طالب عبد العزيز
لا يكاد يمرُّ يوم واحد دونما نزاع عشائري في إحدى مدن الوسط والجنوب، فأخبارها منقولة في الصحف، ومواقع التواصل، وعلى الشاشات، وكثيرا ما تتحدث الأجهزة الأمنية عن تدخلها الخجول، والمخزي، غير مبالية بعدد المقتولين والجرحى والمروعين جراء ذلك، حتى لكأن الامر أصبح من مسلمات الحياة العراقية. ويمكننا القول بأنَّ جلّ أسباب النزاعات هذه إنما تكمن في تعاطي أبناء العشائر للمواد المخدرة، بمختلف أنواعها، والتي باتت تفتك بالأسرة العراقية، وبما يهدد الامن المجتمعي، ويأتي بنذره على مستقبل الأجيال الجديدة.
وكما في مرة، ظلَّ الرصاص ليلة البارحة يلعلع في إحدى قرى ابي الخصيب، وخيوط النار الحُمر تمرُّ على البيوت، والعوائل لا تملك إلا أن تُدخلَ أبنائها في البيوت، لئلا يصاب أحد منهم، ومثل أيِّ لعبة قذرة تنتهي بجلوس طرفي النزاع، وبعد أخذ وردٍّ يمسكون بخيزران أحد كبارهم ثم يشدون عليها خرقةً بيضاء أو خضراء أو سوداء، يسمونها زوراً (راية العباس) ويدفع هذا لذاك مبلغاً من المال، ثم يتم تسقيط الدعوى المرفوعة من الطرف المجني عليه، في مسرحية ظلت تعاد فصولها دونما حسم لها من قبل الحكومة، التي أثبتت عجزها في معالجة قضايا هي الأشد فتكاً في البلاد.
هناك مفصل غائب عن أعين الأجهزة الأمنية إذْ أنَّ كل ما يتعاطاه الشباب من الحبوب المخدرة مصدره الصيدليات، وهناك تواطؤ واضح من قبل العاملين في بعض الصيدليات مع مجاميع تتاجر بهذه الحبوب، ويتفننون في الحصول عليها، دونما رقيب صحي أو أمني، نحن لا نتحدث عن الحدود المفتوحة مع ايران التي تعتبر المصدر الرئيس للكريستال والحشيش، فهذا شأن آخر، والعاملون عليه هم طبقة الكبار الكبار، الذين لا سلطة للدولة عليهم، فهم محميون بموجب قانون كتبوه لأنفسهم، وإن سمعنا هنا وهناك عن القاء القبض على العصابة هذه أو تلك، ولا يخفى على عراقي بأنَّ السجون ومراكز التوقيف باتت مصادر أخرى للتعاطي، فالشرطي يبيع المسجون والضابط يقبض الدفاتر مقابل صمته وتغاضيه، والبلاد الى هاويتها تمضي.
في العادة يكون الجندي مسؤولاً عن حماية الحدود والشرطي عن أمن الداخل من الجريمة، بعامة تفاصيلها، وفي العراق، حيث يجري مثل هذا، أو نحوه، وربما وضعنا شيئاً من ثقتنا بالسلطات الخاصة بمكافحة المخدرات، وقد تكون الأخيرة قائمة بواجبها كما ينبغي مع تحفظنا على (كما ينبغي) إلا أنَّ رجلاً ابتلي بتعاطي ابنه بالحبوب المخدرة نصحوه بأن يبلغ عنه مركز الشرطة القريب من بيتهم، وهمَّ بذلك، لولا أنَّ أحد الحكماء نصحه بأن لا يفعل، لأنَّ مراكز الشرطة في كثير من مدن الجنوب والوسط بؤراً أخرى للتعاطي، والامر موكول بمن يدفع أكثر من المال، وما عليه إلا أن يجد صيغة ثانية لمعالجة ادمان ابنه.
تتفنن شرطة مكافحة الشغب في تفريق المتظاهرين المطالبين بحقوقهم، ولديها من العصي المكهربة والبنادق التي تعمل برصاص المطاط ما لديها وكذلك من خراطيم الماء الحار، وهناك جهاز أمن الحشد والامن الوطني والاستخبارات والمخابرات وقوات swat والداخلية بأفواجها المتعددة وكلها ستكون مستنفرة وجاهزة للانقضاض على أكبر تظاهرة في التحرير أو في أي ساحة من الساحات، وتستطيع إخراج أيِّ متظاهر من بيته أو أي جحر يختبئ فيه لكنَّ الأجهزة هذه كلها لم تستطع حماية شبابنا من عصابات بيع الحبوب المخدرة والكريستال والحشيش التي باتت تحت وسائدهم، في عجز واضح من اسرهم، التي تخشى العار ولا تخشى عواقبه. مالم يتم اصلاح السلطات الأمنية، وسحب أسلحة العشائر، ومعاقبة الصيادلة الذين يبيعون الحبوب هذه لن نتمكن من إصلاح شأن أبنائنا. كانت عقوبة الإعدام في حكومة النظام السابق أكثر من رادعة، وكانت اسرنا محمية بالقانون.