيوب التي تصادفنا وتقف حجر عثرة في طريقنا، لا أن نخلق من أنفسنا أوهاماً وعبر لا حلول لها، وتصب بالتالي في مؤسيات تثبّط من عزيمة القارئ المعني بكل ما يجري، الذي ما زال بعيداً تماماً عما يدور حوله من صور سلبية أساءت للسلطة الرابعة.
ماذا يمكن أن نقول عن أمثال هذه النوع من المثقفين الجدد الذين يتسابقون نحو أفق ثقافية جديدة، ويحاولون جاهدين الركض بخطى سريعة، برغم انسداد الموقف الذي يبحثون عنه، السير في طريق محفوف بالمخاطر، لأنه لا يليق بهم، ولا يمكن بحال أن يقتحم أفكار أهل الثقافة المتنوّرين الذين يجسدون رؤيتها كما هي بعيداً عن أمثال هؤلاء النخب من المتطفلين الذين يحاولون خداع الناس والضحك عليهم، فإلى متى؟!