TOP

جريدة المدى > عام > أربعون عاماً من تاريخ السوريالية

أربعون عاماً من تاريخ السوريالية

نشر في: 16 أكتوبر, 2024: 12:01 ص

ترجمة صلاح سرميني
باريس
يستعيد معرض "السوريالية" الذي ينتظم حالياً في "مركز جورج بومبيدو" بباريس (04 سبتمبر2024 -13 يناير 2025) أكثر من أربعين عاماً من النشاط الإبداعيّ الاستثنائيّ، من عام 1924 إلى عام 1969، ويحتفل بالذكرى السنويّة للحركة التي بدأت مع نشر بيان السورياليّة لأندريه بريتون.
يتخذ المعرض شكلاً حلزونيّاً، أو متاهةً، ويدور حول "طبل" مركزيّ يعرض بداخله المخطوطة الأصليّة لبيان السورياليّة، وهو استعارةٌ استثنائيةُ من المكتبة الوطنية الفرنسية.
عرضٌ سمعيّ/ بصريٌّ غامر يلقي الضوء على نشأته، ومعناه.
يتخلل المعرض، من حيث التسلسل الزمنيّ، والموضوعيّ، 13 فصلاً تستحضر الشخصيات الأدبية التي ألهمت الحركة (لوتريامون، لويس كارول، ساد…)، والأساطير التي تُشكل خيالها الشعريّ (الفنان ـ الوسيط، الحلم، حجر الفلاسفة، الغابة..) .
وفيّةٌ لمبدأ تعدد التخصصات التي تُميّز المعارض في "مركز بومبيدو"، يجمع معرض "السوريالية" بين اللوحات، والرسومات، والأفلام، والصور الفوتوغرافية، والوثائق الأدبية.
ويعرض الأعمال الرمزية للحركة، من المجموعات العامة، والخاصة الدولية الرئيسية
The Great Masturbator
لـ سلفادور دالي.
Les Valeurs personnelles
لـ رينيه ماجريت.
Le Cerveau de l’enfant
لـ جورجيو دي شيريكو
Chant d’amour
لـ جورجيو دي شيريكو.
La Grande Forêt
لـ ماكس إرنست.
Chien aboyant à la lune
لـ جوان ميرو.
يقدم المعرض جزءاً مهمّاً للعديد من النساء اللاتي شاركن في الحركة، ومن بينهن أعمال ليونورا كارينجتون، ريميديوس فارو، إيثيل كولكوهون، دورا مار، دوروثيا تانينج…
ويأخذ بعين الاعتبار توسعها العالمي من خلال تقديم العديد من الأعمال الدولية.
فنانون مثل تاتسو إيكيدا (اليابان)، هيلين لونديبيرج (الولايات المتحدة)، فيلهلم فريدي (الدنمارك)، روفينو تامايو (المكسيك)….
إن التحدي السورياليّ لنموذج الحضارة الذي يعتمد فقط على العقلانية التقنية، واهتمام الحركة بالثقافات التي حافظت على مبدأ العالم المُوحّد (ثقافة هنود توراهومارا التي اكتشفها أنطونان أرتو، وثقافة الهوبيس التي درسها أندريه بريتون)، يشهدان على حداثتها.
لم تكن التصفية الرسمية للسوريالية بمثابة نهاية لتأثيرها على الفنّ، والمجتمع.
ويستمرّ في إلهام معارض الفن المُعاصر، وإنتاج الأفلام، والأزياء، والقصص المُصورة، وما إلى ذلك.
أسئلة للمُفوضين
ما هو النهج الذي تمّ اعتماده لعرض السوريالية اليوم، بعد 20 عاماً من معرض "الثورة السوريالية" في "مركز بومبيدو"؟
ماري ساريه: يعود تاريخ آخر معرض مخصص للحركة السوريالية في "مركز بومبيدو" إلى عام 2002.
ومنذ ذلك الحين، يُنظمّ المركز معارض وُفق تيمة معينة ("تخريب الصور"، "السوريالية، والشيء"، "الفنّ، والحرية")، والدراسات الكاملة، والمُفصّلة حول موضوعٍ محدد ("دالي"، "ماجريت"، "دورا مار")، لكن بدا من الضروري تقديم معرض للجيل الجديدٍ عن الحركة بأكملها، في ضوء الأبحاث الحديثة التي تمّ إجراؤها في المتاحف، وفي البحث الجامعي.
لفترةٍٍ طويلة، اُعتبرت السوريالية حركةً طليعيةً انتهت عام 1940، وهذا يُعادل بتر نصف تاريخها، حيث استمرّت، على الأقلّ، حتى أكتوبر 1969 تاريخ تصفيّتها رسمياً.
لذلك، بدا من الضروري النظر إلى الحركة ككّل، وإعطاء سوريالية ما بعد الحرب مكانها الصحيح.
ومن ناحيةٍ أخرى، لا يمكن اعتبار السوريالية اليوم حركةً باريسيةً، أو حتى أوروبية.
ونحن نعلم الآن أنه انتشرت في العالم كله، في الولايات المتحدة بالطبع، ولكن أيضاً في أمريكا اللاتينية، والمغرب العربي، وآسيا، وقد تمّ إثراؤها بشكلٍ كبيرٍ بمُساهمات هذه المراكز الدولية.
كما تمّت إعادة النظر في مكانة المرأة في المجموعة على نطاقٍ واسعٍ في السنوات الأخيرة.
لم تُسجّل أيّ حركة في القرن العشرين هذا العدد الكبير من النساء بين أعضائها النشطين، بعيداً عن مكانة المُلهمات التي غالباً ما أردنا اختزالهن إليها.
وقد تمّ إثبات وجودهنّ في المجلات، وكذلك في العديد من المعارض الدولية للسوريالية، على الأقلّ من الثلاثينيّات، سواء في الفنون التشكيلية، أو في الأدب.
أخيراً، كان من المفيد التذكير بواقع المعارض السوريالية: أحداثٌ تحظى بشعبيةٍ كبيرة جمعت عدة آلاف من الزوار، والتي وصفتها الصحافة بسهولةٍ بأنها "حديقة لونا" (حديقة الملاهي)، و"قطار الأشباح".
واعترافاً بالوفاء لذلك النمط من الأحداث، يقدم معرض "السوريالية" مقاربةً موضوعيةً ترسم الخيال الشعريّ للحركة.
لماذا تعتقد أن السوريالية ظلّت معاصرة بشكلٍ ملحوظ في عام 2024؟
ديدييه أوتينجر: سواء كان الأمر يتعلق بالسوريالية، أو أيّ موضوع آخر، تاريخيٍّ، أو موضوعيٍّ، فإن أيّ معرض، وخاصةً في "مركز بومبيدو"، في رأييّ لا يحظى على معنى إلاّ عندما يكون قادراً على التناغم مع الفنّ، ومع أسئلة العصر.
مع السوريالية، لا يمكنك أن تفعل ما هو أفضل! طوال تاريخها الطويل (40 عاماً)، حرصت السوريالية دائماً على السير على قدميّن، للتوفيق بين "الحياة المُتغيّرة" لرامبو، و"تحويل العالم" لماركس.
منذ تأسيسها، أرادت السوريالية أن تعمل في المجال السياسي.
أدانت الاستعمار (في عام 1925 بإدانة حرب الريف، في عام 1931 خلال المعرض الاستعماري الباريسيّ الكبير، خلال حروب الهند الصينية، والجزائر، وما إلى ذلك)، حاربت الشمولية (في وقت صعود الفاشية في أوروبا ثلاثينيّات القرن العشرين، أثناء الحرب العالمية الثانية)، خلال "انقلاب براغ" عام 1948، وانتفاضة بودابست عام 1956، وما إلى ذلك).
إن المعارض الدولية التي تحوّلت إلى منتدياتٍ مفتوحةً للقضايا السياسية المُعاصرة، تشهد على أهمية الحركة السريعة في الردّ على جميع التهديدات التي تؤثر على الحرية، وعلى جميع الاعتداءات على الكرامة الإنسانية.
ما مدى أهمية السوريالية التي انتشرت، بعد سنواتٍ قليلة من تأسيسها، من براغ إلى طوكيو، ومن لندن إلى القاهرة، لربط نقاط كوكبة لا يوحدها إلاّ نموذج التحرر.
لا تزال هناك أنباءٌ عن حركةٍ كانت، أكثر من أيّ حركةٍ أخرى في وقتها، مفتوحةً على نطاقٍ واسعٍ أمام النساء.
وبعيداً عن هذه الخصائص الشكلية التي بشّرت بما أصبح عليه "الفنّ المعاصر"، فمن خلال النموذج الحضاري الذي تتضمّنه، تؤكد السوريالية نفسها على أنها "معاصرةً بشكلٍ ملحوظ".
وريثة الرومانسية (الألمانية على وجه الخصوص)، لم تتوقف السوريالية أبداً عن تحدّي العبادة الصنمية التي تكرّسها المجتمعات الحديثة للتكنولوجيا، والآلات، وإدانة الهوس المادي، والنزعة الاستهلاكية للمجتمعات "المتقدمة" (آخر معارض السورياليين، "الفجوة المطلقة")، في عام 1965، يضع "المستهلك البشع" في وسط صالاته).
في عام 1938، كتب الشاعر بنيامين بيريه نصّاً مُستوحى من صورة قاطرة مهجورة في قلب غابات الأمازون.
عنوان نصّه، الطبيعة تلتهم التقدم، وتتجاوزه، يتردد صداه بشكلٍ فريد، كتهديدٍ، أو كأملٍ، في آذان معاصرينا…
سينوغرافيا المعرض
سينوغرافيا: كورين مارشا
للوصول إلى المعرض، يمرّ الزوّار عبر قاعة مدخل تشبه الحُلم مصممةٌ على شكل "الصندوق السحري".
مُستوحى من افتتان السورياليّين بالثقافة الشعبية (قطار الأشباح، مدينة الملاهي)، تستحضر هذه المنظومة الغامرة ملهى "L›Enfer"، الموجود أسفل نوافذ أندريه بروتون.
هذا "الباب السحري"، الذي تخيّله تييري دوفرين، وتمّ إنشاؤه بالتعاون مع الساحر عبد الأفريز، يدعو الجمهور إلى رحلةٍ في قلب الأحلام، والأوهام السوريالية، مستذكراً "الاختفاء" الذي قدمه هانز ريختر في فيلمه "Vormittagsspuk" (1927-1928)
الصالة المركزية: تسلط الضوء سمعياً، وبصرياً على البيان السوريالي في قلب المعرض، صوت أندريه بريتون، الذي أعيد تشكيله من قِبَلِ فرق معهد البحوث، والتنسيق الصوتي/الموسيقي (Ircam) التابع لمركز بومبيدو عن طريق الاستنساخ الصوتيّ بمُساعدة الذكاء الاصطناعي، يرشد الزوّار في اكتشاف بيان السوريالية.
تمّ تطوير هذه التقنية في عام 2023 من قبل IRCAM، أثناء التعاون مع صحيفة لوموند، لإعادة بناء نداء شارل ديغول في 18 يونيو.

(ترجمة من الملف الصحفيّ للمعرض).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: حصاد العام 2024

من مسالك الإبهار والمخاتلة السردية

إيجادُ المعنى في كونٍ لا معنى له

التشكيلي العراقي عبد العزيز الدهر..هل هي عودة لمعارض الألوان المائية المنحسرة؟

علي جواد الطاهر.. مشيّد ركائز النقد الأدبي في العراق

مقالات ذات صلة

إيجادُ المعنى في كونٍ لا معنى له
عام

إيجادُ المعنى في كونٍ لا معنى له

ميسرة كمال*ترجمة: لطفية الدليميغيابُ المعنى يخلعُ الألوان من حياتنا ويجعلها باهتة. كلّ شيء مع غياب المعنى يتضاءل إلى لون رمادي خافت، ويتحرّكُ بكيفية آلية وبلا مبالاة كاملة نحو وجهة تعبث بها أيادي القدر. تماماً...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram